حبل الله
الاستهزاء واللهو في أمور الدين

الاستهزاء واللهو في أمور الدين

السؤال

ما هو ضابط الاستهزاء المكفِّر؟ فقد قرأت منشورا على أحد مواقع التواصل ذكر فيه بعض الأفعال التي يكفر فاعلها وتعجبت منها، لأن منها ما قد يفعله البعض ولا أتصور أنه يقصد الانتقاص أو الاستهزاء و قد جاءني وسواس في موضوع الكفر والمكفرات وأخشى أن أي فعل أفعله قد يكون مكفرا , وهذا مثال على ما قرأت :

“وَلَو تنَازع رجلَانِ فَقَالَ أَحدهمَا لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَقَالَ لَهُ الآخر لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه لَا تغني من جوع, كفر”

“وَلَو جلس رجل على مَكَان مُرْتَفع تَشْبِيها بالخطيب فَسَأَلُوهُ الْمسَائِل وهم يَضْحَكُونَ أَو قَالَ أحدهم قَصْعَة ثريد خير من الْعلم كفر”

فهل هذه الأفعال وما شابهها مكفرة حقا أم تعتمد على قصد فاعلها.

و جزاكم الله خيرا

الجواب:

لا بد أن يعلم المسلم أنه مسؤول أمام الله تعالى عن أقواله وأفعاله، فكلها تسجل في كتاب أعماله، قال الله تعالى:

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ. مَا يَلْفِظُ ‌مِنْ ‌قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 16-18]

ويقول أيضا:

﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. ‌كِرَامًا كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10-12] 

ويتفاجأ العصاة والمجرمون يوم يُعرض عليهم كتب أعمالهم من أن أصغر الأعمال وأهون الأقوال مكتوبة فيه:

﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ ‌لَا ‌يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 49] 

وقد حذر الله تعالى من الخوض في آياته والاستهزاء بدينه:

﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا ‌نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة: 64-66] 

تقرر هذه الآيات أن الخوض والاستهزاء بمسائل الدين إن صدرت بقصد الانتقاص من الدين فهي كفر ودليل على النفاق.

لكن صدورها من باب التسلية واللهو فهي ذنب عظيم لا يليق بمسلم فعله، لكنها لا تجعل منه كافرا، ولا يعني هذا أن يستسهل المسلم هذه التصرفات والأقوال، بل عليه أن يضبط لسانه وجوارحه بما يرضي الله تعالى.

إن طبيعة أقوال وأفعال المرء إنما هي ما اعتاد عليه، لذا على المسلم أن يعود نفسه على القول الحسن والأفعال السديدة، قال الله تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا ‌سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71] 

فالقول الموافق للحق وكذا التصرفات السليمة هي مدعاة لصلاح عمل المرء وتوفيقه ومغفرة ذنوبه، وهي علامة التقوى الظاهرة التي تخرج الإنسان من الكرب والضيق إلى سعة رحمة الله والفرج، كما يبينه قوله تعالى:

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ ‌مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2-3] 

وقد وعد الله سبحانه أولئك الذين ينتبهون لأقوالهم وأفعالهم بالتثبيت والمعونة:

﴿‌يُثَبِّتُ ‌اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27] 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.