حبل الله
أزلية القرآن وحديثه عن الوقائع في زمن التنزيل

أزلية القرآن وحديثه عن الوقائع في زمن التنزيل

السؤال:

السلام عليكم.. وجزاكم الله عنا كل خير.

استشكل علي أمر، أرجو من حضراتكم توضيحه لي. علمت أن الله تعالى اختار ألا يعلم أفعال العباد، وقد اقتنعت بهذا الأمر ورأيته الأقرب لفهم كتاب الله وأقرب للمنطق. ويقول الحق تبارك وتعالى:

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ ‌عَلَيْهِ ‌الْقُرْآنُ ‌جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان: 32] 

ويقول: ﴿الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ. ‌عَلَّمَهُ ‌الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: 1-4] 

وقد قرأت في موقعكم الكريم أن الله تعالى ذكر خلق القرآن قبل خلق الإنسان لأنه أوجد لنا المنهج ورسم لنا الطريق المستقيم قبل أن يخلقنا. وهذا كلام مقنع ليس عليه إشكال في موضوع المنهج.

لكن الإشكال أن القرآن فيه من أحداث الغزوات وقصص الأمم السابقة والأنبياء فكيف أوجد قبل خلق الإنسان؟

وكيف طلب الكفار من النبي عليه الصلاة والسلام أن ينزل القرآن جملة واحدة وفيه من الأحداث التي ستقع ولم ينكر الله تعالى عليهم (كما ظهر لي), بل قال كذلك لنثبت به فؤادك.

أرجو أن تفيدوني أطال الله أعماركم، فأنتم الملاذ الوحيد الذي نثق به في فهم كتاب الله.

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبارك الله فيك وشكرا على ثقتك بموقعنا ونسأل الله تعالى أن نكون عند حسن ظنك.

التقديم والتأخير في كلام العرب غير لازم للترتيب الزمني، أي يمكن تقديم المتأخر زمانا وتأخير المتقدم زمانا لغايات منها:

بيان أهمية المقدَّم، وتسليط الضوء عليه،

وهذا الأسلوب استخدم في بداية سورة الرحمن، فلا شك أن الإنسان بدون علم القرآن لا يساوي في ميزان الله شيئا، فقد قدم تعليم القرآن على الحديث عن خلق الإنسان، وكأنه أراد أن يقول أن تعلم وتعليم القرآن يجب أن يكون الأولوية المطلقة للإنسان، لأنه يرسم له الطريق ويحدد له الهدف وينير قلبه ويسلِّحه بالحكمة.

يقول البيضاوي _رحمه الله_ في تفسيره:  “لما كانت السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والأخروية صدرها بـ (الرَّحْمَنُ )، وقدم ما هو أصل النعم الدينية وأجلها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، فإنه أساس الدين ومنشأ الشرع وأعظم الوعي وأعز الكتب، إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدق لنفسه ومصداق لها، ثم أتبعه قوله: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) {الرحمن: 3-4}. إيماء بأن خلق البشر وما يميز به عن سائر الحيوان من البيان، وهو التعبير عما في الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع.

ومثل هذا الأسلوب كثير ومتكرر في كتاب الله تعالى ومن ذلك:

-﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ ‌وَالْجِبِلَّةَ ‌الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء: 184] 

وبالرغم من كون المخاطبين متأخرين في الخلق إلا أنه ذكرهم أولا باعتبار أنهم أهل الخطاب.

-﴿وَجَاءَ ‌فِرْعَوْنُ ‌وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ﴾ [الحاقة: 9] 

قدم فرعون رغم تأخره زمانيا عن المذكورين لعظيم شره.

وهكذا يقدم المتأخر لغايات بلاغية، والأمر لا علاقة له بمسألة أزلية القرآن، فالقرآن نزل مفرقا في ثلاث وعشرين سنة يذكر أحداثا ويجيب على أسئلة ويعالج قضايا مختلفة ، لذلك فإن القائلين بأزليته لا يأتون بدليل صحيح، بل إن القرآن يصرح بخلاف قولهم.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.