حبل الله
نوع الرؤية في التعبير القرآني: ألم تر، ألم تروا

نوع الرؤية في التعبير القرآني: ألم تر، ألم تروا

السؤال:

أريد أن أعرف معنى عبارة (ألم تر، ألم تروا) التي وردت في آيات عديدة من كتاب الله، فهل المقصود رؤية العين أم العلم كما فسرها المفسرون أي رؤية البصيرة، فقد تتبعت عبارتي (ألم تر وألم تروا) فوجدت معظمها تدل على رؤية العين، وأشكلت علي بعض الآيات مثل (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) و (ألم تر إلى الملأ من بني اسرائيل) و (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه)..
هل الرؤية في هذه الآيات تعني أن الأمر الذي يخبر به الله يصبح كرؤية العين لأنه سبحانه أخبر به أم ما هو المقصود؟

جزاكم الله عني وعن المسلمين كل خير.

الجواب:

الرؤية نوعان :

الأولى: مادية وهي ما تراه العين ويدركه العقل، مثل قوله تعالى:

﴿‌أَلَمْ ‌تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20] 

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ ‌يُزْجِي ‌سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾ [النور: 43] 

فالإنسان يستطيع أن يرى المظاهر المذكورة في الآيتين بعينيه ويدرك ذلك بعقله.

والثانية: معنوية وهي ما يدركه العقل بوسائل المعرفة المختلفة بدون الرؤية البصرية. ولا شك أن إخبار القرآن بشيء يأتي على رأس مصادر المعرفة الصحيحة (الرؤية المعنوية).

ومن ذلك قوله تعالى:

﴿‌أَلَمْ ‌تَرَ ‌إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّه، قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا، قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 246] 

﴿‌أَلَمْ ‌تَرَ ‌إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258] 

في هاتين الآيتين كانت الرؤية معنوية، لأن المخاطبين بالقرآن لم يشهدوا تلك الحقبة التاريخية الغابرة، لكن إخبار الله تعالى عن تلك الأحداث جعل منها علما يقينيا كأن العين رأته مباشرة، بل إن إخبار القرآن أكثر صدقا من الرؤية العينية المباشرة لاحتمال الخلط من الناظر أو جهل بعض أجزاء الحدث الذي يراه ، أما إخبار الله بشيء لا يقع فيه احتمال الخطأ، لذلك جاء التساؤل التالي في القرآن لتأكيد هذه الحقيقة:

﴿وَمَنْ ‌أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: 87] ﴿وَمَنْ ‌أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122] 

والنتيجة أن استعمال القرآن الكريم لهذا التعبير (ألم تر، ألم تروا) يشمل النوعين من الرؤية، فكل ما يتشكل في وعي الإنسان من طرق المعرفة الصحيحة يكون كأنه رآه بعينه .

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.