حبل الله
هل الحجاب فرض على أزواج النبي وبناته ونساء المؤمنين في زمانه فقط؟

هل الحجاب فرض على أزواج النبي وبناته ونساء المؤمنين في زمانه فقط؟

السؤال:

سؤالي عبارة عن شقين يتعلقان بقوله جل وعلا: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ” [الأحزاب:59]

الشق الأول: هل الآية تدل على أن الحجاب فرض على المرأة المتزوجة لأنها أسندت النساء إلى الرجال، وأنها خصت بنات النبي فقط بهذا الأمر، وإلا لِم لم يقل الله عز وجل النساء المؤمنات؟ وخاصة عندما سمعت أنه مكتوب في الإنجيل عن واجب المرأة المتزوجة أن تغطي شعرها!

والشق الثاني: لقد قرأت دراسة في كتاب أحدهم أنه عندما يُذكر اسم النبي في الآية فإنه يعني زمن النبي الذي كان فيه على قيد الحياة، وكل الأحكام التي تذكر مع كلمة نبي تتعلق بذلك الزمن، أما كلمة رسول فهي على مر العصور، وعندما تحققت من الآيات اقتنعت، ولكن آية الحجاب هي من سببت لي الإشكال، وإن لم يكن الفرق بين النبي والرسول كما أسلفت، فما الفرق إذًا؟

الجواب:

نبدأ بالجواب عن الشق الثاني المتعلق بالفرق بين النبي والرسول بشيء من التفصيل لأن الشق الأول يُبنى ويترتب عليه.

فبالطبع هناك فرق بين النبي وبين الرسول وقد أصاب الكاتب الذي نقلت عنه السائلة الكريمة عندما قال (أن اسم النبي متعلق بالزمن الذي كان فيه على قيد الحياة) لكنه قد جانبه الصواب حين قال أن كل الأحكام التي تذكر مع كلمة نبي تتعلق فقط بذلك الزمن ولا تسري على من يأتون بعده، ولو كان الأمر كما يقول لترتب على هذا عدة أمور منها:

  • إن قوله هذا يعني أننا غير مكلفين بأي خطاب في كتاب الله تعالى قد وُجه للنبي ولم يوجه للرسول، ولكانت الآيات المتعلقة بالنبي حشوًا زائدًا لا فائدة منه – حاش لله – بما أنها ليست صالحة لأي زمان بعد موته ﷺ.
  • بل يترتب على ذلك أننا نحتاج إلى إنزال كتاب آخر أو بمعنى أدق كتب أخرى كثيرة منذ مماته ﷺ حتى تقوم الساعة ولكنا كمن قيل فيهم:

﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ، فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا، سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ﴾ الأنعام (157)

ذلك لأن الكاتب قد أغفل شيئًا هامًا ألا وهو أن الكتاب الذي أنزل على محمد ﷺ قد أنزل عليه بصفته نبيًا وليس بصفته رسولًا؛ إذ أن النبي هو من يؤتى الكتاب والرسول من يؤمر بتبليغه وبإيصال رسالة ربه، وذلك بدليل قوله تعالى:

﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ البقرة (213)

وقوله:

﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ..﴾ آل عمران (81).

إن الفرق بين النبي والرسول لا يقتصر على اختلاف زمن النبوة وما بعدها بحسب ما تيقنت السائلة – على حد قولها – وإنما هناك فرق في اللفظ يترتب عليه فرق في الخطاب في كتاب الله تعالى.

  • فلفظ الرسول أعم وأشمل من لفظ النبي الذي يتوقف عند من أنزل عليه كتاب، أما الرسول فهو عام فكل من وصَّل أو بلغ رسالة يُسمى رسول، كما تُسمى رسالته رسول أيضا (المفردات، مادة رسل)، والرسول والرسالة لهما طرق متعددة كالأشخاص والمكتوبات والكلمات حتى إن بعض الإشارات تُعد بمثابة رسول وقد تكون الرسائل مباشرة وواضحة أو متضمنة ومبطنة، فكلمة رسول لا تتوقف عند الأنبياء وحدهم.

