حبل الله
الدليل على تقاسم الزوجات الربع أو الثمن في تركة الزوج

الدليل على تقاسم الزوجات الربع أو الثمن في تركة الزوج

السؤال

لدي سؤال بخصوص تعدد الزوجات و المواريث.

حسب ما أعلم فإنه يجوز للزوج أن يعدد دون إخبار زوجته رغم أن التعدد يؤثر على ميراث الزوجة حيث يجب عليها مشاركة نصيبها مع الأخرى مناصفة وهو بلا شك إضرار بها في حين أن بعض الفقهاء منعوا مريض الموت من الزواج بسبب الإضرار بالورثة لأنه إدخال وارث عليهم، والجمهور منعوا أن يزيد مريض الموت في مهر الزوجة عن مهر المثل لأنه إضرار بالورثة أيضا فكيف لا يكون إخفاء الزواج الثاني ممنوعا لأنه إضرار بالوارثة خاصة، وخاصة أنه كثيرًا ما تنفق الزوجة من مالها في البيت وقد تتحمل المزيد من المسؤوليات على أساس أنها تساعد زوجها ولتبقي على المودة التي بينهما ولو علمت بزواجه عليها لم تكن لتفعل ذلك.

كذلك أود أن أعرف ما هو الدليل خلف تقاسم الزوجات الربع أو الثمن خاصة وأن آيات الميراث كلها جاءت بصيغة الجمع ولم يقل تعالى أن الزوجات شركاء في الربع أو الثمن مثل ما تم ذكره في ميراث الإخوة.

الجواب:

إن الله تعالى عندما شرع التعدد وأباحه لم يجعله على سبيل السر والخفاء، وقد  بينا من قبل أن التعدد الذي أباحه تعالى هو في صالح النساء وليس كما يظن البعض أنه تفضيل للرجال وإرضاء لشهواتهم ورغباتهم، ولهذا فإن الإنسان الذي يفعل ما أحل الله تعالى لا يجب عليه أن يفعله سرًا وخاصة أن الزواج كما ذكرت السائلة الكريمة لا يقتصر أثره على الزوجين فحسب وإنما يمتد أثره إلى بقية أفراد الأسرة لما يترتب عليه من حقوق شرعية ومالية تتعلق بالأسرة بأكملها .

وبناء عليه فإن الزوج إذا أراد التعدد وفق ما شرعه تعالى فعليه أن يلتزم بضوابطه الشرعية من العدل والنفقة وإثبات النسب والميراث، ويلزم هذا أن يخبر الزوجة الأولى فإن رضيت فهو حسن، وإلا فلا إجبار عليها في البقاء معه قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ النساء (130)

ولها أن تحصل على حقوقها كاملة، ولا يحق للزوج أن يرغمها على قبول وضع لا تريده ولا أن يعضلها بأخذ حقوقها حتى ترضخ له امتثالًا لأمره جَلَّ في عُلاه:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ النساء (19)

وفي هذه الحالة يدفع الزوج لزوجته التي لا ترغب في البقاء معه بسبب زواجه من أخرى كامل صداقها وحقوقها في نفقة المتعة قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ و تَعَالَىٰ:

﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ النساء (20)

فإن كان هناك أولاد واختاروا البقاء مع امهم فيلزم الأب مسكنهم ونفقتهم كاملة كما بين تعالى في محكم آياته المتعلقة بحقوق الأولاد المترتبة على الطلاق.

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالة المتعلقة (هل رفض نبينا الكريم أن يتزوج علي بن أبي طالب في حياة فاطمة؟) https://www.hablullah.com/?p=7637

أما بالنسبة لما ذهب إليه الفقهاء من منع مريض الموت من الزواج نظرًا لإضرار الزوجة الأولى ومناصفتها في ميراثها فيقصد به من فقد رشده أو تأثر عقله نظرًا للمرض أو الشيخوخة، ولكن إن كان مرضه لا يؤثر على عقله ورشده فله أن يتزوج، وذلك لأن مرضه ليس دليلًا على انتهاء أجله فكم من مريض عاش بمرضه وكم من سليم معافى مات دون أن يشكو من شيء، فالإنسان لا يستطيع أن يحدد لموته زمانًا ولا مكانًا، فهذا مما لا يعلمه _على وجه اليقين_ سوى الله تعالى وحده:

﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًاۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ لقمان (34)

ولو كان في مناصفة الزوجات للميراث إضرارًا بحق إحداهن لما شرع تعالى التعدد ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾

وفي الوقت نفسه إن كانت الزوجة الأولى قد ساندته سواء بجهدها وصبرها معه أم بمالها ففي هذه الحالة يحق لها أن يكتب لها الزوج قبل وفاته نصيبًا من ماله جزاء ما فعلته لأجله، وكي لا تتساوى بالزوجة التي تزوجها في كبره ولم تكن سببًا في نمو ثروته وزيادتها، وذلك من منطلق رد الإحسان بمثله قَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه:

﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ الرحمن (60)

أما فيما يخص الميراث فالزوجات يشتركن في النصيب المحدد في كتاب الله تعالى.

وبالنسبة عن الدليل خلف تقاسم الزوجات الربع أو الثمن في حالة التعدد، ولماذا لم يأت لفظ الشركاء كما جاء في الإخوة؟ يرد على ذلك بعدة أمور نذكر منها:

  • أنه يكفي مجيئها بصيغة الجمع في قوله تعالى:

﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌۚ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ النساء (12)

وقوله تعالى:

﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ، وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ النساء (33)

  • وكذلك فإن عدم مجيء القسمة بلفظ (شركاء) ليس دليلًا عدم أحقية الزوجات الأخريات بدليل أن اللفظ لم يأت مع بنات المتوفى في قوله تعالى:

﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ النساء (11)

فلم يقل (وإن كن نساء فوق اثنتين فهن شريكات في الثلثين) ورغم ذلك فهن شريكات في نفس النسبة.

  • هذا بالإضافة إلى أن اللفظ نفسه لم يذكر مع ميراث جميع الإخوة، وذلك لأن نصيبهم مختلف من حالة لأخرى وهذا بخلاف نصيب الزوجات حيث أنه ثابت ومحدد ما بين الربع والثمن؛ فالأخ مرة يأخذ السدس:

﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ النساء (12)

ومرة يشترك مع إخوته في الثلث:

﴿فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾ النساء (12)

ومرة لا يحدد له نصيب ويحصل على ضعف نصيب أخته:

﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌۘ﴾ النساء (176)

وفي الآية موضع السؤال ﴿فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾ ذكر تعالى لفظ (شركاء) ليدلل على مساواة الإخوة في الأنصبة هنا بين الذكور والإناث؛ ذلك لئلا يظن الذكور تضعيف نصيبهم على الإناث كما في الآية السابقة.

وهذه الأمور ليست موجودة في ميراث الأزواج فكلهن إناث متساويات الأنصبة في جميع الأحوال، وبالتالي فلا داعي لذكر اللفظ (شركاء).

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.