حبل الله
كيف يصدق القرآن الكتب السابقة بالرغم من تحريف بعض محتوياتها؟

كيف يصدق القرآن الكتب السابقة بالرغم من تحريف بعض محتوياتها؟

السؤال:

كيف أُوفق بين الآيات التي تقول بأن التوراة تم تحريفها وهو ما يؤكده التاريخ أيضا وبين الآية التي تقول ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾ [المائدة: 43] ؟ وشكرا

الجواب:

سياق الآية التي وردت في سؤال السائل الكريم كما يلي:

﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ. وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: 42-45]

نفهم من الآيات أن جماعة من اليهود جاؤوا للنبي صلى الله عليه وسلم يسألونه في قضية ورد حكم الله تعالى فيها في الكتاب الذي بين أيديهم أي التوراة التي نزلت على أنبيائهم، ومع وضوح حكم الله تعالى فيها إلا أنهم سألوا نبينا الكريم الذي لا يؤمنون بنبوته أصلا لعله يجيبهم بما يشتهون وليس كما ورد في كتابهم.

ويذكر علماء التفسير أنهم كانوا يريدون حكما مخففا للقتل العمد لأن أحد أشرافهم قد ارتكب جريمة القتل العمد وهم لا يريدون تنفيذ حكم التوراة عليه وهو القتل قصاصا، ويؤيد هذا القول قوله تعالى مباشرة: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}…

وقد كان سؤالهم ليس لمعرفة حكم الله بقدر ما هو التهرب من حكمه سبحانه، لذا جاءت الآية تقرعهم على السؤال وتبين حكم الله فيه كما جاء في كتابهم.

وجود التحريف في التوراة لا يمنع أن تكون هناك كثير من نصوصها صحيحة، ومن ذلك أحكام القصاص والبشارة بالنبي محمد وضرورة اتباعه، ومن هنا كان تصديق القرآن للكتب السابقة ضروري لقبول أهل الكتاب للدين الجديد الذي يقر بكتبهم ويقدم نسفه على أنه النسخة الأخيرة من كتاب الله تعالى إليهم وإلى الناس أجمعين.

فالتصديق هو تأكيد حقيقة شيء ما، والقرآن يصدق كتب الله تعالى المنزلة على الأنبياء السابقين. يقول الله تعالى مخاطبا خاتم النبيين:

﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ (القرآن) بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ[1] وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ (آل عمران 3/3)

إن الشرط الذي لا غنى عنه لصحة إيمان أتباع الأنبياء السابقين هو أن يؤمنوا برسالة محمد النبي الخاتم، لأن الكتاب المنزل إليه يؤكد الكتاب والحكمة الذي جاءهم من قبل، لقد كان القرآن آخر الكتب نزولا فهو نسختهم الأخيرة المصدقة التي لا بد أن يؤمنوا بها.  يقول الله تعالى:

﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ . (آل عمران 3/81)

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة جمال نجم (موقف القرآن من الكتب السابقة) على الرابط التالي  https://www.hablullah.com/?p=2500

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] المقصود تصديق القرآن لكل ما أنزل الله من الكتب التي  قبله ومنها التوراة والإنجيل.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.