ولذلك فإن كل نبي رسول وليس كل رسول نبيا، فإن أوتي كتابٌ فهو نبي ورسول، وإن لم ينزل عليه الكتاب لكنه قام بتبليغ كتاب الله تعالى فهو رسول فقط، فجميع أنبياء الله هم رسل كمحمد ﷺ:

﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ، وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ الأحزاب (40)

*ولمعرفة المزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على مقالة (النبي والرسول وضرورة التفريق بين المصطلحين) على الرابط التالي  https://www.hablullah.com/?p=1239

  • أما في الفرق بين الخطاب الموجه من الله تعالى لكليهما، فإن كان خطابًا متعلقًا بالتطبيقات العملية لمحمد ﷺ وبيان حياته وتعاملاته سواء الشخصية في علاقته بأزواجه وأصحابه أو غير الشخصية في تعاملاته مع المؤمنين أو حتى المشركين فحينئذ يكون الخطاب له كنبي كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ..﴾ الأنفال (65) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ الطلاق (1) ونلاحظ في الآيتين أن المخاطب هو النبي لكن المقصود به المؤمنون في قتالهم أو طلاقهم الذي يحدث منذ زمن النبي إلى قيام الساعة.

والنبي في تطبيقه الأحكام يتوقع منه الخطأ كأي بشر يخطئ ويصيب في اجتهاده وأفعاله ، ومن ذلك عتاب الله تعالى له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ..﴾ التحريم (1)

وذلك بخلاف خطابه تعالى له كرسول، فقد أُمره الله تعالى بتبليغ ما أُنزل إليه، ومن ذلك الرد على تساؤلات قومه التي تولى القرآن الإجابة عليها – بدون أي اجتهاد منه – أو بتبليغ الأحكام الخاصة بالحلال والحرام أو الآداب والأخلاق أو الإخبار عن الغيب للأمم السابقة كقصص الأنبياء أو المستقبل كيوم القيامة والجنة والنار، وفي هذه الحالة لا يمكن له كرسول أن يخطئ فيما يخبر عن ربه، لذا نجد البلاغ دائمًا متعلقًا به:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ المائدة (67).

ولهذا السبب نجد أن الخطاب بلفظ النبي متعلق بزمن النبوة – بما أنه زمن نزول الكتاب وهو نفسه زمن التطبيق العملي للرسالة – وهو ينقسم إلى قسمين:

  • الخطاب العام:

وهو الأكثر الغالب، ويكون الخطاب فيه موجهًا للنبي ويكون المقصود به هو والمؤمنين معه وكلّ من بلغه الكتاب من بعده إلى أن تقوم الساعة، وسورة الأحزاب من السور التي يتبين فيها هذا الأمر بشكل واضح وجلي، حين جاء أكثر الخطاب فيها للنبي؛ حيث أن السورة من بدايتها تتحدث عنه كقائد يتعامل مع أعدائه الذين تحزبوا ضده حيث بدأت بقوله تَعَالَىٰ له:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ الأحزاب (1)

والخطاب هنا لا يقتصر على النبي وحده ولا يقف عند زمنه، وإنما لكل قائد أو حاكم أو من بيده الأمر بأن يكون حازمًا في مواجهة أعدائه من الكافرين والمنافقين وألا ينصاع لهم ويشعر بالضعف أمامهم، ثم تتحدث السورة عنه كرجل متزوج، حيث إن الزواج له أحكامه العامة التي تنطبق على جملة الناس أو الخاصة بالنبي في بيته ومع أزواجه.

  • الخطاب الخاص:

وهو الأقل النادر، ويكون الخطاب فيه موجهًا فقط للنبي أو لنسائه، وفي هذه الحالة فإن الحكم فيها خاص بالنبي وحده كقوله تعالى له:

﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ الأحزاب (52) وبأهل بيته حال حياته وبعد وفاته كقوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ الأحزاب (28)

حتى عندما وجه تعالى الخطاب لنسائه قال:

﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ﴾ الأحزاب (30)

ولم يقل (يا نساء الرسول)

إذا أن الأمر كما قلنا متعلق بالتطبيق ولا يقف عند التبليغ (وربما هذا ما قصده الكاتب بقوله الأحكام الخاصة بزمن النبوة ولا تسري على المؤمنين من بعده)

وهذا النوع من الخطاب قد بيَّنه تعالى بشكل واضح وجلي في استخدام الألفاظ الدالة على خصوصية الأمر كقوله تعالى لنبيه:

﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأحزاب (50)

ومن ثم فلا ينبغي علينا تعميم كل خطاب للنبي بقولنا أنها أحكام خاصة بزمن النبي وأنها ليست صالحة لكل العصور، وإلا انقلبنا على أعقابنا كمن قيل فيهم:

﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ..﴾ آل عمران (144)

لأن صفة النبوة لا تنفك عن صفة الرسالة.

