حبل الله
هل يصح أن يُجبر الدائنُ المَدينَ على بيع بيته لسداد الدَّين؟

هل يصح أن يُجبر الدائنُ المَدينَ على بيع بيته لسداد الدَّين؟

السؤال:

هناك رجلٌ مدينٌ لرجلٍ ثريٍّ. وهذا الشَّخص المَدين ليس لديه سوى بيته الذي يعيش فيه. في هذه الحالة هل يُعدُّ من الاضطهاد مطالبة الدَّائن ببيع منزل المدين لتحصيل الدَّين؟ وهل سيحاسب الله تعالى هذا الدَّائن؟

الجواب:

إذا لم يدفع المَدين دينَه وهو قادر على السداد فهو مقصِّر بأداء الحقِّ، وعندها يجوز للدَّائن اللجوء إلى أيِّ وسيلة مشروعة للحصول على حقِّه بالسَّداد. ولكن إذا كان المَدين غير قادر على سداد الدّين بسبب الفقر، فقد أمر الله تعالى الدَّائن أن يمنحه الوقت اللازم لتجميع المال اللازم لسداد الدَّين أو أن يبرئه منه تصدُّقا عليه. يقول الله تعالى:

{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة 280)

فإذا لم يُظهر المَدين النِّيَّة والجهد اللازمين لسداد الدَّين، فإنَّه يمكن للدَّائن أن يطرق كلَّ سبيل مشروع لتحصيل دينه حتى لو اضطر أخيرا لإجبار المَدين على بيع بيته. ولا غبار على تصرُّف الدَّائن عندئذ من النَّاحية الشَّرعيَّة.

وما يقع على عاتق المَدين لمنع هذا الاحتمال أن يتَّفق مع الدَّائن على آليَّة/طريقة لسداد الدَّين كأن يتَّفقا على أنْ يدفع له كلَّ شهر مبلغا معيَّنا من المال لمدَّة سنة أو سنتين أو غير ذلك بحسب ما يتَّفقان، أو أن يبادر هو ببيع بيته فيسدّ بثمنه الدّين، فإن بقي منه شيء فيمكنه شراء بيت صغير، وإلا فإنه يستأجر بيتا ليسكن فيه.

وربما يبدو هذا الحكم شديدا على المَدين، لكنَّ حفظ المال من مقاصد الشَّريعة، وترك المَدين دون وجه يلزمه بسداد الدَّين فيه تفريط بحقوق الدَّائنين، ولو أجاز الشَّرع ذلك لتهاون الكثيرون بسداد الدَّين، ولامتنع أصحاب اليسار عن مساعدة المحتاجين بالقرض الحسن أو بالبيع إلى أجل. وفي ذلك من التَّعسير على صاحب الحاجة ما لا يخفى.

وقد ورد في القرآن تشريع يحفظ حقَّ الدَّائنين، وهو الرِّهان المقبوضة بقوله تعالى:

{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ، فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ، وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ، وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (البقرة 283)

وجواز الرَّهن في السَّفر دليلٌ على جوازه في الحضر أيضا، لأنَّه معاملة صحيحة يُلجأ إليها عند تعذُّر حفظ الحقِّ بالكتابة، أمَّا وروده بصيغة الشَّرط في السَّفر فقد خرج مخرج الغالب؛ لأنَّ السَّفر مظنَّة فقْد الكاتب والشُّهود، فلا يدلُّ على تعلُّق الحكم به دون الحضر. والأمر بالكتابة أو الرَّهن ليس للوجوب بل للإرشاد، بدليل قوله تعالى في ذات الآية:

{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}.

وإذا جاز الرَّهن ابتداء جاز لاحقا في أي وقتٍ حتَّى لو مضى على عقد الدَّين مدة طويلة، فإنِّه يمكن للمَدين رهن بيته للدَّائن لمدَّة يتَّفقان عليها، فإن استطاع المَدين سداد الدَّين قبل انتهاء المدة المتَّفق عليها فإنَّ الرَّهن ينفسخ، وإلا جاز للدَّائن بيع البيت وأخذ حقِّه من ثمنه وإعادة ما يتبقَّى منه إلى المَدين.

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (عقـوبة المدين المُماطل في أداء الدّين) على الرّابط التّالي http://www.hablullah.com/?p=1159

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.