حبل الله
هل يأخذُ وليُّ الأمر الخُمسَ من كلِّ كسب؟

هل يأخذُ وليُّ الأمر الخُمسَ من كلِّ كسب؟

السؤال:

هل تتفقون مع هذا التفسير للآية التَّالية.. ولماذا؟

قال الله سبحانه: “واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، والله على كل شئ قدير” الأنفال / 41.

“هذه الآية وإن كانت قد نزلت في مورد خاص، ولكنّها أعلنت حكما عاما وهو وجوب أداء الخمس من أي شيء غنموا -أي فازوا به- لأهل الخمس. ولو كانت الآية تقصد وجوب أداء الخمس مما غنموا في الحرب خاصة، لكان ينبغي أن يقول عز اسمه: واعلموا أن ما غنمتم في الحرب، أو أن ما غنمتم من العدى وليس يقول إن ما غنمتم من شيء.

في هذا التشريع: جعل الإسلام سهم الرئاسة الخمس بدل الربع في الجاهلية، وقلَّل مقداره، وكثّر أصحابه فجعله سهما لله، وسهما للرسول، وسهما لذوي قربى الرسول، وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل من فقراء أقرباء الرسول، وجعل الخمس لازما لكل ما غنموا من شيء عامة ولم يخصصه بما غنموا في الحرب، وسماه الخمس مقابل المرباع في الجاهلية. ولما كان مفهوم الزكاة مساوقا لحق الله في المال كما أشرنا إليه في ما سبق، فحيث ما ورد في القرآن الكريم حث على أداء الزكاة في ما ينوف على ثلاثين آية، فهو حث على أداء الصدقات الواجبة والخمس المفروض في كل ما غنمه الإنسان، وقد شرح الله حقه في المال في آيتين: آية الصدقة وآية الخمس، كان هذا ما استفدناه من كتاب الله في شأن الخمس”. انتهى التفسير

الجواب:

لا نتّفق مع هذا التفسير لأنَّ كلمة الغنيمة لا تُستخدم إلا في ما يؤخذ من العدو بسبب الحرب، هذا ما عليه عرف اللغة العربية، وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين، لذلك تراه يراعي عرف اللغة في كلِّ موضوع، ولو نظرت إلى الآيات التي وردت فيها الغنيمة تجد أنها وردت في سياق الحرب وما يستولي عليه المقاتلون من متاع العدو وعدته. وسأورد المقطعين المتعلِّقين من سورة الأنفال للتّدبّر:

1_ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ. وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال 39-42)

وفي نفس السّورة تُذكر الغنيمة في سياق الحرب أيضا:

2_ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنفال 67-69)

أما ما ذكرت من تفسير فقد يكون مبعثه دنيويٌّ بحت، بحيث يعطي أولي الأمر الحقَّ في السيطرة على خمس ما يكسبه النّاس من كدِّهم في الحياة، وهذا هو أكل أموال الناس بالباطل الذي حذرنا الله تعالى منه في كتابه حيث قال:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التوبة 34)

والأحبار هم أهل العلم من كلِّ دين، أمَّا الرُّهبان فهم المعروفون بتعبِّدهم وزهدهم. والآية تحذِّر النّاس من فريقٍ من هؤلاء لأنَّهم الآلة التي يعتمد عليها أصحاب السُّلطان لنهب أموال النَّاس والسيطرة على حريَّتهم.

ويعمد هؤلاء “العلماء” لليِّ أعناق الآيات لتتوافق مع ما يشتهون، كقوله في التفسير المذكور في سؤالك: “ولو كانت الآية تقصد وجوب أداء الخمس ممّا غنموا في الحرب خاصّة، لكان ينبغي أن يقول عز اسمه: واعلموا أنّ ما غنمتم في الحرب، أو أن ما غنمتم من العدى وليس يقول إن ما غنمتم من شيء”. وهذا هو العوج بعينه الذي حذر الله منه في كتابه:

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (إبراهيم 3)

لا يوجد حقٌّ في أموال النَّاس التي اكتسبوها بجدِّهم وعرقهم على وجه الوجوب سوى الزكاة المعروفة أنصبتها ومقاديرها[1]. يقول الله تعالى:

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة 110)

ولما سُئل نبيُّنا صلى الله عليه وسلم عمَّا يجبُ إنفاقه نزل عليه قولُه تعالى:

{وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْآياَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (البقرة، 219)

وإلزام النَّاس بخمس ما يكسبون معارض تماما لما تقرِّره آيات الزكاة. والأغرب أن يجعل كلَّ أمرٍ بالزَّكاة يشتمل على أداء الخمس من كلِّ كسب، وهذا تخريج من في قلبه زيغ كما نصَّت عليه الآية التالية:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عمران 7)

فالذين في قلوبهم زيغ من العلماء يأخذون جزءا من آية فيها تشابه مع بغيتهم فيتخذونها دليلا دون ردِّها إلى الآيات المحكمات، حيث إنَّ ربط الآيات المتشابهات بالمحكمات هو منهج العلماء الرَّاسخين الذين أثنى الله تعالى عليهم في تكملة الآية السابقة:

{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران 7)

أي أنَّ المحكم والمتشابه كلاهما من عند ربنا لذا نؤمن بهما جميعا، وهذا يقتضي دوام الرَّبط بينهما وعدم الانفراد بأحدهما دون الآخر لاتخاذه دليلا في الحكم بالمسائل المعترضة.

وقف السليمانية/مركز بحوث الدين والفطرة

المصدر: موقع حبل الله www.hablullah.com

د. جمال نجم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  لمزيد من المعلومات حول الزكاة ومقاديرها وأنصبتها ننصح بالاطلاع على مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (الصَّدقة والرِّبا في القرآن الكريم) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=3053

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.