ويتضح الأمر بشكل أكبر عندما نتدبر قوله تعالى:

﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ التوبة (61)

فالمنافقون والمشركون عندما آذوا محمدًا ﷺ وجهوا له الإساءة كنبي: ﴿يُؤْذُونَ النَّبِيَّ لصفته البشرية في تعاملهم معه، ولكن عندما جاءهم الرد من رب العالمين توعدهم بالعذاب لإيذائهم له كرسول ﴿يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ؛ ليبين لهم رب العالمين أن هذا الرجل الذي أنزل عليه الكتاب لم يقتصر عليه فقط بل هو مأمور بتبليغه للناس كافة، وهو لا يقول شيئًا من تلقاء نفسه، وبالتالي إيذاؤه كنبي لا ينفك عن إيذائه كرسول، وهذا الكلام ليس فقط للمشركين بل كذلك للمؤمنين إذا فعلوا ما يؤذيه سواء في حياته أو سيرته العطرة بعد وفاته، ويتبين ذلك من قوله تعالى:

﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأحزاب (50)

ثم قال تعالى معقبًا في السياق نفسه:

﴿َمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا، إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ الأحزاب (53)

ذلك ليعلم المؤمنون أن إيذاءه ﷺ كنبي ورجل في أهل بيته هو إيذاء له كرسول ربه الذي أدى الأمانة في تبليغ الرسالة، فهو تعالى لا يرضى لصفيه الأذى سواء بصفته نبيًا أم رسولًا والذي خاطبه في السورة نفسها بقوله:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ الأحزاب (46)

وإذا جئنا لمسألة الحجاب مدار السؤال الذي ذُكر في السورة نفسها نجده متعلقًا بنفس الشقين:

  • الشق الخاص بأزواج النبي وحده وهو ما يتعلق بمسألة الحجاب (الذي لا يعني اللباس، وإنما يعني الحاجز) فقال تعالى:

﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ الأحزاب (53)

فالحجاب هنا لا يعني غطاء الرأس ولا حتى النقاب كما فسره البعض وإنما يُقصد به وجود حائل كستارة أو جدار أو باب يمنع رؤية أصحاب النبي لأزواجه وكذلك رؤيتهن لهم أو الحديث بينهم بشكل مباشر؛ ذلك لأن النقاب يمنع رؤية الرجل للمرأة لكنه لا يمنع رؤية المرأة للرجل، والخطاب جاء منه تعالى موجهًا لكليهما ﴿ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

 

  • الشق العام الذي يشمل أزواج النبي وبناته ونساء المؤمنين، وهو ما يتعلق بمسألة اللباس فقال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الأحزاب (59)

والمتدبر في الآية يجدها المرة الوحيدة التي جاء الأمر فيها مفصلًا بأن ذكر تعالى أزواج النبي وبناته ثم نساء المؤمنين وهذا على خلاف عهد القرآن الكريم في الأوامر والنواهي التي تشمل جميع المؤمنات بما فيهن أزواجه ﷺ كما جاء في قوله تعالى:

﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَاۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ..﴾ النّور (31)

فأزواج النبي داخلات في الأمر الموجه للمؤمنات بغض البصر وستر زينتهن بالخُمر (غطاء الرأس) والجلابيب[الأحزاب: 59]  وهي (ما تلبسه المسلمة عند خروجها).

والسبب في التفصيل هنا ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ليس كما تظن السائلة من عدم فرض اللباس الشرعي على بنات المؤمنين وأنه أمر خاص ببنات النبي، وإنما كان لحكمة وضرورة بينها تعالى في السورة نفسها عندما قال:

﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ الأحزاب (6)

فأراد رب العالمين أن يزيل الظن الناتج عن هذا الحكم، كي لا تظن أزواج النبي أنهن مستثنيات من الأمر هنا بسبب تحريمهن على المؤمنين وقد صرن أمهات لهم، وبالتالي يرخص لهن كما يرخص لأمهاتهم اللائي ولدنهم، فجاء التفصيل ليبين سبحانه وتعالى أن الأمومة تقتصر فقط على مسألة النكاح وليس على اللباس أو الحديث أو القرن في البيوت الذي بينه تعالى في الآيات السابقة.

وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لبنات النبي لئلا يتوهمن أنهن أصبحن أخوات للمؤمنين ويرخص لهن كبقية الأخوات بما أن أمهاتهن أصحبن أمهات المؤمنين فلزم التنبيه منه تعالى لهن بذكرهن بشكل مفصل.

  • هذا بالإضافة إلى أن قوله تعالى: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لا يختص بالنساء المتزوجات لأنهن أسندن للمؤمنين كما ذكرت السائلة، وإنما يدخل تحته الأزواج والبنات والأخوات بل والأمهات بدليل قوله تعالى عن النساء ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَۚ ﴾ النساء (32) والبنات والأخوات وكل من يدخلن في جنس النساء داخلات في جملة المخاطبين.

