حبل الله
الفرق بين كبائر الإثم وبين اللمم

الفرق بين كبائر الإثم وبين اللمم

السؤال:

كنت قد قرأت في موقعكم إحدى الفتاوى التي ذكرتم فيها أن اللمم لا يعتبر من الحرام وقرأت أيضا في أحد التفسيرات أن اللم يعتبر من الصغائر. فما هو معنى اللمم وهل هناك فرق بينه وبين المكروه؟

الجواب:

في البداية نُعرف معنى اللمم، وذلك من خلال تدبر الآيات المتعلقة به، فقد قال تعالى:

﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ، إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ، فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾ النجم (32)

فاللمم كما بيَّنه تعالى هو ما يلم بالإنسان عادة ويصعب عليه اجتنابه؛ ولذا فهو مستثنى مما يٌجتنب، بمعنى أن الإنسان يستطيع أن يجاهد نفسه في اجتناب كبائر الإثم والفواحش لكنه لا يستطيع أحيانا أن يتجنب ما أسماه تعالى باللمم وأسماه العلماء بالصغائر.

وقوله تعالى في وصف المؤمنين المتوكلين:

﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ الشورى (37: 38)

فالله تعالى في الآيات السابقة قد فرق بين كبائر الإثم والفواحش وبين اللمم، وهذا لا يعني أن الأخيرة ليست حرامًا ولكنه تعالى قد عفا عنها وبيّن السبب في ذلك أنه سبحانه:

﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾

فهو سبحانه يعلم ضعفنا ويعلم أننا مهما تحرينا في أمور ديننا ودنيانا فسوف يستزلنا الشيطان ببعض كسبنا أو بضعف نفوسنا ولذا نهانا عن تزكية أنفسنا:

﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾

حتى إنه سبحانه لما أمر الإنسان بالتقوى ذكرها مقرونة بالاستطاعة:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ…﴾ التغابن (16)

ومن هنا فإننا عندما جاءنا سؤال حول مصافحة الخطيب لخطيبته (ويمكنكم مراجعة الفتوى على الرابط أدناه) لم نقل أن (اللمم لا يعتبر من الحرام) ولكننا فرقنا بين مجرد المصافحة وبين الكبائر والفواحش وهذا ليس من عند أنفسنا وإنما بيَّنه رب العالمين كما ذكرنا، وقلنا أن الأولى تركه لأنه حتى لو كانت المصافحة غير مطلوبة ولكن اضطر المؤمن إلى فعلها – كما وضحنا بالفتوى – فإنها لا ترقى إلى كبائر الإثم، وبالتالي لا نصدر حكمًا على المتصافحين بارتكاب فاحشة محرمة لكننا نستطيع القول أنه لمم واجتنابه أطهر لقلوبهم وقلوبهن.

https://www.hablullah.com/?p=8296

ولو طبقنا هذا الكلام على واقع الحياة سوف نجد أمثلة كثيرة على اللمم، فعلى سبيل المثال فإن أكل الربا من الكبائر، ولكن العمل في البنوك التي تجري معاملات ربوية يعد من اللمم لا من الكبائر.

وكذلك فإن شرب الخمر من الكبائر لكن العمل في الفنادق أو المطاعم التي تبيعه وتقدمه للزبائن يعد من اللمم.

والأمثلة على ذلك كثيرة في حياتنا التي إن مرت بدون فواحش وكبائر فهي لا تمر إلا باللمم وعلى كل إنسان أن ينظر في نفسه وسوف يدرك ذلك جيدًا، وها هو النبي الصديق يوسف يقول:

﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي، إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يوسف (53)

ولكن من رحمته جل وعلا ولطفه بعباده أنه قد وعد بتكفير هذا اللمم ومغفرته ولم يجعله حائلًا دون دخولهم مدخلً كريمًا فقال سبحانه:

﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ النساء (31)

أما بالنسبة للسؤال عن الفرق بين اللمم وبين المكروه، فقد عرفت المذاهب المكروه بأنه (العمل الذي يُثاب تاركه – امتثالا – ولا يأثم فاعله)!

ولكننا لو تتبعنا الكراهية في كتاب الله تعالى لأدركنا أنه الشيء المنبوذ الذي لا يحبه الله تعالى كما في قوله:

﴿وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ الحجرات (7)

ويطلق كذلك على ما يفعله الشخص على غير رضا منه كما في قوله تَعَالَىٰ:

﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ الأنفال (5)

وكرهه تعالى لا يكون إلا لفعل منهي عنه لأنه عكس الحب فقال تعالى:

﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ البقرة (205) ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ البقرة (276) ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ آل عمران (57) ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ الأنفال (58)

فالفساد والكفر والظلم والخيانة صفات مكروهة عند الله تعالى لذلك حرمها واعتبرها من كبائر الإثم.

ولكننا نستطيع القول أن لفظ المكروه قد أطلقه الفقهاء على الشيء الذي لم يستطيعوا أن يقولوا بحرمته صراحة لعدم توفر الدليل المباشر على تحريمه فوصفوه بمصطلح المكروه فصار واحدا من أقسام الحكم التكليفي كغيره من المصطلحات الفقهية كالمندوب والواجب والمحرم والمباح.

والحقيقة فإن المكروه والمحرم والمنهي عنه شيء واحد في كتاب الله تعالى ولذا كان التعبير بلفظ اللمم أدق وأكثر توصيفا للسيئات دون كبائر الإثم والفواحش التي جاء النهي عنها وتحريمها بشكل واضح وجلي لا شبهة فيه بل اقترانها بالوعيد والعذاب.

وختامًا: فإن المؤمن الحق يسعى دائمًا إلى تقوى الله تعالى في كل أمور حياته، ولا يعني ذلك أنه معصوم من الخطأ، وقد ذكر تعالى أن المتقين قد تزل قدمهم، لكن الله تعالى _الذي كتب على نفسه الرحمة_ غفار لمن تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا حتى لمن ارتكب الفاحشة، ولكن الفرق بينهم وبين غير المتقين هو الإسراع بالتوبة وعدم الإصرار على المعصية، فقد قَالَ جَلَّ وعلا:

﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ آل عمران (133: 135).

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.