حبل الله
لمن الحق في أرض فلسطين والمسجد الأقصى؟

لمن الحق في أرض فلسطين والمسجد الأقصى؟

في ظل الأحداث الواقعة حالياً في فلسطين، ورد إلى موقعنا التساؤل التالي:

هل أرض فلسطين والمسجد الأقصى هما من حق المسلمين أم من حق بني إسرائيل بحسب البحث في القرآن الكريم؟.

وقد اخترنا تفصيل الإجابة على هذا السؤال على اعتبار أن هذه القضية تشغل الرأي العام منذ عقود وسنوات وزادت في الأحداث المؤسفة الجارية، وأكثر الباحثين فيها يقوم بحثهم وتعتمد مرجعيتهم فيها على الأساس التاريخي للقضية، ونحن بالطبع لا ننكر أهمية التاريخ في الحكم على كثير من المسائل والقضايا، ولكننا يجب أن نفصل في الأمور المتعلقة بدين الله تعالى ونحكم عليها من خلال أكثر المصادر وثوقًا وأصدقها قولًا ألا وهو كلام الله تعالى، وبعد ذلك ننظر إلى الأحداث التاريخية التي تحتمل الصواب والخطأ إذ أن التاريخ صناعة بشرية والكتب السماوية تنزيل رباني:

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ النساء (122)

إن بني إسرائيل تقول أن هذه الأرض قد كتبها الله تعالى لهم ويستدلون على قولهم بأسفار وآيات الكتاب المقدس من التوراة والإنجيل.

والمسلمون يقولون أنها من حقهم هم وأن بني إسرائيل دخلاء عليها مغتصبين لأرضهم ومقدساتهم.

وسوف نقوم بالرد على كلا الفريقين من خلال رد القضية أولًا إلى الكتب التي أنزلت لبني إسرائيل (التوراة والإنجيل) التي يستخدمونها لإثبات حقهم فيها، ثم نصدق عليها أو نردها من الكتاب المهيمن عليها وهو القرآن الكريم امتثالًا لأمره جل وعلا:

﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ المائدة (48)

وذلك بتتبع بداية بني إسرائيل على هذه الأرض، وبالطبع لن نتحدث عن مسيرتهم مع جميع الرسل والأنبياء إذ أنها مسيرة طويلة وممتدة من لدن ذرية نبي الله نوح ﷺ:

﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ، إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ الإسراء (3)

مرورًا بنبي الله موسى ﷺ:

﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾ الإسراء (2)

وصولًا إلى المسيح ﷺ:

﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ..﴾ الصف (6)

ومن ثم إلى خاتم النبيين على اعتبار أنهم داخلون ضمن العالمين المكلفين بالإيمان برسالته:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا ‌كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28] ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ‌إِلَيْكُمْ ‌جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158] 

وبكتابه الذي يضع القول الفصل في قضاياهم:

﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ النّمل (76).

ولكن قبل ذلك علينا أن نبيَّن الفرق بين (بني إسرائيل) وبين (اليهود)، حيث أن كثيرًا من الناس من يطلق التسميتين ويقصد بهما شيئا واحدا فيعتبر اليهود الذين يحتلون أرض فلسطين هم أنفسهم بنوا إسرائيل، والحق أنهم خليط من شعوب كثيرة جمعهم أن أجدادهم قد دخلوا في الديانة اليهودية لأسباب شتى، ومن ينظر في كتاب الله تعالى يجد أنه فرق بين (بني إسرائيل) وبين (اليهود) في نقاط عدة نذكر منها:

  • أنه عندما ذكر تعالى بني إسرائيل بين لنا أن منهم المؤمنين المحافظين على العهد وهم القلة، وهؤلاء من أنعم الله عليهم:

﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا، إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ مريم (58)

وهم الذين آتاهم الله تعالى الكتاب الحكم والنبوة:

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ الجاثية (16)

  • وأن منهم العصاة المخالفين للعهد وهم الكثرة، ويؤيد ذلك قوله تعالى:

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ البقرة (83)

  • وهو ذات التقسيم في مسألة تصديقهم الرسل:

﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ المائدة (32)

  • وهذا حالهم في الثبات عند القتال في سبيل الله:

﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ البقرة (246)

وهم كذلك في كل التعاليم التي أمرهم الله تعالى بها.

