حبل الله
كيف أخشع في صلاتي وأتغلب على الأفكار التي تراودني أثناء الصلاة؟

كيف أخشع في صلاتي وأتغلب على الأفكار التي تراودني أثناء الصلاة؟

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أنا فتاة في عمر 17 سنة، لدي مشكلتان، الأولى تتعلق بكثرة التفكير في الصلاة، فعندما أصلي أفكر كثيرًا، أفكر مثلًا في ما كنت أشاهده أو في بعض المواقف وغير ذلك، وهذا يحزنني وتأتيني وساوس بأنه عليَّ إعادة الصلاة كما أنني لا أعرف كيف أخشع في الصلاة ولا أعرف هذا الشعور.. أرجوكم أفيدوني.. فهل الصلاة بدون خشوع باطلة؟! والمشكلة الثانية هي عند الوضوء وبالضبط بعد الاستنجاء تبقى أحيانا رائحة كريهة، وهي بسبب الاستنجاء، لا أتحدث عن النجاسة بل فقط استنجاء عادي، فهل تبطل الصلاة؟

أرجوكم أفيدوني، جزاكم الله خير الجزاء، وأتمنى من الله أن يرزقكم الفردوس الأعلى لأن موقعكم من المواقع التي تجيب بسرعة وبشكل مطمئن شكرا جزيلا لكم.

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نشكر السائلة الكريمة على ثقتها في موقعنا و ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: 43] 

يبدو أن السائلة الكريمة تعاني من الوساوس بشكل عام، ومن شدة حرصها على علاقتها بربها تزداد الوساوس في صلاتها فتشغل بالها وتصرفها عن الخشوع فيها، وقد علمنا تعالى كيف نطرد تلك الوساوس وذلك عن طريق الاستعاذة به تعالى من الشيطان:

﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ الأعراف (200)

وإذا بدأنا بالاستنجاء وهو ما يفعله أكثر الناس للتطهر من البول والبراز سواء للصلاة أم لا، فغالبًا ما يكفي الماء وحده لزوال آثاره ورائحته ولكن في بعض الأحيان تحتاج الرائحة إلى استخدام غسول خاص بهذا المكان خاص بالنساء – مع عدم المبالغة في استعماله – ويمكن كذلك للمرأة استخدام الشطاف اليدوي الذي يشبه الخرطوم ويكون معلقًا بجانب قاعدة الحمام حتى ينظف المكان ويجري الماء ليزيل آثار البراز من الأمام إلى الخلف وليس العكس (كما في حالة استخدام الشطاف الموجود بقاعدة الحمام والذي ينقل بقايا الاستنجاء من الخلف إلى الأمام فيتسبب بنشر الرائحة كما يتسبب في انتقال العدوى إلى الجهاز التناسلي للمرأة)، ثم بعد ذلك تغسل اليد بالماء والصابون ذي الرائحة العطرة وهذا كفيل بزوال الرائحة ولا يحتاج الشخص لفعل المزيد ولا حرج عليه وقد قال تعالى عقب أمره بالطهارة والوضوء:

﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ..﴾ المائدة (6)

أما بالنسبة للخشوع في الصلاة فهو أهم أركانها كما بيَّن لنا سبحانه وتعالى في أولى صفات المؤمنين:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون (1: 2)

ولكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نحكم ببطلانها، لأن الخشوع ليس مما يقع تحت إرادة العبد بشكل مطلق، لذلك لا تبطل الصلاة بنقصانه.

ومن رحمته سبحانه وتعالى أن بيَّن لنا كيف نخشع في صلاتنا:

  • فمجرد رفع اليدين في الصلاة وذكره تعالى بـ (الله أكبر) هو تسليم مبدئي بأن كل ما عداه سبحانه وتعالى مهما بلغت قوته فالله أكبر منه وقادر عليه وهو الذي قال عقب أمره بالصلاة:

﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ العنكبوت (45)

  • قبل تلاوة القرآن في الصلاة يوجهنا سبحانه:

﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ النحل (98)

والاستعاذة بالله تعالى ليست فقط قاصرة على القول وإلا كان أمره تعالى بقول (فإذا قرأت القرآن فقل أعوذ بالله من الشيطان) ولكنه تعالى قال (فَاسْتَعِذ) التي تعني بذل الجهد والأخذ بالأسباب التي تصرف الشيطان عن المؤمن، ولذا فإن القراءة المطلوبة هي قراءة التدبر والفهم وليس مجرد الترديد لآيات محفوظة.

