حبل الله
هل هدايا المولود حق له أم لأبويه؟ وحلول مقترحة للعلاقة المتوترة بين الأب وابنته

هل هدايا المولود حق له أم لأبويه؟ وحلول مقترحة للعلاقة المتوترة بين الأب وابنته

السؤال:

عندي بعض التساؤلات:

  • أولًا، أهداني أبي وأقاربي في صغري بعض القطع الذهبية، وبعد ذلك باعها والدي لأداء العمرة (وأنا أرى أنه ليس من حقه أن يبيع شيئا لا يخصه، وخاصة أن العمرة لم تعد بالنفع على تغيير شخصيته بالإضافة لإحضاره الهدايا لعشرات الأشخاص، ولم يعوضني بشيء عن ذهبي رغم استطاعته) فهل هو مدين لي؟!
  • ثانيا، نظرا لكل ما وقع علي من ظلم في حياتي بسبب أبي و أخي ولشعور أمي بالذنب تجاهي فقد أعطتني منذ سنوات ما تبقى معها من ذهب (أطال الله عمرها) لأنها ترى أنه حقي وخاصة أننا نعيش مع أب وأخ لا يؤتمنان عليَّ لأن أبي مسرف وقد باع من قبل جزءًا من ذهبها (مهرها) رغمًا عنها ولم يرده إليها وينكر معروفها معه رغم قدرته المالية على الوفاء به، فهل تأثم أمي علي نيتها؟ وهل يحق لأي أحد مطالبتي بالذهب؟ فأنا لن أظلم أخي إن حصلت على أسورتين وسلسلة حيث أنه يسرق أبي طوال الوقت.
  • ثالثًا: أبي وأخواته الأربع وأمه شركاء في محل تجاري ورثوه من أبيهم، الأخوات حالتهم المادية أفضل منا أو على الأقل مساوية لحالتنا، ووالدته تحصل على إيجار شقق لعقار ومعاشين بالإضافة لنصيبها من المحل وإخوته كذلك، وكلما حصلت أي خسارة في المحل يرفض أبي أن يقسمها عليهم كما يقسم الأرباح مما يجعله يستدين ويحمِّل بيته تلك الخسارة حتى لا يظهر بشكل سيء أمامهم مما تسبب في إشعال المشاكل في بيتنا، والأزمات لا تنتهي، فهو يستقوي على زوجته وابنته لصالح إخوته الذين لا يحبوننا، بالإضافة إلى أن أبي يريد الحصول على بقية الذهب الذي أخذه من أمي لسداد ديون المحل، وهي ترفض وتحتفظ به فربما نحتاجه في الشدة أو المرض، ونتيجة لهذا فالبيت لا يهدأ لأن أبي لا يعترف بخطئه ويتهمني وأمي أننا بلاء من ربه رغم أننا نقوم على خدمته ورعاية البيت والحمد لله، فهل يأثم أبي على أفعاله تجاهنا، وكذلك إخوته وأمه على ظلمهم لنا؟!

الجواب:

من الواضح أن السائلة الكريمة تعاني من مشكلات نفسية نتيجة ما تراه قسوة الأب وعدم قيامه على رعايتهم والنفقة عليهم كما أمره الله تعالى، ولهذا فإنها تحكم بعاطفتها على بعض الأمور التي سنبين حكمها وفقًا لكتاب الله تعالى، وندعو الله تعالى لها ولأبيها بالهدى والصلاح.

للأسف الشديد.. إن ما تشكو منه السائلة هو أمر منتشر في مجتمعاتنا التي يظن الزوج أن رعاية مصالح أمه وإخوته يتعارض مع رعايته لمصالح زوجته وأولاده متحججًا في ذلك أن الإخوة لا يعوضون وأن زوجه وأولاده يمكن تعويضهم واستبدالهم بالزواج والإنجاب مرة أخرى ويرددون مقولة مأثورة (أن الزوج موجود والابن مولود والأخ مفقود) وفي الحقيقة أن الله تعالى عندما أمر بالإحسان إلى الوالدين فإنه لم يغفل حق الأولاد باعتبارهم الأقرب إليه وأنه المسؤول عنهم أمام ربه في قوله تَعَالَىٰ:

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ..﴾ النساء (36)

وبيَّن لنا سبحانه وتعالى أسس التربية في قوله:

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ طه (132)

ومن هنا فلا يحق للأب أن يقسو على أولاده بحجة رعاية الأم وصلة الأرحام أو بحجة أنه يوفر لهم الرزق، فالقسوة والظلم تقتل الروح وتقضي على مشاعر الود والعطف بين الآباء والأبناء وتقطع أواصر القربى بين أفراد الأسرة الواحدة التي جعل سبحانه وتعالى أساسها السكنى وأعمدتها المودة والرحمة، وقد بين لنا سبحانه وتعالى أن إحياء النفس له عظيم الأثر:

﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ المائدة (32)

والأسرة هي نواة المجتمع، وإحياؤها يكون بالرعاية والمودة والإنفاق والقسط بين أفرادها بدون إفراط أو تفريط.

