حبل الله
أزواج النبي؛ أهل بيته وأمهات المؤمنين

أزواج النبي؛ أهل بيته وأمهات المؤمنين

تتحدث بعض آيات القرآن عن أزواج النبي الكريم باعتبارهن أهل بيته والحلقة المقربة منه المطلوب منهن تعلم الحكمة وتعليمها للناس كواجب شرعي، لذا كان لهن من الأحكام الخاصة ما يراعي تلك الخصوصية [الأحزاب: 28-34] .

ولا شك أن الزوجة الصالحة تشكل سندا وعونا لزوجها في الحق، وعند الحديث عن النبوة وما يلزمها من مواجهة المنكرين ومجاهدتهم نتذكر ما يمكن أن تقدمه زوجات النبي في هذا الصدد، لقد رأينا ما قدمته أمنا خديجة رضي الله عنها في بداية الدعوة لنصرة النبي ومواساته ودعمه بكل ما تستطيع، كما رأينا حسن صنيع زوجاته الأخريات بعد الهجرة من نشر الإسلام وتبليغه والجهاد مع النبي عليه السلام.

لم يسلم نبينا الكريم من التهم في جمعه بين هذا العدد من الزوجات التي ترجح الروايات أنه قد جمع بين أكثر من أربع زوجات، وذلك برمي التهم عليه جزافا، حيث نحاول في هذه المقالة القصيرة بيان الأسباب الموضوعية التي دعته للزواج من هذا العدد من النساء.

كانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها الزوجة الأولى للنبي عليه السلام، لقد كانت سيدة أعمال (تاجرة) وتكبره بخمسة عشر عامًا، وكان نبينا الكريم يعمل في تجارتها في بداية شبابه، ولما رأت من أمانته وخلقه عرضت عليه خطبتها عبر أحد أقاربها. وقد قبل النبي عرضها وتزوجا، وقد أنجبت من النبي ستة أطفال خلال زواجهما الذي استمر 25 عامًا. كان ذلك الزواج الميمون في مكة لما كان عمر النبي 25 عاما بينما كان عمره عند وفاتها 50 عامًا.

بعد الهجرة إلى المدينة المنورة تزوج النبي الكريم أكثر من امرأة. حيث كان لكل من زيجاته سبب مختلف. على سبيل المثال:

كان زواجه من الشابة عائشة بنت الصديق فرصة لتتعلم الدين عن قرب ولتقوم بتعليم الناس ما تتعلمه من النبي الكريم، وقد كانت بالفعل أكثر أزواج النبي قياما بهذا الدور لطول ملازمتها له ولأنها عاشت أكثر من غيرها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

وكان زواجه من زينب أمرًا من الله للتأكيد أن على بعض الأحكام المتعلقة بالطفل المتبنى تختلف عن الابن الصلبي/ الحقيقي:

﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [الأحزاب: 37] 

زواج النبي من مطلقة زيد (الذي كان متبناه قبل الإسلام) كان مثالا عمليا لما دعا إليه القرآن سابقا من إلغاء التبني بقوله تعالى:

﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ، ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، ‌ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: 4-5] 

أما زواجه من جويرية بنت الحارث – الأسيرة وابنة أمير قبيلة بني المصطلق – كان سببا في إسلام قبيلتها بأكملها، وكانت تلك الزيجة أيضًا مثالًا لتعليم الناس كيفية الزواج من امرأة أسيرة/ملك يمين.

عندما يتم فحص زيجاته عليه السلام واحدة تلو الأخرى يتضح أن لكل منها سببا مختلفا.

ولا شك أنه كان للنبي الكريم وضعًا خاصًا في موضوع الزواج، ومن ذلك جمعه بين أكثر من أربع زوجات (يرجح أنهن تسع) قبل وفاته عليه السلام بالرغم من أنه لا يجوز لغيره من الرجال المسلمين الجمع بين أكثر من أربع.

وقد فسر البعض أن جمعه هذا العدد من الزوجات يعبر عن ولعه بالملذات الدنيوية. والحق أن نبينا الكريم لم يجمع هذا العدد من الزوجات للسبب المذكور، ولو نظرنا في سيرة الأنبياء قبله لوجدنا أنهم تزوجوا أكثر من هذا العدد، كما لا ينبغي إهمال البيئة المحيطة والعرف السائد في زمانه حيث كان هذا السلوك لا ينكر.