ويمكن فعل ذلك بعدم تخصيص آيات وسور محددة للصلاة – حيث أن كثيرًا من الناس من يخصص بعض قصار السور ويرددها في صلاته بشكل مكرر وكأنها نزلت وحدها للصلاة فيعتاد سماعها، والاعتياد والإيلاف أحد أسباب صرف الخشوع عن القلب.

ولذلك لا بد أن يقرأ المؤمن القرآن الكريم بشكل متتابع امتثالًا لقوله تعالى:

﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ المزّمّل (20)

ويستطيع المصلي إن لم يكن حافظًا للآيات أن يمسك المصحف أثناء الصلاة وقراءة ما تيسر ولو آية أو بضع آيات، وإن تعذر في بعض الأحيان حمل المصحف فيستطيع أن يمسك بالجوال الذي به القرآن الكريم – مع وضعه على الصامت حتى لا يشغله عن التلاوة.

  • كما أرشدنا سبحانه وتعالى إلى فعل آخر للخشوع في الصلاة ألا وهو ضبط الصوت أثناء الصلاة حتى تساعد صاحبها على الخشوع، بالإضافة إلى دعائه بأسمائه الحسنى فقال جَلَّ في عُلاه:

﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ، أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ، وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا﴾ الإسراء (110)

ومن هنا فالمصلي لا ينبغي أن يخفض صوته للدرجة التي لا يسمع نفسه، وفي الوقت نفسه لا يرفع صوته أكثر من اللازم، وإنما يُسمع نفسه مما يحقق له تدبر الآيات التي يتلوها فيصرفه ذلك عن صوت الشيطان الذي يذكره بكل مشاكله وأحداث يومه ليصرفه عن الخشوع في الصلاة.

فتلاوة الآيات بتدبر تجعل القلب يُسلم الأمر لصاحبه وتذعن الجوارح لتعاليمه ويتحقق الخشوع الذي يجعل من الصلاة صلاة تنهى صاحبها عن المنكرات وتصرفه عن الفواحش، وهذا هو الهدف الحقيقي من التلاوة وإقامة الصلاة مصداقًا لقوله جَلَّ في عُلاه:

﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ العنكبوت (45).

  • أنبأنا العليم الخبير أن المداومة على الصلاة بالحرص على أدائها في وقتها والمحافظة عليها يعود على المؤمن بالنفع حين يوقن أنه يسلم الأمر لمن بيده الأمر كله ولمن يدبر الأمر من السماء إلى الأرض؛ فالإسراع في العبادات يدرب المؤمن على ترك كل مشاغل الدنيا تلبية لنداء رب العالمين، وعندئذ لن يحتاج الشيطان لأن يصرفه عن صلاته بما يشغله إذ أنه فوض أمره إلى خالقه مصداقًا لقوله تعالى:

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ المعارج (19: 23).

  • بيَّن لنا سبحانه وتعالى أن تعظيم شعائره يزيد من تقوى القلوب، والتقوى تصرف الشيطان وتطرد وساوسه قَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج (32)

ومن ذلك أخذ المظهر اللائق النظيف عند الصلاة وليس فقط عند الذهاب للمسجد وإنما في كل موضع للسجود مع عدم الإسراف مصداقًا لقوله تَعَالَىٰ:

﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأعراف (31).

  • ثم يأتي دور التطبيق لما يقرأ من آيات ربه وتعاليمه من الصدق وإخلاص النوايا والعمل الصالح، وهنا يتحقق المفهوم الواسع للصلاة التي أمرنا سبحانه وتعالى بها، وأنها ليست مجرد حركات تؤدى وإنما هي اتباع للقلب واللسان وخضوعهما ومن ثم يخضع الجسد كله امتثالًا لقوله تعالى:

﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ. وَلَٰكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ﴾ القيامة (31: 32)

حيث جعل سبحانه وتعالى الصلاة في مقابل التولي وعدم اتباع أوامره جل وعلا.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.