حبل الله
وهو في الخصام غير مبين

وهو في الخصام غير مبين

السؤال:

ما تفسير قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ الزخرف (18) حيث قرأت تفسيرًا يقول أن الأنثى عاجزة وضعيفة وليس لها حجة قوية في النقاش، وتفسير آخر يقول أنهن الجواري يسفههن بذلك، غير مبين بضعفهن.

ما رأيكم في ذلك؟!

الجواب:

إن تفسير الآية على هذا النحو ليس غريبًا عن أكثر التفاسير والمذاهب التي وافقت حكم الجاهلية في نظرتهم الدونية للمرأة.

فزعم المفسرون أن الله تعالى ينكر على المشركين قولهم لأنهم نسبوا إليه تلك المخلوقة الناقصة التي تربى في الحلية لتكمل نقصها والضعيفة العاجزة غير القادرة على الجدال والنقاش لضعف حجتها فهي ناقصة الباطن والظاهر فيكون المعنى حسب قولهم، أيضاف إلى الله من هذا وصفه؟ أي أنه لا يجوز!

وفي الحقيقة وبناء على هذا التفسير فهناك بعض التساؤلات التي تطرح نفسها:

  • من الذي خلق تلك الأنثى الناقصة ضعيفة الحجة على حد قولهم؟ أليس الله تعالى؟:

 ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ﴾ النجم (45)

إذًا فكيف ينكر عليهم الله تعالى كرههم للإناث؟! أليسوا محقين في رفضهم إياها بعد هذا الوصف!!

  • وكيف يصف الله تعالى حكمهم بالسوء إن كانوا لم يكذبوا:

﴿يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ، أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ النحل (59)

ألا يعد الله تعالى موافقًا لرأي من يكرهون البنات مؤيدَا لحجتهم بقوله:

 ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾؟!

حاشاه سبحانه.

  • وكذلك لماذا يغضب الله تعالى عندما ينسبون إليه الأنثى؟ أليس هو من خلقها بهذا الضعف والنقص والسوء؟!

هل كان تعالى يريد أن ينسب إليه الذكور وغضب عندما حدث العكس؟ أم أن القضية بحد ذاتها مرفوضة:

 ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ، وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ الأنعام (100)

كل هذه التساؤلات علينا أن نجيب عليها من الكتاب نفسه.

﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾؟ ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ الصافات (180)

وإذا أردنا أن نبين معنى آية الكريمة فعلينا تدبر الآيات المتعلقة بالموضوع نفسه وكذلك الألفاظ التي جاءت فيها.

وللوقوف على معنى قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ الزخرف (18) يجب الوقوف على معنى الخصومة في كتاب الله تعالى، فالمتدبر للآيات التي جاءت فيها هذه الكلمة يجد أنها ليست صفة محمودة بل على العكس تمامًا، فالخصومة صفة مذمومة فقد ذكر الله تعالى أن الإنسان قد أنكر فضله بعد أن خلقه من النطفة ثم أصبح خصيمًا مبينًا ضد خالقه:

﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ يس (77)

وقَالَ جَلَّ وعلا:

﴿وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ، مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا، بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ الزخرف (58)

والخصيم هو الذي يكون بينه وبين الآخر خلاف ونزاع، وأصل الكلمة من (خصم) التي فيها معنى انتقاص حق الآخر، قَالَ تَعَالَىٰ:

 ﴿قَالُوا لَا تَخَفْۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ ص (22)

إذًا فالخصام صفة مذمومة ولا تكون في خير:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ البقرة (204)

وهذا هو السبب في كراهية المشركين للأنثى لأنها ليست مبينة في الخصام مثل ذكورهم شديدي الخصام والعداوة بسبب جاهليتهم وعصبيتهم، وهو ما يريدونه لأنهم أهل الخصومة والبغي ويدعون دومًا إلى الحرب والعدوان غير المبرر، ولذا لا يرغبون في الأنثى لنشأتها على حب الحلي والزينة ولاتصافها بالوداعة والرقة، وكل هذه الصفات الطيبة لا تتفق مع غلظة طبعهم ورغبتهم الجامحة في الخصومة والبغي، بالإضافة إلى أن الأنثى تحتاج إلى الإنفاق ولا تجلب لهم الأموال كالذكور.

فالآية موضع الشاهد: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾  

هي من وجهة نظر المشركين ذم، لكنها  _في الحقيقة_ وصف محمودٌ أن يكون الإنسان غير مبين في الخصام يدعو إلى السلم لا إلى البغي والاعتداء والحرب كما يفعل عتاة المشركين.

وكما يتبين من الآية الكريمة أن من تولد له الأنثى من المشركين كان يكظم غضبًا وقولًا بداخله، وذلك بدليل كلمة (كظيم) في الآيتين المتعلقتين بالموضوع:

﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ النحل (58)

﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ الزخرف (17)

فمرة يفكر في التخلص منها:

﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾

ومرة أخرى يتحسر لعدم إنجابه من يعاونه على خصومته:

﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾

فهؤلاء الآباء المشركون يريدون الذكور لغرض مساندتهم في الخصومة والاعتداء، وقد نسبوا لله تعالى ما يكرهون، وكذلك وصفوا الملائكة بأنهم إناث؛ لأن الملائكة مخلوقات لا تأتي بالشر، وعلى الرغم من ذلك نجد تناقضهم في كرههم للإناث ووصف الملائكة بهم ونسبتهم لله تعالى لأنهم في الوقت نفسه يعبدونهم ليقربوهم إلى الله تعالى:

﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ، سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ. وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ، مَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ الزخرف (19_20).

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.