وللتفصيل في هذه المسألة يمكننا تلخيص أسباب تعدد زيجات النبي على النحو التالي:

  1. أول زواج للنبي ذي الخامسة والعشرين من عمره كان من أرملة في الأربعينات من عمرها ولديها أيتام، وقد استمر زواجهما خمسة وعشرين عامًا، ولم يتزوج من امرأة أخرى في هذه الفترة رغم تمتعه بالشباب والقوة. بل إنه عاش بعد وفاتها بدون زواج لبضع سنوات، بعدها تزوج عليه السلام من سودة بنت زمعة، وهي أرملة تبلغ من العمر خمسة وخمسين عامًا. إن جميع النساء اللواتي تزوجهن باستثناء عائشة كن أرامل. بعد الوقوف على هذه الحقيقة، لا يمكن القول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مولعا بالنساء والملذات الحيوية كما زعم البعض.
  2. عندما نزلت الآية التي تحدد عدد الزوجات بأربع [النساء: 3]، كان النبي متزوجًا من تسع زوجات كما تنقله الروايات، تمامًا مثل العديد من الرجال الآخرين في مجتمعه. وبحسب الآية، كان على المتزوجين بأكثر من أربع اختيار أربعة منهن وتسريح الباقيات. وقد كان بإمكان النساء المنفصلات عن أزواجهن أن يتزوج من رجال آخرين، إلا أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن يعتبرن أمهات للمؤمنين ﴿وَأَزْوَاجُهُ ‌أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6] ، لذلك كان من المستحيل عليهن أن يتزوجن بغير النبي إذا سُرِّحهن، لأن الله تعالى يقول:

﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ ‌تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 53] 

لهذا السبب سُمح له بالإبقاء على نسائه التسع وذلك بإذن خاص له عليه السلام. كما أنه حرِّم عليه أن يستبدل بهن أزواجا غيرهن:

﴿‌لَا ‌يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾ [الأحزاب: 52] 

  1. الوحي الجديد (القرآن) الذي جاء به النبي الأخير يخص النساء والرجال على حد سواء، وقد كانت زوجات الرسول يؤدين مهمة تعلمية وتعليمية، لذا كنّ بحق مرجعًا للعلم والفتوى، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الخاصة بالنساء اللاتي يتجنبن سؤال الرجال عنها. ومن المعروف أنه كان لأمنا عائشة مكانة خاصة في هذا المجال[1]. فبعد وفاة النبي أصبحت مرجعية علمية يمكن للناس من جميع الأعمار وخاصة النساء القدوم إليها للسؤال وتلقي العلم. حتى إنه كان تأتيها الأسئلة من مناطق بعيدة فترسل الردود المناسبة إلى السائلين، وهي بذلك تطبق الأمر القرآني التالي:

﴿‌وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 34] 

  1. بالإضافة إلى ما ذكر، كان هناك أسباب خاصة محددة للزواج من كل واحدة من زوجاته تقريبًا. ومن ذلك:
    – زواجه مِن بعض مَن فقدن أزواجهن في سبيل الدعوة وثابرن على إخلاصهن للإسلام، تزوجهن من باب مكافأتهن وتوفير الحماية لهن مثل: (سودة بنت زمعة ، وزينب بنت خزيمة ، وهند بنت أبي أمية ، وريحانة بنت زيد ).
    – كان زواجه من زينب بنت جحش بأمر من الله تعالى ليكون أسوة في تغيير المفاهيم الخاطئة المستقرة في المجتمع العربي التي كان منها اعتبار الابن المتبنى كالابن الحقيقي (الأحزاب 36-37).
    – توثيق الصلة مع أعيان الصحابة والقبائل العربية المتجذرة والمجتمعات المجاورة كمثل زواجه من: (حفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي)

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com

الباحث: د. جمال نجم

ــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  وهذا ما يفسر الأمر القرآني لهن بالقرار في البيوت ﴿‌وَقَرْنَ ‌فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: 33]  وذلك ليؤخذ العلم من مكان معلوم، ولأنهن مكلفات بذكر ما كان يتلى في بيوتهن من كتاب الله والحكمة

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.