حبل الله
تصميم الشخصيات الكرتونية وبيعها لمنتجي الأفلام

تصميم الشخصيات الكرتونية وبيعها لمنتجي الأفلام

السؤال

هل يجوز تصميم الشخصيات وبيعها ؟ حيث يقوم الرسام بتصميم شخصيات كرتونية وما إلى ذلك ويبيعها لمن يعملون في مجال الألعاب أو كتابة الروايات الذين ليس لديهم خبرة في تصميم الشخصيات أو الرسم بشكل عام, لقد احترت لأن البعض يقولون بعدم جوازه لأنه لا فائدة منه، لكن ألا يعتبر الرسم حرفة متعبة يجب على القائم بها أن ينال أجره، خصوصا إذا كان يمتهنها ولا يراها مجرد هواية؟ وإذا تم بيع شخصية لكن استخدمها المشتري في أغراض غير لائقة لم يعلم بها الرسام فهل ستصبح الأموال التي حصل عليها حراما أم لا؟ علما أن الشخصية ليست عارية ولا غير ذلك بل هي مرسومة وفق الضوابط الشرعية. وشكرا جزيلا لكم وعلى مجهوداتكم .

الجواب:

بداية، لا يجوز لأحد أن يحرم ويحلل دون دليل وبينة من كتاب الله تعالى؟! وقد نهانا رب العالمين عن ذلك وتوعد فاعله:

﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ النحل (116)

ولو كان الرسم والتصميم حرامًا فمن باب أولى أن يُحرم التجسيد الذي فعله المسيح عيس ابن مريم واستخدم فيه لفظ الخلق حين قال:

﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ آل عمران (49)

فهل كان المسيح يفعل المحرم؟!

وهل كفر نبي الله سليمان حين كان يأمر الجن بصنع التماثيل؟! قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ، اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ سبأ (13)

ومن الذي قال بأن الرسم والتصميم حرفة لا فائدة منها؟! إن الرسم والتصميم يعد من أهم الفنون، وهو موهبة لا تُمنح لكل أحد من الناس وإنما يختص بها البعض، وهم الذين يمتلكون الهبة من الله تعالى والمهارة في نقل إبداع الكون العظيم في شكل رسومات وتصميمات تفيد البشرية خاصة في مجال التعليم وتربية النشء؛ حيث إن الرسم والتصميم يعمل على تقريب الصورة وتمثيلها ما يعين على الفهم وخاصة بالنسبة للأطفال لإيصال المعلومة بشكل مبسط وشيق، فالشخصيات الكرتونية تجذب الصغار، وقد تعلم الكثيرون منها صغارًا وكبارًا لإضفائها جوًا من المتعة والسعادة بجانب التعلم.

وقد يجوز لنا أن نشبه تلك الرسوم والتصاميم المهذبة الراقية بضرب المثل في القرآن الكريم. قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:

﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الحشر (21)

فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا كثيرًا من الأمثال في كتابه الكريم لتقريب الصورة لذهن القارئ، وقد منحت تلك الأمثال للقرآن الكريم متعة القراءة وجذب الانتباه والتفكر في معانيها وربطها بواقع الحياة، فلم يكن القرآن مجرد كتاب تعاليم وسن قوانين خالٍ من الروح ودقة التصوير وفنون البيان والبديع، تلك الأمثال التي تثبِّت المعرفة في العقل وتعمل على تدبرها ومن ثم تجعلها أكثر تذكرًا للسامع والقارئ قَالَ تَعَالَىٰ:

 ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ الزمر (27).

إن الرسم فن يزين المكان لا سيما إن كان مستلهما من الطبيعة المخلوقة بمقادير إلهية، لذا فلا يحل لأحد أن يحرم بيعها أو اتخاذها كمهنة وحرفة تدر عائدًا على أصحابها والعاملين في مجالها، ومثلها كالزينة التي أحلها الله تعالى لعباده من الذهب والفضة واللباس وغيرها:

﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ الأعراف (32).

أما بالنسبة لاستعمالها في أغراض غير لائقة فلا إثم على الصانع لأنه:

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ المدّثر (38)

فإن كانت رسومه وتصميماته وفق الضوابط الشرعية فإن الإثم يقع على من استعملها بالحرام:

﴿فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة (181)

ونضرب لذلك مثلا:

كان اختراع الديناميت وسيلة جديدة لتفتيت الصخور في المناجم لاستخدامها في الصناعة لأنه لم يكن سهلاً أو متاحًا لعمال المناجم والمحاجر استخدام الأجهزة التكنولوجية القوية التي من شأنها أن تساعدهم في عملهم، لكن الناس استخدموها في الحروب لقتل الخصم وتخريب البيئة. قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:

﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الشورى (42)

وكل الصناعات والحرف هي _في الحقيقة_ سلاح ذو حدين؛ كالهاتف المحمول والتلفاز وأجهزة الحاسوب، وعلى من يستخدمها أن يُعملها في مراد الله تعالى مما يحقق النفع في دنياه وأخراه كما أمرنا سبحانه وتعالى:

﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ القصص (77)

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة جمال نجم (رسم ذوات الأرواح وصناعة التماثيل) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=2613

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.