حبل الله
وقفة مع رواية (لن يدخل الجنة ديوث)

وقفة مع رواية (لن يدخل الجنة ديوث)

السؤال:

أود السؤال عن حديث “لن يدخل الجنة ديوث” هل هذا صحيح؟ ما هو تفسير كلمة ديوث؟ أليس بها تحريض على العنف ضد من يقوم عليهن الرجل من النساء لإجبارهم مثلا على ارتداء الحجاب حتى دون اقتناعهم لكي لا يصبح ديوثا ؟ أو يجبرهن على زي معين لكي لا يصبح ديوثا … و هكذا فكثيرا ما نرى تصرفات بها عنف تجاه المرأة لفعل شيء (حلال) هي لم توفق لفعله لكي لا يصبح هو ديوثا! أليس كل فرد طائره في عنقه و ملزم بنفسه؟ فلماذا يحاسب هو عنها؟ نعم هو عليه النصح، ولكن هل عليه الإجبار لكي لا يصبح ديوثا؟

كم أردت توضيح هذا لأنه عندما ترتدي المرأة ملابس ضيقه مثلا يلومون الرجل! و يتوعدونه بالعذاب، أليست هي بالغة عاقلة تُحاسب عن أفعالها؟

هل يحل استخدام العنف لإجبار الشخص على فعل الحلال؟

شكرا لكم و لموقعكم.

الجواب:

تحدثنا كثيرًا في موقعنا عن واجب الإنسان المؤمن تجاه كل ما يسمعه أو يقرأه خاصة إن كان ما قيل قد نسب إلى الله تعالى وإلى نبيه الكريم، إذ يجب عليه وضع كل ما يُقال في ميزان القرآن الكريم الذي:

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فصّلت (42)

وذلك ليتبين له صدق أو كذب كل ما يقال وينقل.

وإذا جئنا إلى مسألة الديوث، فإن هذه الكلمة تطلق على الرجل الذي لا يغار على عرضه، أما وصف رجل بهذه الصفة عند تبرج زوجته مثلًا أو إحدى محارمه فلا يصح لما يلي:

  • نبأنا العليم الخبير أن كل إنسان سوف يحاسب عن نفسه في كثير من آياته كقوله تعالى:

﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ المدّثر (38)

﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ الإسراء (13)

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ، وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ، إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ، وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ فاطر (18)

فبيّن تعالى أنه لا يحمل أحدٌ وزرَ أحد ولو كان أقرب الناس إليه.

ولو كان الرجل يحاسب على أفعال زوجته لعذب الله تعالى النبيين نوحا ولوطا عليهما الصلاة والسلام حيث ضرب لنا مثالًا حيًا على تلك المسألة بقوله جَلَّ وعلا:

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ، كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ التحريم (10)

والتبرج وإن كان أمرًا مخالفًا لأمره تعالى لكنه لا يبلغ الكفر في الذنب قَالَ تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا﴾ النساء (48)

ويستثنى من هذه الحالة أن يدعو الإنسان إلى التبرج أو أن يؤيده أو أن يقول بتحليله، فلو دعا الرجل زوجته للتبرج أو شجعها عليه ولو بسكوته الذي يحمل علامات الرضا فهو يحمل معها الوزر، لقوله جَلَّ وعلا:

﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ النحل (25)

  • المسلم لا ليس مخولا بإلقاء التهم على الآخرين لا سيما أننا لا نستطيع معرفة سرائر الناس وبواطنهم. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:

﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ الأحزاب (58).

حتى لو كان الرجل موافقًا لها فهو مذنب كما بينا ويحمل الوزر، لكن ليس من حق الآخرين رميه بتهمة الدياثة أو غيرها.

والأصل أن يدعو الرجل أهل بيته إلى طاعة الله تعالى. قَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا، نَحْنُ نَرْزُقُكَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ طه (132)

وقال مادحا إسماعيل عليه السلام:

﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ مريم (55).

فوظيفة المسلم التي لا تنفك عنه التذكير بطاعة الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذا فمن واجب الزوج أن يأمر زوجته بالتزام الزي الشرعي وعدم التبرج، امتثالًا لقول اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الأحزاب (59)

والأمر هنا موجه لكل أب أو زوج أو أخ، كما أنه موجه للمرأة تجاه أقاربها من الرجال، ولكن الأمر ليس أمرًا على سبيل الإجبار والإكراه، وإنما هو أمر توجيه ودعوة إلى التزام أمر الله تعالى، فإن كان رب العالمين لا يجبر أحدًا على الإيمان به فليس لأحد من خلقه أن يفعل ذلك قَالَ الله تعالى:

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة (256)

والنبي الكريم نفسه لم يجبر نساءه على شيء وقد خيرهن بين الصبر على الحياة معه وبين مفارقته:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ الأحزاب (28)

وقد بيَّن لنا سبحانه كيف تكون الدعوة:

﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل (125)

أما إن رفض المسلم/ة دعوة الحق والنصح فليس على ناصحه ذنب إذا نصح لله تعالى حتى لو كان زوجاً أو أباً أو أخاً أو غيرهم.

وكذلك لا يجب عليه أن يترك هذا الزوج ما لم يرتكب الفاحشة أو يكتسب ماله من الحرام حتى لا يحمل الإثم معه:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ المائدة (105).

أما مسألة من يدخل الجنة ومن لا يدخلها، فلا يستطيع أحد أن يصدر قرارًا بحظر دخول أي إنسان إلى الجنة أو يلقي به في النار لمجرد أنه يراه على معصية، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة (102).

وتلك السلطة لم تمنح حتى للأنبياء. قال الله تعالى مخاطبًا خاتم النبيين:

﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ آل عمران (128).

فجميع الرسل لا يعلمون الغيب وليس لديهم العلم كيف سيحاسب الله تعالى عباده، وقد جاء على لسان النبي الكريم نفسه:

﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ الأحقاف (9).

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

 الموقع: حبل الله www.hablullah.com

الباحثة: شيماء أبو زيد

 

 

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.