حبل الله
معنى كلمة الإسلام في القرآن الكريم

معنى كلمة الإسلام في القرآن الكريم

السؤال:

سؤالي للباحثة الكريمة شيماء أبو زيد، فأنا أحب تدبرها لكتاب الله تعالى وأجوبتها الرائعة. وقد وجدت إجابة لها في قصة سيدنا سليمان مع ملكة سبأ ورد فيها أن كلمة مسلمين تأتي بمعنى الاستسلام والمسالمة. فهل لديها ما يثبت في اللغة العربية أن كلمة مسلم لا تأتي دائما بمعنى معتنق الإسلام ولكن بمعنى الاستسلام والمسالمة، هذا فقط ليطمئن قلبي وشكرا.

الجواب:

في البداية نشكر السائلة على ثقتها في موقعنا:

﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ الأعراف (43)

وفي الحقيقة أن تدبر الآيات وإجابة التساؤلات لا يتم بجهد للباحثة فقط، وإنما هو نتيجة العمل المشترك والتدبر الجماعي لفريق الباحثين في مركز بحوث الدين والفطرة امتثالًا لأمره سبحانه وتعالى:

﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ فصّلت (3).

فوجود هؤلاء القوم الذين يمتلكون العلم اللازم هو شرط ضروري للوصول إلى تفصيل الله تعالى للآيات.

وللإجابة عن هذا السؤال ينبغي أولًا أن نفهم معنى كلمة (الإسلام) وكذلك مشتقاتها بحسب مجيئها في كتاب الله تعالى.

ولكن قبل ذلك علينا أن نبين نقطة غاية في الأهمية ألا وهي، أننا عندما نريد البحث عن معنى كلمة جاءت في كتاب الله تعالى علينا أولًا أن نرجعها إلى الكتاب نفسه ثم إلى كتب اللغة؛ ذلك لأن قواعد اللغة العربية في الأساس يجب إخضاعها للصياغة القرآنية وليس العكس، فالقرآن حجة على اللغة وليست اللغة حجة على كتاب الله تعالى الذي أنزل الكتاب وعلم الإنسان ما لم يعلم، ويتضح هذا المعنى عند تلاوتنا لقوله تعالى:

﴿الرَّحْمَٰنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ الرحمن (1-4)

فالمتدبر للآيات الكريمة يجد ملمحًا بديعًا يدل على ذلك القول.

فالله تعالى قد ذكر القرآن قبل خلق الإنسان، والقارئ للوهلة الأولى يفترض أن يكون الترتيب هو خلق الإنسان قبل تعليم القرآن بما أنه قد أنزل إليه ليهتدي به! ولكنه سبحانه قد أوجد لنا المنهج ورسم لنا الطريق المستقيم ومهده لنا قبل أن يخلقنا، كما مهد لنا الأرض وسخر المطر والبحار والجبال من قبل، ولذلك يذكرنا تعالى بعد ذكر كل نعمة بقوله:

﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ الرحمن (13).

فقوله تعالى: ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ لا يُقصد منه تعليمه للإنسان لأنه لم يكن قد خلق بعد، ولكن تعني أنه سبحانه وضع فيه العلم المنضبط بأصول استنباط الحكمة وفقا للقواعد اللغوية وألوان البيان والبديع:

﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ الزمر (28)

ثُم علمه الإنسان:  ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾

لينتفع ويهتدي به لفهم الكتاب وتدبره ومن ثَم تطبيقه عن علم ويقين.

ولكن للأسف الشديد فإن كثيرًا ممن عملوا في علم التفسير قد فعلوا العكس فأخضعوا بعض كلمات القرآن للقواعد اللغوية التي صيغ بعضها خلافا لمقتضى القرآن قبل عرضها عليه، وهو ما أوقعهم في إشكالية سوء الفهم. ولنأخذ على ذلك مثالًا:

فكلمة (لوط) التي جاءت في القرآن علمًا على اسم نبي كريم، لو قمنا بالبحث عنها في أكثر معاجم اللغة فإن المعنى الأول الذي يظهر هو (ارتكاب فاحشة إيتان الذكور) وذلك بإضافة ألف في وسط كلمة (لوط) أو بإضافة ياء إلى آخر الكلمة لوصف مرتكبها، وهذا مع الأسف الشديد قد ألحق الأذى باسم النبي الذي جاهد للقضاء على تلك الفاحشة، بل إنهم قد أساؤوا الظن بالله تعالى الذي اختار نبيًا اسمه وحده دليل على الفاحشة (بحسب تصورهم)، وغير ذلك الكثير من التفاسير الخاطئة التي خالفت قواعد الكتاب.

