حبل الله
هل يُقتل الأب قصاصا إذا قتل ابنه عمدا؟

هل يُقتل الأب قصاصا إذا قتل ابنه عمدا؟

السؤال:

أود سؤالكم عن القتل العمد، في حالة أن الأب أو الأم قتلوا ابنهم او ابنتهم عمداً فهل يُقتلون قصاصا؟ لقد قرأت حديثا معناه أنهم لا يُقتلون إذا قتلوا أبناءهم عمداً، فهل هذا صحيح؟ لأني لم أجد في القرآن ما يوافق الحديث.

الجواب:

الحديث الذي ذكره السائل، هو ما روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَد)[1]

وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : “قتل رجل ابنه عمدا ، فرُفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فجعل عليه مائة من الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعه وأربعين ثنية ، وقال لا يرث القاتل ؛ ولولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يقتل والد بولده) لقتلتك”.[2]

والروايات في هذا المعنى كلهَا معلولة لا يصح مِنْهَا شَيْء[3]، وقد أورد ابن عبد الهادي أحاديث الباب وضعفها[4].

وقد ذهب قوم إلى أن الوالد لا يُقتل بولده قصاصا مستدلين بهذه الروايات الضعيفة التي لا تتفق مع عموم القرآن بقتل كل قاتل عمدا، ولو كان الأب القاتل مستثنى لبينه الله تعالى، ولمّا لم يستثنه دخل في عموم الأمر بالقصاص:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ ‌الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178] 

وهذا حكم الله تعالى في التوراة أيضا، يقول الله تعالى:

﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ ‌النَّفْسَ ‌بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: 45] 

أما استدلالهم بدليل العقل وهو  (أن الوالد سبب في إيجاد الولد، فلا ينبغي أن يكون الولد سببا في إعدامه) فمردود؛ لأن الولد المقتول ليس هو السبب في قتل أبيه بل السبب جنايته لما أزهق نفسا بريئة حرم الله تعالى الاعتداء عليها:

﴿…مَنْ قَتَلَ ‌نَفْسًا ‌بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32] 

بل إن النكير على الوالد القاتل أشد، لأنه ينتظر منه أن يكون أكثر صبرا وحنوا على ابنه. فهذا نبي الله نوح عليه السلام يدعو ابنه الكافر المعاند أن يركب معه في سفينة النجاة [هود: 42] بالرغم من استحقاقه الهلاك شفقة وحنوا عليه، فهذا ما يُنتظر من الوالد تجاه ولده وليس القتل عمدا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  سنن الترمذي (1401)

[2]  مسند أحمد (346) وسنن ابن ماجه (2662)

[3]  البدر المنير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (8/ 374)

[4] انظر : تنقيح التحقيق (4/471)

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.