وإنما أضيفت النساء هنا للمؤمنين ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يقل تعالى (والنساء المؤمنات) – وهي كذلك المرة الوحيدة التي جاء فيها هذا التعبير- لأن مسألة اللباس لها خاصية حيث أنه أول ما يلفت النظر للمرأة، والإنسان المؤمن يخشى ويغار على نسائه من أن ينظر إليهن أحد نظرة سوء، وكذلك كي يكون الخطاب رادعًا لكل من أراد أن يلحق الأذى بالنساء إذا أدرك أن وراءهن رجال مؤمنون يدافعون عنهن إذا تعرض لهن أحد بالأذى.

وللتأكيد على أن الدعوة إلى الحشمة والوقار مسؤولية الرجل تجاه أهل بيته ولا تتوقف مسؤوليته على الإنفاق فقط قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا، نَحْنُ نَرْزُقُكَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ طه (132)

أما بالنسبة لما تقوله السائلة الكريمة من أن الحجاب في الإنجيل خاص بالمرأة المتزوجة فعليها العودة إلى نصوص التوراة حيث جاء في العهد القديم في سفر التكوين عن “رفقة” التي ستصير زوجة إسحق بعد ذلك:

“ورفعت رفقة عيناها فرأت إسحق فنزلت عن الجمل، وقالت للعبد: من هذا الرجل الذي يمشى في الحقل للقائنا؟ فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت» (التكوين 24/ 64-5) أي أنها كانت بنتًا حين فعلت ذلك ولم تكن قد تزوجت بعد.

وكذلك النص التالي:

“احكموا في أنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلى إلى الله وهي غير مغطاة” (كورنثوس 11/1- 13)

والعهد الجديد أيضا قد حمل الكثير من التعاليم الخاصة باحتشام النساء، ومن ذلك:

«كَذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ لْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّلٍ، لَا بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لَآلِئَ أَوْ مَلَابِسَ كَثِيرَةِ لثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى للهِ بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ» (تيموثاوس 2/9- 10)

ويكفي للسائلة الكريمة أن تنظر إلى الراهبات اللائي يرتدين الحجاب ويلتزمن بلباس محتشم ويتبعن أمره تعالى في كتابهم بالاكتفاء بزينة الخُلق وهن غير متزوجات ولم يُسندن إلى رجال.

وختامًا: إن سؤال السائلة ينم عن التماسها للتقوى، ونحن نعلم أن هناك دعوات كثيرة في الآونة الأخيرة تنادي بخلع الحجاب وأن بعض النساء قد افتتنت في ذلك الأمر نظرًا لحبهن إظهار الزينة ولطبيعة نشأتهن على الحلية ولكن آيات اللباس واضحة جلية في كتاب ولا مجال فيها للشك أو الريبة، ويا ليت من أراد مخالفتها أن ينسب المخالفة لضعف نفسه وأن لا يستحل التبرج بتحريف معنى الآيات لتلائم فكره وتؤيد رأيه ثم ينسب ذلك إلى رب العالمين وإلى رسوله، فذلك افتراء عظيم لا يمر دون عقوبة:

﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ ‌يَفْتَرُونَ ‌عَلَى ‌اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس: 69-70] 

ولذا وجب علينا النصح بألا تنساق الفتيات وراء تلك الدعوات بحجة أنها خاصة بزمن النبي ولا تصلح للعصور من بعده وأن الخطاب فيها جاء لأزواجه وبناته أو للمتزوجات، ذلك أن رسالته سبحانه وتعالى للناس كافة:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سبأ (28)

فالخطاب القرآني سواء أكان موجه للنبي أو الرسول يشمل جميع المؤمنين إلا ما إن كانت قرينة تخص النبي بعينه، فالنبي الرسول هو رجل واحد أوتي الكتاب والحكمة أرسله الله تعالى للعالمين:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء (107).

ولذا فنحن مأمورون باتخاذه أسوة حسنة كرسول أمين بلغ رسالة ربه مصداقًا لقوله تعالى:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾

وباتباعه كنبي أوضح لنا تعالى مسيرته التي لولا بيانها ما استطعنا أن نعلم كيفية تعاملاته وتفاصيلها في الأمور الشخصية والعامة لنتخذه الأسوة في كل حياتنا وإلا كنا كالفاسقين عن أمره تعالى:

﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ المائدة (81)

وامتثالًا لأمره سبحانه لنبيه:

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ الأعراف (158)

فاتباعه حق في الحالتين سواء أكان رسولًا مبلغًا أم نبيًا مطبقًا ومعلمًا:

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ..﴾ الأعراف (157)

 

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.