حبل الله
الصلاة على النبي والتسليم له

الصلاة على النبي والتسليم له

الباحث: د. عبد الله القيسي

يأمر الله تعالى المؤمنين بالصلاة على النبي والتسليم له بالآية التالية:

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:56].

ما دعاني للتوقف عند هذه الآية هو الفهم الشائع بأن التسليم في الآية هو السلام ولذا نقول عليه الصلاة والسلام ونعتبر ذلك هو التسليم، ولو أنهم أعملوا أهم قاعدة في تفسير القرآن وهي تفسير القرآن بالقرآن لما وقعوا في تناقض تفسير الآيات..

تأملوا معي آية الأحزاب التي جاءت بنفس صيغة التسليم هل فسرها أحدهم بأنها السلام على النبي؟!

أمر الله سبحانه في سورة النساء المؤمنين بأن يسلموا تسليما للنبي، وكل المفسرين بلا استثناء قالوا بأن التسليم هنا هو الإذعان لقضاء النبي عليه السلام فيما تنازعوا فيه، قال تعالى:

﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾[النساء : 65]،

ومثلها كذلك ما جاء بنفس سورة الأحزاب التي ذكرت الصلاة على النبي والتسليم له، فقال تعالى في الآيات قبلها واصفا حال المؤمنين:

﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾[الأحزاب : 22]،

وكل المفسرين قالوا إن التسليم في الآية هو الانقياد لما جاء من عند الله، ولم يقل أحد أن التسليم بمعنى السلام، فكيف اختلف المعنى وقد جاء بنفس الصياغة في سورة أخرى، وبنفس الكلمة في نفس السورة، فصار قوله تعالى ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ أي سلموا سلاما، فقالوا عليه الصلاة والسلام، فهل أمرنا الله في هذه الآية أن نسلم عليه سلاما أم نسلم له تسليما؟ أظن الأمر واضحا. وهذا لا يعني أنه لا يصح أن نسلم عليه سلاما كلما ذكر اسمه، إذ أن ذلك لا إشكال فيه ويدخل تحت عموم الأمر بالسلام في آيات أخرى، كقوله تعالى:

﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات : 181]،

وقوله تعالى:

﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل : 59]،

ولكن الإشكال هنا، هل تلك الصيغة التي يتناقلونها تحقق ما أمرنا الله به في تلك الآية من التسليم؟ ؟!!.

لقد ابتعد المفسرون عن أهم قاعدة في تفسير القرآن رغم تأكيدهم على أهميتها بأنها القاعدة الأولى من قواعد تفسير القرآن وهي (تفسير القرآن بالقرآن)، وما ذكرته كان نموذجا لابتعادهم عن تلك القاعدة.

كان هذا تأملا لأمر التسليم في ضوء قاعدة “تفسير القرآن بالقرآن” وقد شدني تأملها لتأمل معنى الصلاة أيضا، فهل المعنى الشائع للصلاة على النبي يتطابق مع الآية أم بالإمكان أن نعيد تأملها في ضوء الآيات الأخرى فلربما وجدنا معنى أقرب.

جاءت الصلاة في القرآن بعدة أوجه منها حين تكون: من العبد إلى الله، ومن الله وملائكته على العبد، ومن الله وملائكته على نبيه، ومن النبي إلى المؤمنين، وأخيرا من المؤمنين إلى النبي، وقد تأملت في كل تلك الآيات فوجدت أن الرابط بينها جميعاً في معنى الصلاة هو الثناء والدعاء.

إقامة الصلاة من العبد لله:

أما صلاة العبد إلى الله فلا يختلف عليها بأنها تلك الهيئة المعروفة من قيام وركوع وسجود، وهي في خلاصتها ثناء ودعاء. وقد جاءت تلك الصلاة مرتبطة بالإقامة، أما بقية الصلوات فقد ارتبطت بحرف الجر على، “يصلي عليكم” “عليهم صلوات” “يصلون على” “صل عليهم” “تصل على” “صلوا عليه”، وهذه الصيغ جميعاً يمكن أن يجمع بينها معنى الثناء، فتأملوا الآيات:

صلاة الله والملائكة على المؤمنين:

قال تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾ [الأحزاب: 43]،

أي يثني عليكم وملائكته في الملأ الأعلى، وقال تعالى:

﴿أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 157]،

أي عليهم ثناء من ربهم ورحمة، وليست الصلاة بمعنى الرحمة كما قيل؛ لأن الرحمة هنا جاءت معطوفة على الصلاة.

صلاة الله على النبي:

قال تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: 56]،

أي يثنون على النبي في الملأ الأعلى.

صلاة النبي على المؤمنين

قال الله تعالى:

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: 103]،

أي اثن عليهم، أما المنافقون فقد أمره بنفس السورة أن لا يثني عليهم فقال:

﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 84].

وقال تعالى:

﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ، أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 99]،

وصلوات الرسول هي ثناؤه على المؤمنين.

صلاة المؤمنين على النبي:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:56].

بعد استعراض تلك الآيات واتساقها بمعنى واحد تكون أيضاً هذه الآية بنفس المعنى، فصلوا عليه أي اثنوا عليه وسلموا له تسليماً.

وتكون أنسب الصيغ في الثناء عليه هي قولنا: عليه الصلاة والسلام، أي عليه الصلاة منا، وعليه السلام منا، والسلام هنا يعود للآية الأخرى:

 ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: 181].

والآية كما نلاحظ أمرت بالصلاة والسلام على النبي وحده ولم تعطف عليه الآل، والزيادة التي وردت في الروايات الآحادية الظنية لا تتفق مع الآية.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله ww.hablullah.com

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.