حبل الله
الزواج السري؛ أسبابه ومخاطره، والحلول القرآنية

الزواج السري؛ أسبابه ومخاطره، والحلول القرآنية

السؤال:

لدي سؤال هام: في بلادي لدينا انتشار مخيف للزواج السري رغم أنه دائما تكون شروط العقد أو الوعود بين الزوجين تضم شرطا أن الرجل إذا أراد الزواج بأخرى فيجب عليه أن يطلق الأولى أو يعلمها بالأمر أولا من باب تجنب التوتر، لكن الرجال لا يحترمون هذه العقود و الوعود، و ما سهل عليهم ذلك هو الفقر المنتشر بين النساء و خاصة الشابات فيقبلن مباشرة برجل يود الزواج منهن بشكل سري بحيث يتضمن العقد أن الأمر سيتم بشكل سري، و لكن هذا الزواج تحول لزواج المتعة حيث إنه سرعان ما ينتهي بحمل المرأة و اختفاء الرجل كونه لا يريد أطفالا، و أخطر ما في الأمر رفضه التام الاعتراف بالأطفال و يتوقف تماما عن النفقة و تعود الفتاة إلى النقطة الأولى وهي حالتها المادية السيئة بالإضافة للأطفال الذين يرفض الأب الاعتراف بهم ما يؤدي إلى شك المجتمع بها و زيادة هائلة في الأطفال المشردين كون أمهاتهم قد رمينهم خوفا من نظرة المجتمع إليهن .

فما حكم الشرع في زواج المتعة ؟

أليس محرما أن يترك الأب أطفاله و يرفض الاعتراف بهم؟

و ما هو السبيل لحل هذه الظاهرة المتفاقمة؟

و شكرا لكم.

الجواب:

في البداية علينا أن نفرق بين أمرين هامين:

  • الفرق بين الإسلام الذي جاء في كتاب الله تعالى وبين سلوك كثير ممن ينتسبون إليه، فدينه سبحانه دين قيم لا تشوبه شائبة، ورب العالمين لا يرضى لعباده الظلم: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الرّوم (30)

ومن يقول أو يفعل خلاف (ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) فإن قوله أو فعله لا يعد حجة على الدين، ويعد انتسابه إليه انتسابا اسمًيا مجردًا عن قيم الإسلام وتعاليمه العظيمة، فلا يقاس الإسلام بسلوك هؤلاء الذين:

﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ البقرة (75)

  • وكذلك ينبغي أن نفرق بين التعدد وبين ما يسمى بالزواج السري! كما أشارت السائلة الكريمة، إذ أنه لا علاقة بين من يدعو إلى العفة والطهر وبين من يتبع الشهوات كما بين لنا سبحانه وتعالى عقب آيات النكاح:

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ النساء (27)

فالتعدد الذي شرعه تعالى في كتابه جاء من أجل حكمة بالغة بيَّنها في قوله:

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ..﴾ النساء (3)

فهي إصلاح حال الأرملة ورعاية اليتامى الذين قد لا يكون لهم عائل بعد وفاة أبيهم والحفاظ عليهم وسد احتياجاتهم المادية والمعنوية، ولا يمت التعدد بصلة لتلك العلاقات السرية بين رجل وامرأة وما ينتج عنها من أسباب تشرد الأطفال أو عدم الاعتراف بهم أو سوء نظرة المجتمع للمرأة، بل إن تلك العلاقات لا تندرج من الأساس تحت مسمى الزواج، فالزواج الصحيح جعله الله تعالى آية من آياته:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الرّوم (21)

وقد جعل له شروطًا وأحكامًا من إذن الأهل والإشهاد والمهر والسكن والنفقة والرعاية، كل تلك الشروط تكفل للمرأة وللأطفال حقوقهم.

ولا ينبغي للزواج الذي شرعه الله سبحانه صيانة للإنسان وتكريما له أن يكون محلًا للصفقات أو مجرد وعاء لتفريغ الشهوات وامتهان كرامة النساء، فإن من يسعون لتلك العلاقات الآثمة ينظرون إلى المرأة نظرة دونية وليس كإنسان يُحترم، ينظرون إليها من منظور المتعة الجسدية كأنها سلعة تباع وتشترى فقط، وهو ما جلب على المجتمع كثيرًا من الفساد والضرر، ولهذا نهانا تعالى عن تلك العلاقات الآثمة التي تتم تحت مسمى النكاح دون الالتزام بشروطه وضوابطه التي مؤداها الإحصان تحديدا:

﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾ المائدة (5)

﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ النساء (25)

فحتى المرأة المتوفى عنها زوجها أمر الله تعالى من يريد الزواج منها ألا يواعدها سرًا:

﴿وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ البقرة (235)

فمواعدتهن سرًا منهي عنه، فما بال بالزواج السري نفسه!!

