حبل الله
كتابة آثار الأعمال

كتابة آثار الأعمال

السؤال:

ما المقصود من قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ‌وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12] 

فكتابة الأعمال مفهومة لكن ما هي الآثار؟

الجواب:

للوقوف على بيان الآية الكريمة علينا أن نستعين بمن أوكل لنفسه حق البيان جل جلاله حين قال:

﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ القيامة (19)

وذلك بالعودة إلى كتابه الذي يفسر بعضه بعضًا.

فالله تعالى يقول في معنى ﴿مَا قَدَّمُوا﴾:

﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ البقرة (110)

ويقول كذلك:

﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ، وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ. ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ الحج (10)

يتبين من الآيتين أن ما قدمه الإنسان هو ما فعله في حياته من الصالحات أو السيئات.

ويقول تعالى في معنى ﴿آثَارَهُمْ﴾:

﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ الزخرف (22)

أي ما خلفه السابقون وبقي أثره من بعدهم وتأثر به غيرهم.

والأثر إما أن يكون ماديًا ملموسًا؛ كآثار الحضارات التي خلفها السابقون ومن ذلك قوله تعالى:

﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ الرّوم (9)

وقوله: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ الأحقاف (4)

وقوله: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ الفتح (29)

وكذلك قوله: ﴿فَانْظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ الرّوم (50)

وإما أن يكون الأثر معنويًا محسوسًا، ومنه قوله سُبْحَانَهُ:

﴿قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ﴾ طه (84)

وقوله: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا﴾ الحديد (27)

مما سبق يتبين أن من معاني كلمة الأثر هو ما خلفه الإنسان وكان له تأثير على النفس أو الآخر سواء بالإيجاب أو السلب.

وإذا عدنا إلى الآية موضع الشاهد ﴿مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ نجد أن أعمال الإنسان سواء الصالحة أو السيئة لها شقان، شق يعود على الإنسان نفسه بالنفع أو بالضرر، وشق يعود على النفس وفي الوقت نفسه يصل أثره إلى الآخرين ليبقى تأثيره الطيب أو السيء سواء في محياه أو بعد مماته كالصدقات والكلمات الطيبة التي لها عظيم الأثر على الناس وكذلك العلوم التي تستفيد منها الأجيال وما إلى ذلك، والأمثلة لا تنتهي.

وهذا يعني أنه على الإنسان المؤمن أن يراقب نفسه قبل أن يُقدم على أي عمل أو قول أو حتى نظرة قد يترك به أثرًا سيئًا يؤذي أحدًا أو يضل الناس من بعده، وقد نبأنا العليم الخبير أنه:

﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ق (18)

وذلك لأنه لن يُحاسب فقط على ما قدمه من عمل سواء أكان خيرًا أم شرًا، ولكنه سوف يُحاسب كذلك على الأثر الذي تركه ذلك العمل في غيره:

﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ النحل (25)

وأن ما تركه من طيب القول والعمل يظل أثره ينتفع به من بعده ويؤجر عليه حتى بعد موته كالكلمة الطيبة التي قال فيها سُبْحَانَهُ:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ إبراهيم (24: 25)

وإذا أردنا أن نضرب كمثال الشجرة الطيبة التي تؤتي ثمارها بمثال من الواقع، فنجده واضحًا جليًا في تربية الأولاد الذي يُعد من أكثر الأمور التي يُرى فيها الأثر وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، فإن ربى المؤمن أبناءه على المحبة والرحمة وغرس فيهم الإيثار والحق والصبر كبر الأولاد على تلك الصفات، وعندما يحين وقت الحصاد تجدهم يردون لأبويهم البر والإحسان ويرحموهما كما ربياهم صغارا، بالإضافة إلى ذلك الأثر على الولد نفسه وصلاحه مع أسرته ومجتمعه.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.