ولكن القرآن الكريم عندما تحدث عن (اليهود) فلم يذكرهم إلا بالإفساد والعداوة كما في الأمثلة التالية:

  • فذكر أنهم المشعلون للفتنة والمحرضون على الحرب المسيئون لرب العالمين:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُواۘ، بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا، وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ المائدة (64)

  • وهم الذين أخبرنا الله تعالى عنهم بأنهم الأشد عداوة للمؤمنين:

﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ، ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ المائدة (82)

  • وهم الذين بلغوا الحد الأعظم بالشرك عندما نسبوا لله تعالى ابنًا:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ التوبة (30).

  • وهم المدَّعون بأنهم خير أهل الأرض وأنهم أبناء الله تعالى وأحباؤه (بمعنى عباده المقربين) في قوله تعالى:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ، يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ المائدة (18)

ويؤيد ذلك أنه عندما جادلت اليهود والنصارى في إبراهيم ﷺ وادعوا أنهم يُنسَبون إليه ويتبعون شريعته ردَّ الله تعالى عليهم بما يلي:

﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ آل عمران (65) ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ آل عمران (67)

وهنا ملمح غاية في الأهمية ألا وهو: أن اليهودية والنصرانية جاءتا في مقابل الإسلام الحنيف:

﴿وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾

مما يدل على أن اليهود مشركون ومفسدون ودعاة للحرب، أما بنوا إسرائيل فكما قال تعالى: ﴿مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ آل عمران (110)

ونستطيع القول بأن هؤلاء اليهود هم الذين يُطلق عليهم الآن لفظ (الصهاينة) وهم الذين ينقضون العهود كما فعل سابقوهم مع النبي ﷺ في المدينة المنورة، ويسعون في الأرض فسادًا، وهم الذين حكم عليهم رب العالمين بالجزاء العادل لفعلهم:

﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.

وبعد بيان الفرق بين اليهود وبني إسرائيل ننتقل إلى مسيرة بني إسرائيل على هذه الأرض.

فإذا عدنا إلى نصوص التوراة التي يستدلون بها في إثبات أحقيتهم للأرض نجدها تقدم تفصيلًا لها، فقد بدأت منذ عهد الخليل إبراهيم ﷺ مع هجرته إليها حين كذبه قومه وألحقوا به العذاب، فأمره سبحانه وتعالى بالهجرة إلى هذه الأرض المباركة وكتبها الله تعالى له ولذريته من بعده وذلك كما جاء في سفر التكوين (26: 3-5) قوله تعالى مخاطبًا نبيه إسحاق:

“تَغَرَّبْ فِي هذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ، لأَنِّي لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ لِقَوْلِي وَحَفِظَ مَا يُحْفَظُ لِي: أَوَامِرِي وَفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي”.

ويصدق ذلك قوله تعالى في القرآن عن الخليل:

﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء (71)

وقد جعل الله تعالى في ذريته النبوة والكتاب كما جاء في التوراة وصدق عليه القرآن في قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ مريم (49)

وقد سُمي بعد ذلك نبي الله يعقوب بــــ (إسرائيل) التي تعني (عبد الله) وجعل تعالى من نسله بني إسرائيل وآتاهم الحكم وأورثهم تلك الأرض المقدسة، وبعد ذلك ارتحلوا إلى مصر حيث كان يقيم أخوهم يوسف ﷺ وعاشوا فيها لسنوات طوال، وتوالت الأحداث حتى تعرضوا للبلاء من فرعون وقومه، فأرسل الله تعالى لهم نبيه موسى ﷺ لينجيهم من العذاب وأمرهم بالعودة إلى الأرض المقدسة كما جاء في سفر الخروج (6: 4-9)