ونحن هنا لا نهدر الجهود المباركة لعلماء اللغة السابقين والمحدثين ونجعله هباء منثورًا، ولكننا ننادي بالعودة إلى المصدر والمنبع الذي أنزله الرحمن كأساس في التفسير، ثم لا بأس من النظر إلى القواعد التي وضعها أناس يصيبون ويخطئون.

وإذا جئنا لكلمة (الإسلام) فإن معنى السلامة والمسالمة قد وردت في كتب ومعاجم اللغة أنها من معاني كلمة الإسلام التي يعود جذرها اللغوي إلى (سلم) وهذه الفقرة مقتطفة من معجم مقاييس اللغة لابن فارس:

«السين واللام والميم معظم بابه من الصحة والعافية ; ويكون فيه ما يشذ، والشاذ عنه قليل، فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى. قال أهل العلم: الله جل ثناؤه هو السلام ; لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء. قال الله جل جلاله: {والله يدعو إلى دار السلام} [يونس: 25] ، فالسلام الله جل ثناؤه، وداره الجنة. ومن الباب أيضا ‌الإسلام، وهو الانقياد ; لأنه يسلم من الإباء والامتناع. والسلام: المسالمة»

ولكي يطمئن قلب السائلة الكريمة فعليها كما ذكرنا بالعودة إلى مصدر الاطمئنان مصداقًا لقوله سبحانه:

﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد (28).

وبالرغم من اتفاق المعاجم اللغوية مع استعمال القرآن للكلمة، إلا أنها قد خضعت لمعايير أخرى تمثلت بحصر معنى الكلمة برواية حديثية أعطت تصورا خاصا عن الإسلام لا يتفق مع ما قرره كتاب الله في معنى الكلمة وجوهرها.

فإنك لو سألت أحدًا ما معنى الإسلام؟ فسوف يكون الرد المتبادر إلى الذهن (الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت)! وهو نص الرواية الأشهر في كتب الروايات التي رغم انتشارها قد تسببت في أمرين غاية في الخطورة:

  • الأمر الأول: أنها حصرت أركان الإسلام في خمس (قول واحد وأربعة أفعال) وجعلت الإسلام فقط شكلًا ظاهريًا، ولو تدبرنا المسألة نجد أن أكثر المنتسبين إلى الإسلام يفعلونها ويحرصون عليها لكننا ترى كثيرا منهم بعيدين كل البعد عن الله تعالى وتعاليمه في كتابه ﴿إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ فكثير من المنتسبين إلى الإسلام يكذبون أو يرتشون أو يغشون أو يظلمون أهلهم وأزواجهم إلخ… رغم إتيانهم بما نصت عليه الرواية!

بناء على معنى الإسلام كما ورد في الرواية فهناك عدة تساؤلات تطرح نفسها وعلينا الإجابة عنها:

ما حال المسلم الذي ينطق بالشهادة ويقيم الصلاة، لكنه فقير لا يؤدي زكاة المال، ومريض لا يستطيع الصيام أو كلاهما فلا يستطيع الحج؟!

فما حاله من إسلام تلك الرواية؟! ألا يعد ناقص الدين وهادمًا لأكثر أركانه؟! ألا يتميز عليه من يفعل الخمس؟!

أليس المنافق يفعل كل ذلك؟! :

﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ المنافقون (1)

بل السؤال الأهم هنا: ما حال الأمم السابقة من هذا المعنى؟

فالإسلام هو دين الله تعالى لكل أنبيائه ورسله:

﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ آل عمران (19)

ولو سلمنا بأن الإسلام يعني ما ذكرته الرواية فما معنى قوله تعالى:

﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ الفتح (16)

فهل تعني أن يُسلم هؤلاء بإعلانهم الشهادتين؟!

أليس هذا إكراه في الدين ويتعارض مع قوله تعالى:

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ البقرة (256)!

  • الأمر الثاني: أن تلك الروايات قد فرضت معنى وتعريفًا محددًا للإسلام كما فعلت مع كلمة (الإيمان والإحسان) وصرفت أكثر الناس عن تدبر معنى الإسلام الحقيقي كما أراده الرحمن في كتابه.

فإن كلمة الإسلام جاءت في كتاب الله تعالى عشرات المرات في مواضع مختلفة ومواقف متعددة بل أنها جاءت في حق غير المنتسبين إلى الإسلام كاليهود والنصارى وكذلك المشركين.

والمتدبر لكل الآيات التي جاءت فيها كلمة الإسلام يجد أن معناها التسليم والانقياد، وكذلك مشتقاتها، وسواء أكانت بصيغة المفرد أو المثنى أو الجمع يجدها تدور حول السِلم والسلام والمسالمة والسلامة والرضا والقبول وكذلك الاستسلام.

وندرك هذا المعنى واضحًا جليًا في قوله تعالى:

﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ آل عمران (83)

فهل أسلمت السموات والأرض بالخمس المذكورة في الرواية؟!

