حبل الله
هل صام نبينا الكريم يوم عاشوراء؟ ولماذا؟

هل صام نبينا الكريم يوم عاشوراء؟ ولماذا؟

السؤال:

سمعت مقطعا لأحد شيوخ السنة يقول إن صيام عاشوراء من المكذوب على رسولنا، وهو تكلم عن حديث قدوم رسول الله إلى المدينة وقد وجد اليهود يصومون عاشوراء (وهم لا يمشون على التوقيت الهجري فكيف كان عاشوراء) وأن النبي مخالفة لليهود قال إن عشت للعام القادم لأصومن التاسع والعاشر، وقد عاش النبي قرابة عشر سنين بعدها، ثم لماذا يخالف النبي اليهود؟

أرجو منكم التوضيح وجزاكم الله عنا كل خير فلا أحد نثق به غيركم.

الجواب:

يروى أن العرب قبل الإسلام كانوا يصومون يوم عاشوراء، ويبدو أن ذلك مما ورثوه من دين إبراهيم عليه السلام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:

(كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فُرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه)[1]

وقد روي عن معاوية قوله (إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء صام ومن شاء فليفطر)[2] .

وعن ابن عباس قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أن اليهود تصوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم صالح نجّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه)[3].

ورواية ابن عباس كأنها تربط صيام النبي لعاشوراء بصوم اليهود له، وهذا لا يتفق مع الروايات السابقة التي تفيد بأن نبينا الكريم صامه جريا على ما كان عليه قومه من دين إبراهيم عليه السلام. فالنبي مأمور بالتزام هدي الأنبياء الذين قبله إلا أن ينزل عليه حكم جديد في القرآن، وهذا مفهوم قوله تعالى:

﴿أُولَئِكَ (الأنبياء المذكورين سابقا) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ‌فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 89-90] 

ويفهم من مجموع الأحاديث أن صيامه كان واجبا قبل فرض الصيام في رمضان جريا على شريعة الأنبياء السابقين، فلما فُرض صيام رمضان نسخت فرضية صوم عاشوراء لكنه ثبت على الندب.

قال ابن رجب _رحمه اللَّه_: “فهذه الأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجدد أمر الناس بصيامه بعد فرض صيام شهر رمضان، بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه، فإن كان أمره صلى الله عليه وسلم بصيامه قبل فرض صيام شهر رمضان للوجوب، فإنه ينبني على أن الوجوب إذا نسخ فهل يبقى الاستحباب أم لا؟ وفيه اختلاف مشهور بين العلماء، وإن كان أمره للاستحباب المؤكد فقد قيل: إنه زال التأكيد وبقي أصل الاستحباب، ولهذا قال قيس بن سعد: ونحن نفعله”[4].

وقال ابن حجر: “ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجباً لثبوت الأمر بصومه، ويقول ابن مسعود: ” لما فرض رمضان ترك عاشوراء”، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه”[5] اهـ.

أما الأمر بمخالفة اليهود لمجرد المخالفة فلا يمكن أن يكون مقبولا، فإذا كان صوم عاشوراء هو حق وتفعله اليهود فلماذا إذن مخالفتهم في الحق؟ ولا شك أن رواية المخالفة لا تمكن أن تكون صحيحة، لأن المخالفة ينبغي أن تكون في باطلهم وليس في الحق إن صادفوه.

والقرآن الكريم يدعو اليهود وغيرهم من أهل الكتاب أن يلتقوا مع المسلمين على كلمة سواء يعبدون الله وحده ولا يشركون به:

﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ‌وَلَا ‌يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64] 

فلا يمكن بعد هذا أن يأمر النبي بمخالفتهم عندما يفعلون شيئا صحيحا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  رواه البخاري (5364) ، ومسلم (1714)  والنسائي في “الكبرى” (9191) ، وابن ماجه (2293)

[2]  الموطأ، باب صيام يوم عاشوراء (1/299) ، والبخاري، باب صيام يوم عاشوراء(2003). ومسلم  (1129)

[3]  رواه البخاري، باب صوم يوم عاشوراء (2004)،  ومسلم ، باب صوم يوم عاشوراء (1130)

[4]  ابن رجب “اللطائف” ص106

[5]  ابن حجر “فتح الباري” (4/247)

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.