وَأَيْضًا أَقَمْتُ مَعَهُمْ عَهْدِي: أَنْ أُعْطِيَهُمْ أَرْضَ كَنْعَانَ أَرْضَ غُرْبَتِهِمِ الَّتِي تَغَرَّبُوا فِيهَا.
وَأَنَا أَيْضًا قَدْ سَمِعْتُ أَنِينَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَسْتَعْبِدُهُمُ الْمِصْرِيُّونَ، وَتَذَكَّرْتُ عَهْدِي.
لِذلِكَ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنَا الرَّبُّ. وَأَنَا أُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ الْمِصْرِيِّينَ وَأُنْقِذُكُمْ مِنْ عُبُودِيَّتِهِمْ وَأُخَلِّصُكُمْ بِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ وَبِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ، وَأَتَّخِذُكُمْ لِي شَعْبًا، وَأَكُونُ لَكُمْ إِلهًا. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي يُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ الْمِصْرِيِّينَ. وَأُدْخِلُكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي أَنْ أُعْطِيَهَا لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَأُعْطِيَكُمْ إِيَّاهَا مِيرَاثًا. أَنَا الرَّبُّ. فَكَلَّمَ مُوسَى هكَذَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى مِنْ صِغَرِ النَّفْسِ، وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ”.

وجاء القرآن الكريم مصدقًا لذلك:

﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ، وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ إبراهيم (6)

وبعد إغراق فرعون وجنوده تبدأ مرحلة جديدة لبني إسرائيل عندما أنعم الله تعالى عليهم:

﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا، وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ الأعراف (137)

وبعد أن نجاهم رب العالمين من العذاب أمرهم بدخول تلك الأرض المقدسة التي كُتبت لهم والقضاء على من كان فيها من القوم العصاة الجبارين:

﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ المائدة (21)

فما كان منهم إلا أنهم نكسوا ونقضوا عهدهم مع الله تعالى بعد أن نجاهم من آل فرعون وعصوا أمره:

﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ المائدة (22)

ولم يستجيبوا إلى صوت الحكمة والحق:

﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ المائدة (23)

ولم يكتفوا بذلك بل أساؤوا إلى مقام ربهم:

﴿قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ المائدة (24)

فكان عقابهم:

﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْۛ أَرْبَعِينَ سَنَةًۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ المائدة (26)

وهو ما ذكرته التوراة في سفر العدد (14: 34)

“كَعَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي تَجَسَّسْتُمْ فِيهَا الأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِلسَّنَةِ يَوْمٌ. تَحْمِلُونَ ذُنُوبَكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَتَعْرِفُونَ ابْتِعَادِي.”

ومرت السنين، وبعد انقضاء فترة التحريم وتوبتهم إلى ربهم دخلوا الأرض المقدسة وأخذ الله تعالى منهم الميثاق:

﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ، لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ المائدة (12)

وتعاقبت الأجيال والرسل والأنبياء من بعد موسى ﷺ حتى بعثة المسيح ﷺ.

وهنا قد يقول قائل، بناء على ما تقدم من الأدلة إذًا فهذه الأرض المقدسة هي حق لبني إسرائيل إذ كتبها الله تعالى لهم إلى أن تقوم الساعة!

نجيب عليهم بأن ما تم ذكره من الأدلة هو في الحقيقة دليلٌ على انتزاع أحقيتهم في هذه الأرض منذ زمن بعيد، بل يجيب عليهم رب العالمين بقوله:

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ الأنبياء (105)

فالله تعالى عندما ذكر لنا مسيرة وتاريخ هذه الأرض المقدسة مع الأنبياء والمرسلين وذريتهم الذين ورثوها، قد بيَّن لنا بشكل واضح وجليِّ أن ميراثها وتملكها والحكم فيها قائمُ على أساس الأهدى والأصلح وليس على أساس الأقدم أو الأقوى؛ إذ أنهم لم يرثوها كما يرث الأبناء ملك وتركة الآباء وإنما أورثهم إياها رب العالمين ﴿عَطَاءً حِسَابًا﴾ عوضًا ومكافأة لهم على إيمانهم وصبرهم وجهادهم، ولذا فمتى اهتدت هذه الذرية وأصلحت بقيت ميراث الأرض لهم وتحقق ما كتبه تعالى منذ الأزل: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ وأما إن أشركت وأفسدت سقط حقهم فيها وسلبت منهم لمن هو اتقى وأصلح كمثال ما حدث زمن النبي الكريم عندما نقض اليهود والكافرين العهد وتحزبوا ضده فكان جزاؤهم بعد النصر عليهم:

﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا، وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ الأحزاب (27)

فالأرض ملك لله تعالى يورثها الصالحين وليست للجبارين والعصاة والمفسدين الذين يسفكون الدماء، فهو تعالى لا يؤتي ملكه في الأرض بغية الحكم والسلطان ولا من أجل التجبر والقتل كمن قالوا لرسلهم:

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ، ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ إبراهيم (13: 14)

إذ أن المحافظة على عهده تعالى وميثاقه هو الضمان الوحيد للاستقرار والأمن على أرضه، لقد كان فرعون متمكنا في حكم أرض مصر وما حولها، ويعبر القرآن عن ذلك التمكين بما نقله من قوله:

﴿وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي، أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ الزخرف (51)

لكن ذلك التمكين لم ينفعه عندما كذب الرسول وأصر على فساده فكان الجزاء أن خسر كل شيء:

﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الزخرف (55)

وقد أصبح كل ملكه ميراثا لمن ظلمهم وتسلط عليهم:

﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾

من هذا المنطلق نعرف لمن الأحقية في هذه الأرض المقدسة من بداية هجرة الخليل إليها ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي﴾ الذي كان هدفه طلب الهداية ودعوة الناس إليها ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ الصافات (99) ولهذا السبب كتبها الله تعالى له ولذريته من الصالحين فقط:

﴿وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا، قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ البقرة (124)

وطالما حافظت ذريته على عهدهم وميثاقيهم مع ربهم بقيت الأرض لهم، لذا قال تعالى مخاطبًا إياهم:

﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ. وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ البقرة (40-41)

وبما أنهم أخلفوا الله ما وعدوه وعدم إيمانهم بخاتم النبيين ترتب عليه انتزاعها منهم جزاءً وفاقًا لنقضهم المواثيق والعهود وقتلهم الرسل والأنبياء بغير الحق، فهم يريدون الأرض المقدسة ميراثًا ظالمًا وهي لا تكون إلا ميراثًا عادلًا، وهذا ما أخبرهم به نبيهم:

﴿قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا، إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الأعراف (128)

ولنا المثال على ذلك بالبيت الحرام الذي حرم تعالى دخوله على المشركين المعتدين الناقضين للعهد حتى ولو كانوا أهل مكة حماة البيت وخدامه:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس، فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا﴾ التوبة (28)

ولكن اليهود ومن كفر من بني إسرائيل كعادتهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض [البقرة: 85]  ويكتمون الحق وهم يعلمون [آل عمران: 71]  ، وهذا ليس فقط في التعامل مع القرآن الكريم وإنما كذلك في التعامل مع كتبهم من التوراة والإنجيل حين ذكروا ما يثبت أحقيتهم وكتموا ما يدل على انتزاعها منهم، فها هو كتابهم المقدس في كثير من أسفاره يثبت ذلك، ومنه ما جاء في سفر الخروج (19:5) يعدهم بالبقاء ما بقوا محافظين على العهد:

فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ.”

وأنه يَنزِعُها منهم حين يخالفوه كما جاء في سفر القضاة (2: 19-23)

“وَعِنْدَ مَوْتِ الْقَاضِي كَانُوا يَرْجِعُونَ وَيَفْسُدُونَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ، بِالذَّهَابِ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا وَيَسْجُدُوا لَهَا. لَمْ يَكُفُّوا عَنْ أَفْعَالِهِمْ وَطَرِيقِهِمْ الْقَاسِيَةِ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدْ تَعَدَّوْا عَهْدِيَ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ آبَاءَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي. فَأَنَا أَيْضًا لاَ أَعُودُ أَطْرُدُ إِنْسَانًا مِنْ أَمَامِهِمْ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ تَرَكَهُمْ يَشُوعُ عِنْدَ مَوْتِهِ. لِكَيْ أَمْتَحِنَ بِهِمْ إِسْرَائِيلَ: أَيَحْفَظُونَ طَرِيقَ الرَّبِّ لِيَسْلُكُوا بِهَا كَمَا حَفِظَهَا آبَاؤُهُمْ، أَمْ لاَ». فَتَرَكَ الرَّبُّ أُولئِكَ الأُمَمَ وَلَمْ يَطْرُدْهُمْ سَرِيعًا وَلَمْ يَدْفَعْهُمْ بِيَدِ يَشُوعَ.”