أم أنها اختارت الانقياد والتسليم لله رب العالمين:

﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ فصّلت (11)

فجاءت كلمة الإسلام بمعناها الأول وهو تسليم الوجه والقلب للخالق العظيم:

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًاۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ النساء (125)

وبمعنى المسالمة والتسليم في قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ الصافات (103)

أي جاء مسالمًا بغير جدال مسلِمًا لإرادة ربه، ويسمى الشخص الذي (أسلم) هنا بالمسلم والجمع مسلمون.

وبمعنى السلم الذي يعني طلب الأمن وهو عكس الحرب:

﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ محمد (35)

والشخص الذي يدعو إلى السلم فهو مسلم، والجمع مسلمون.

وكذلك السلام، قَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ النساء (94)

فالسلام هنا لا يعني ألقى التحية وإنما يعني طلبه الأمان وتسليمه نفسه.

وبمعنى السلامة وهو الطريق السليم غير ذي العوج:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ البقرة (208).

وبمعنى سلام التحية:

﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يونس (10)

وبمعنى الأمان عكس الخوف:

﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ، ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾ ق (34).

ومعنى الرضا والقبول:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء (65)

فمن ارتضى بالحكم العادل فهو مسلم.

وجاءت بمعنى السلامة من المرض الجسدي قَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ القلم (43).

وجاءت بمعنى الاستسلام، وفرق دقيق بين التسليم والاستسلام، فعندما يزيد المبنى في الكلمة يزيد في المعنى وندرك الفرق في قوله تعالى:

﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ الصافات (26)

فجاء التعبير هنا بلفظ الاستسلام لأنه يتحدث عن الآخرة التي سيأتي إليها الجميع مستسلمًا مكرهًا مجبرًا رغمًا عن إرادته على عكس من أسلم طواعية في الدنيا بدون جبر أو إكراه كمن قيل فيهم:

﴿بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ البقرة (112)

أو سلم نفسه في معركة ولم يسلم قلبه لله تعالى.

وعندما أمر النبي الملك سليمان بأن تأتي إليه ملكة سبأ فلم يستخدم لفظ الاستسلام عندما قال:

﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ النّمل (31)

ولم يقل وأتوني (مستسلمين).

لأن الاستسلام يدل على التسليم الكلي قلبًا وقالبًا بالجبر وليس بالاختيار وهذا لا يكون إلا لله رب العالمين الذي لم يأمر الله تعالى به عباده في الدنيا وإنما ترك لهم الحرية فقال تعالى مخاطبًا رسوله:

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ يونس (99).

وقَالَ جَلَّ شأنه:

﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ الجن (14)

ولم يقل:

(فمن استسلم).

والقصة تتكرر في مشهد آخر مع الملك العظيم ذي القرنين عندما مكنه تعالى في الأرض:

﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا﴾ الكهف (87)

فهو هنا يتصرف كملك عادل مهمته الأساسية هي الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة ونشر العدل ومنع الظلم بالقوة.

والظلم هنا لا تعني الشرك كما فسرها بعض المفسرين – رغم أن الشرك أعظم الظلم – وذلك بدليل السياق ومسيرة ذي القرنين في تحقيق الأمن عندما تعامل مع شكوى القوم له بإفساد يأجوج ومأجوج في أرضهم وليس كفرهم أو شركهم:

﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ الكهف (94)

وهذا هو منهج جميع الرسل والأنبياء في التعامل مع خصومهم المعتدين، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ البقرة (190)

فكما يتضح فإن أمره تعالى ظاهر جلي في قتال المحاربين وعدم البدء بالاعتداء، ولكنه إذا تم الاعتداء فإنهم بين خيارين لا ثالث لهما إما الاستمرار في الحرب وإلحاق الهزيمة بهم أو إعلانهم السلم: ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ

وقد تبين ذلك في جميع آيات القتال:

﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا. فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ، وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ النساء (91)

وإلقاء السلم هو الانقياد لقواعد الحرب عند الهزيمة ومن فعلها فهو مسلم والجمع مسلمون قد رضي بقواعد التعايش السلمي وليس معناها أنه قد أصبح يدين بالإسلام.

وختامًا: فإن الإسلام بمعناه الحقيقي هو التسليم لإرادة رب العالمين وتسليم الوجه له وبإخلاص العمل له وتسليم القلب بالرضا عنه وتسليم الجوارح بإعمالها في رضاه وإلقاء السلام والدعوة إليه كما فعل خليل الرحمن إبراهيم:

﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الصافات (84)

الذي صار على نهجه الأنبياء والمرسلون بعده. قَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ، فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ الحج (78)

 

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله  www.hablullah.com 

الباحثة: شيماء أبو زيد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.