وإذا ذكرنا حق الأبناء فلا يتسنى لنا أن ننسى حق الآباء حتى لو كانوا يتصفون ببعض القسوة على أولادهم، فقد أرشدنا سبحانه بدفع السيئة بالحسنة:

﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ فصّلت (34)

والأولى بهذا التوجيه القرآني هم الأبوين اللذين لهما الفضل الكبير على أولادهم حتى لو أخطأوا بحقهم، فإن زلاتهم لا ينبغي أن تطغى على فضلهم، فلا ينبغي معهم إلا الحسنى امتثالًا لقوله جَلَّ وعَلَا:

﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ الإسراء (24)

ولنا الأسوة الحسنة في خليل الرحمن (إبراهيم عليه السلام) الذي ظل يعامل والده بالرأفة والعطف رغم كل ما فعله معه من العذاب والتنكيل وهو يكرر عليه نداء التلطف الودود ﴿يَاأَبَتِ﴾ [مريم: 42-45]

ولذلك على الابنة البارة بوالدها أن تعامله بالإحسان والمعروف ليتبدل حال الأب ويعود إلى حنانه معها وفي ذلك مرضاة لربها إذا امتثلت لأمره سُبْحَانَهُ:

﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ لقمان (15)

أما بالنسبة للذهب الذي تتحدث عنه الفتاة السائلة فغالبًا هو الهدايا التي تُقدم للمولود من الأهل والأقارب، فهي على حسب المتعارف عليه في تلك البلاد وهو بين حالتين:

  • الحالة الأولى أن هذه الهدايا وإن كانت أحضرت من أجل المولود لكن المقصود بها في الأعم الأغلب هما أمه وأبوه، فهما اللذان يقومان على رد الجميل لأصحابه في المناسبات المماثلة، من منطلق قوله تعالى:

﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ النساء (86)

وفي هذه الحالة فإننا لا نستطيع أن نعتبر تلك الهدايا والنقود حقًا للطفل إلا إذا وهبها له الأبوان، والأهل في هذه الحالة إما أن يتركوها للطفل فتظل معه كذكرى وتنفعه في كبره، وأحيانا يلجؤون إلى بيعها على اعتبار أنهم المكلفون اجتماعيا بسدادها، فالطفل غير مطالب بردها حتى عندما يكبر ويعمل.

  • أما إن كانت تلك الهدايا مقدمة للمولود خاصة كأن يكون الذي أهداها قد خصصها له بالاسم، ففي هذه الحالة تكون الهدية من حق الطفل، وتعتبر أمانة بيد أهله حتى يكبر، ولنا أن نقيسها على المال الخاص بالأطفال القُصر في كتاب الله تعالى، فإن كان الأهل أغنياء ولا يحتاجون إليها فلا يحق لهم الأخذ منها، وإن كانوا فقراء فيأخذوا منها بقدر الحاجة كما في قوله تعالى:

﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ النساء (6)

أما بالنسبة لذهب الأم ومهرها فهو دين على الزوج ولا يحق له أخذه منها بغير رضاها قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ النساء (20)

وهو مطالب برده إليها متى أتيح له ذلك، فإن مات قبل السداد يخصم المهر من التركة قبل توزيعها، لأنه دين ولا يسقط الدين إلا بموافقة المدين، أما إن أعطته جزءًا منه له برضا منها لمساعدته فيحل له ذلك، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:

﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً، فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ النساء (4).

وإن أرادت الأم أن تعطيه لابنتها عوضًا لها عما أُخذ منها فلا مانع ولا تأثم، ولكن لا تعطيه للفتاة على اعتبار أن الذهب هو حق البنات كما هو مشهور عند بعض العائلات، فهذا ليس من الدين في شيء، ولذلك ينبغي عليها أن تراعى حق بقية أولادها، حتى لا تنشأ العداوة بين الإخوة بسبب التفرقة، فالسائلة نفسها تشكو من محاباة الأب لأخيها فلا ينبغي أن ترضى على أمها أن تحابيها على حساب أخيها ولا ينبغي أن يحملها ظلم الأب لها أن تظلم أخاها وأمها امتثالًا لأمره تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المائدة (8)

وبالنسبة للسؤال الأخير المتعلق بالأب الذي يتحمل خسارة التجارة وحده دون بقية الشركاء فهذا مخالف لأمر الله تعالى، لأنه يخالف مبدأ التجارة والبيع الذي يقوم على المكسب والخسارة دون ظلم لأحد مصداقًا لقوله تَعَالَىٰ:

﴿لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ البقرة (279).

وعليه أن يحكم بالعدل ويقسم ربح التجارة أو الخسارة بينه وبينهم بالقسط كلا على حسب نصيبه سواء أكانت أمه أو إخوته، وسواء أكانوا يصلون الأرحام أم يقطعونها، أغنياء أم فقراء طاعة لأمره تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا، فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا، وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ النساء (135)

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

 

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.