واعتبر القرآن من يخالف تلك الأحكام متعد لحدود الله تعالى وتوعده بالعذاب في الدنيا والآخرة، فكلمة الحدود تعني الخطوط الفاصلة التي لا يصح لمسلم تعديها، حيث تستخدم الكلمة كثيرا في توضيح أحكام العلاقة الزوجية خاصة عند الفراق؛ لأنه مظنة المشاحة وأكل الحقوق سواء أكان هناك أطفال أم لا، فما بال إن نتج عن الزواج الصحيح أو الفاسد أطفال أبرياء لا ذنب لهم!

فللمرأة حقوق لا ينبغي للرجل الاستهانة بها وإلا وصف بالظلم الذي يوجب العقاب. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ البقرة (229)

وبناء على ذلك فلا يوجد في كتاب الله تعالى ما يسمى بزواج المتعة[1] أو السري وأمثالهما من الزيجات الفاسدة التي لا تتفق مع العقد الذي وصفه رب العالمين بالميثاق الغليظ:

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ النساء (21).

أما عن السبيل لحل تلك المشكلة، فإن القرآن الكريم الذي قال عنه منزله:

﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ النحل (89)

لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا تحدث عنها وبين أسبابها وطرق علاجها، وبالنسبة للنكاح فقد أولى له الكتاب أهمية كبيرة وجعل الالتزام بأحكامه وما يترتب عليه ضمن أولويات الإيمان به، حيث قال تعالى عقب بيانه بعض أحكام النكاح:

﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ المائدة (5)

كما جعل الالتزام بتعاليمه في أمور الزواج والطلاق من أهم دواعي التقوى حين قال:

﴿ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ الطلاق (5).

وأولى الخطوات إلى تجنب مشكلات الزواج المحتملة التزام أمره سبحانه إلى أولياء الأمور بأن يتخيروا الصالحين والصالحات عند النكاح وعدم وضع المال كمقياس بدلا من التقوى والعمل الصالح[2]، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ النّور (32)

والخطاب في أمر النكاح قد جاء موجهًا إلى المسلمين عامة وأولياء الأمور خاصة وليس للرجل والمرأة كلا على حدة كما في قوله تعالى للأولياء:

﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ البقرة (232)

والخطوة الثانية نجدها حين وجه تعالى خطابه إلى هؤلاء الأولياء بقوله:

﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ النّور (33)

فقد أمر سبحانه الأولياء بتيسير أمر الزواج وعدم التعنت مع فتياتهم إذا أردن الزواج ممن يرغبن ونهاهم عن المتاجرة بالنكاح للتكسب من ورائه مما يؤدي بهؤلاء الفتيات لعصيان أوليائهن، الذي ربما يترتب عليه أن تتزوج الفتاة بعيدا عن إذن أهلها أو بدون عقد نكاح صحيح كالزواج العرفي أو السري الذي تقع الفتاة فريسته ويدفع الأطفال ثمنه من صحتهم النفسية وأمنهم ومستقبلهم.

فالسبيل الوحيد الذي يصون المرأة والأطفال ويحفظ للأسرة كيانها واستقرارها يكمن في قوله جَلَّ وعَلَا:

﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ، عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يوسف (108)

فيكمن في التمسك بتعاليم هذا الكتاب الذي لن يضيع صاحبه:

﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ الأعراف (170)

وفي عدم فصل القرآن الكريم عن حياتنا وحصره داخل دور العبادة والتغني به دون تطبيقه وكأنه كتاب للتبرك به ونيل الحسنات بمجرد تلاوته دون أن ننهل من نوره ليضيء لنا الطريق ويبدد ظلمات الجهل. قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعلا:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ النساء (175).

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  انظر مقالة أنس عالم أوغلو (نكاح المتعة) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=1292

[2]  انظر مقالة (اختيار الزوج والزوجة) على موقع حبل الله في الرابط التالي  https://www.hablullah.com/?p=1299

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.