ولم يكتفوا بمخالفة العهد وإنما أشركوا مع ربهم آلهة أخرى كما جاء في سفر التثنية (31: 20)

“لأَنِّي أُدْخِلُهُمُ الأَرْضَ الَّتِي أَقْسَمْتُ لآبَائِهِمِ، الْفَائِضَةَ لَبَنًا وَعَسَلًا، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْبَعُونَ وَيَسْمَنُونَ، ثُمَّ يَلْتَفِتُونَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى وَيَعْبُدُونَهَا وَيَزْدَرُونَ بِي وَيَنْكُثُونَ عَهْدِي”.

إن مسيرة اليهود ومن كفر من بني إسرائيل وعصيانهم وشركهم وقسوة قلوبهم مذكور بشكل مفصل في التوراة، والقرآن الكريم يؤكد على مخالفتهم تعاليم كتبهم التي أرسلت إليهم وعدم أخذهم العبرة والعظة مما حدث معهم ولا مع غيرهم، فقد قال تعالى فيهم:

﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا، كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ المائدة (70)

وكلما طال عليهم الأمد قست قلوبهم مصداقًا لقوله تعالى:

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً..﴾ البقرة (74)

ولو أنهم سمعوا وأطاعوا لكان خيرًا لهم كما وعدهم رب العالمين:

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ (القرآن) مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ المائدة (66)

ومن أكبر الأدلة على أن هذه الأرض ليست حقًا لبني إسرائيل الآن بسبب فسادهم ونقضهم الميثاق هو ما جاء في التوراة وصدقه القرآن.

فنقرأ ما قاله السيد المسيح باكيًا في إنجيل لوقا الاصحاح (19: 42-44)

“قائلا إنك لو علمت أنت أيضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك و لكن الآن قد أخفي عن عينيك. فانه ستاتي أيام و يحيط بك أعداؤك بمترسة و يحدقون بك و يحاصرونك من كل جهة. ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك”

ونقرأ في سفر اللاويين إصحاح (26: 16-17)

“فَإِنِّي أَعْمَلُ هذِهِ بِكُمْ: أُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ رُعْبًا وَسِلُا وَحُمَّى تُفْنِي الْعَيْنَيْنِ وَتُتْلِفُ النَّفْسَ. وَتَزْرَعُونَ بَاطِلًا زَرْعَكُمْ فَيَأْكُلُهُ أَعْدَاؤُكُمْ. وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّكُمْ فَتَنْهَزِمُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ، وَتَهْرُبُونَ وَلَيْسَ مَنْ يَطْرُدُكُمْ”.

وجاء في سفر حزقيال إصحاح (11:8-12)

“قد فزعتم من السيف، فالسيف أجلبه عليكم، يقول السيد الرب. وأخرجكم من وسطها وأسلمكم إلى أيدي الغرباء، وأجري فيكم أحكاما. بالسيف تسقطون في تخم إسرائيل أقضي عليكم، فتعلمون أني أنا الرب. هذه لا تكون لكم قدرا، ولا أنتم تكونون اللحم في وسطها في تخم إسرائيل أقضي عليكم. فتعلمون أني أنا الرب الذي لم تسلكوا في فرائضه، ولم تعملوا بأحكامه، بل عملتم حسب أحكام الأمم الذين حولكم”.

وفي حزقيال إصحاح (15: 6-8)

“لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِثْلَ عُودِ الْكَرْمِ بَيْنَ عِيدَانِ الْوَعْرِ الَّتِي بَذَلْتُهَا أَكْلًا لِلنَّارِ، كَذلِكَ أَبْذُلُ سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ. وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّهُمْ. يَخْرُجُونَ مِنْ نَارٍ فَتَأْكُلُهُمْ نَارٌ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّهُمْ. وَأَجْعَلُ الأَرْضَ خَرَابًا لأَنَّهُمْ خَانُوا خِيَانَةً، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ.”

وهذا ما صدقه القرآن الكريم في أشهر قضايا بني إسرائيل:

﴿وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا. إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ الإسراء (4: 7)

فكما يتبين من الآيات الكريمة فالمرة الأولى قد حدثت، وسواء أكان الإفساد الثاني قد حدث بالفعل في زمان الملك نبوخذ نصر حين تم القضاء على عدد كبير من اليهود كما يقول الكتاب المقدس، أو أنه سوف يحدث في زماننا هذا (حيث اختلفت الآراء حوله) ولكن المؤكد ومما لا شك فيه أن هلاك اليهود ومن كفر من بني إسرائيل اقتربت نهايته وأوشك زوالهم أن يكون قاب قوسين أو أدنى.

وهذا ليس من قبيل الأماني ولا أضغاث الأحلام، بل إنه حق لا ريب من خلال الآيات نفسها فقضاؤه تعالى عليهم بقوله (مرتين) هو ذكر وتذكير، وليس دليلًا على عدم تكرر الأمر أو حدوث مرات أخرى للإفساد والعلو ومن ثم الجزاء العادل إذ قال تعالى عقب هاتين المرتين:

﴿عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ، وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا، وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ الإسراء (8)

والمتدبر لأسباب إهلاكهم في المرتين يدرك ذلك حق اليقين:

فقال تعالى: (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ) وهو ما نراه الآن من فساد اليهود ومَن كفر مِن بني إسرائيل من التجبر في الأرض وسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل بغية الاحتفاظ بأرض الأنبياء لجني المكاسب المادية من وراء مقدساتها واستغلال ثرواتها والمتاجرة بدين الله تعالى.

وقوله: (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) وهم الآن بالفعل يمتلكون النفوذ والقوة والمال والأسلحة وكذلك النفير ممن يدعمونهم من أكثر الدول المؤيدة لهم بكل الوسائل المتاحة إعلاميًا وماديًا ومعنويًا وإمدادهم بأحدث الأسلحة المدمرة: (وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا)

ثم ختمها تعالى بناموسه وسنته في إهلاكهم وغيرهم من الطغاة والمفسدين: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَاۘ﴾

فالآيات الكريمة كما تتحدث عن حقائق واقعة فهي كذلك تقدم مثالًا على ما يفعله الظالمون من الإفساد والعلو وتبين جزاء ذلك من تسليط أقوام آخرين كما جاء في مواضع أخرى كثيرة تبين هلاك الظالمين، وليس الأمر قاصرًا فقط على اليهود ومن كفر من بني إسرائيل وإنما لكل الفاسقين عن أمره تعالى من الحكام الذين يريقون دماء شعوبهم ليحافظوا على ترفهم وسلطانهم:

﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ الإسراء (16)

وإن تخلى أكثر الناس عن نصرة الحق وحماية المستضعفين ورد المعتدين فهذا هو وعده جل جلاله:

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ غافر (51)

لذا فإن هلاكهم قادم لا محالة وإن غلبوا الآن فــ ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ، يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. وَعْدَ اللَّهِ، لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الرّوم (6)

وهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا.

ومن هنا فهذه الأرض المقدسة مهد الأنبياء والصالحين هي ملك لله رب العالمين جعلها للمؤمنين والصالحين والصادقين الذين آمنوا برسلهم وصدقوا برسالة خاتم النبين من جميع المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها بغض النظر عن أعراقهم وألوانهم ومن ضمن هؤلاء الذين آمنوا من بني إسرائيل الذين يصدق عليهم قوله جَلَّ و عَلَا:

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الأعراف (157)

مثلها مثل بقية أرضه تعالى الذي له ملك السموات والأرض: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾؟!

حيث يجيب علينا ربنا جل جلاله:

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ آل عمران (26).

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.