حبل الله
قتال المخالفين في الدين

قتال المخالفين في الدين

السؤال:

قرأت في أحد المواقع أنهم معارضون لحديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يؤمنوا) وفي رواية أخرى (حتى يقولوا لا إله إلا الله)، حيث قالوا أن هذا الحديث يستحيل أن يكون صحيحا لأنه مخالف للقرآن الكريم. ولكن كيف يكون مخالفا للقرآن وهناك آيات في القرآن تثبت صحته مثل قوله تعالى: (قل للمخلفين  من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون) وأيضا قوله تعالى: (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وهناك الكثير من مثل هذه الآيات.

وأيضا عندي سؤال هام: ما نصيحة حضراتكم للإنسان الذي يراوده الشك كثيرا في دينه، بل _واستغفر الله_ يراوده حتى الشك في وجود إله، وأحيانا أمسك كتاب الله فأفكر ما الذي يثبت لي أن هذا منزل من عند الله أو أنه لم يحدث فيه تحريف؟

فالحديث حدث فيه تحريفات وقيل إن الرسول قال وهو لم يقل،

فكيف تطمئن النفس أن القرآن لم يحرف؟،

أنا بدأت أشك في تراثنا الإسلامي أغلبه، وأعارض الكثير مما ذكر فيه، وتطور الأمر معي أني بدأت الشك في كتاب الله،

أعينوني وأفيدوني بنصائحكم، عسى الله أن يثبت قدمي برحمته وفضله.

الجواب:

إن السؤال يحتوي عدة قضايا يجب بيان المفاهيم المتعلقة بها حتى يتضح الفرق بين تلك الروايات التي تأمر بقتال غير المسلمين (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) وبين الآيات الواردة في هذا الشأن، وأهم هذه المفاهيم: مفهوم كلمتي الدين والسلم.

وكيف نتأكد من أن القرآن لم يحرف مثل ما حُرف التراث؟!

وكذلك الفرق بين أن يراود الإنسان الشك في دين الله، وبين أن يراوده الشك في وجود إله من الأساس!!

أولًا: بالنسبة لمفهوم الدين في كتاب الله تعالى فهو يطلق على أمرين:

  • مفهوم الدين بمعناه الخاص المتعلق بالعبودية لله تعالى وهو كما بينه الله تعالى بأنه (الإسلام) وهذا لا يصح فيه إكراه أحد على قبوله؛ لأنه مشروط بقبوله من القلب حيث لا سيطرة لأحد على قلب غيره حتى لو تمكن من السيطرة على جوارحه ، فأمر الدين متروك لاختيار الإنسان وفقا لإرادته الحرة، كما أخبرنا تعالى:

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة 256)

فليس لأحد أن يجبر أحدا على الإيمان بالله تعالى. ومهمة الرسل هنا تقف عند التبليغ:

﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ (النحل 35)

ويتضح الأمر أكثر في قوله تعالى:

﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ. فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ، وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران 19: 20).

فبعدما بيَّن سبحانه أن الدين عنده الإسلام وجه الخطاب إلى رسوله وبين له ما يجب عليه قوله عند جدال قومه : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) كما بين له ما يجب عليه فعله عند إعراضهم وتوليهم ورفضهم رسالته: (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُۗ)، وحسابهم على ربهم.

  • مفهوم الدين (الخاص بالقانون والدستور الرباني) والدين بهذا المعنى ملزم لجميع من يعيش في المجتمع الإسلامي.

ويدل على ذلك قوله تعالى:

﴿كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ، مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾  (يوسف 76)

فدين الملك هنا لا يقصد به الدين بمعناه الأول، فقد كان أبناء النبي يعقوب مسلمين، وإنما يقصد به قانون الدولة التي يمثلها الملك، وكان دين الملك أي (نظام حكمه) آنذاك يقضي بأن يؤخذ السارق كعبد عامل لدى من سرقه جزاء فعلته:

﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ، كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ (يوسف 75)

وكذلك قوله تعالى:

﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (التوبة 36)

فالدين لا يعني الإسلام ولا الشريعة حيث لم يكن هناك بشر تدين، وإنما يعني القانون والناموس المتعلق بحساب الشهور والسنين أي التقويم الصحيح عند الله تعالى يوم خلق السموات والأرض.

وكذلك قوله تعالى:

﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ (النور 2)

فدين الله هنا هو الجزاء والعقوبة الواجب تنفيذه في الحدود بحسب القانون الإلهي ولا يعني الإسلام.

ومن هنا ينبغي علينا أن نفرق بين الدين الذي هو عقيدة الإنسان وبين الدين الذي ينظم حياة البشر، وقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ لا يعني فقط أنه لا إكراه في الدخول في الإسلام، وإنما يعني أنه لا يكره الإنسان على القيام بشيء لا يريد فعله، كما لا يكره على الكف عن فعل يريد القيام به ما لم يكن في اختياره اعتداء على غيره، فللإنسان مطلق الحرية في فعل ما يريد وقتما يريد، فليس علينا مثلا محاسبة أحد عن عبادته أو طعامه ومسكنه ولباسه أو أفكاره وانتماءاته سواء الدينية أو السياسية أو الاجتماعية ما دامت حريته مقتصرة عليه ولم تتعد على حرية الآخرين أو تسبب الضرر والفساد لغيره، لكن من أراد أن يعيش في مجتمعٍ ما فعليه أن يعيش حسب قوانينه.

وذلك مثل القوانين الوضعية التي ترسيها الحكومات لشعوبها وكذلك الأنظمة التي تضعها الشركات للعاملين فيها، فمن أراد أن يلتحق بوظيفة حكومية أو خاصة فعليه أن يلتزم ويحترم القوانين والقواعد التي يحددها رب العمل.

ولله تعالى دستور وقوانين تنظم حياة البشر، وهذا هو الدين المقصود في قوله تعالى:

﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الأنفال 39)

أي قاتلوهم حتى يسود دين الله على أديانهم (أي يسود الدستور الإلهي على قوانينهم وأعرافهم الظالمة الطاغية التي وضعوها بأنفسهم) التي تبيح لهم قتل من يخالفهم أو خيانتهم.

ففي الوقت الذي يمنح الدين حرية العقيدة كذلك يلزم الجميع بالالتزام بالتعايش السلمي بين مختلف الملل والنحل وعدم التعدي على الغير من القتل أو السرقة أو الظلم أو نقض المواثيق أو إشاعة الفاحشة وانتهاك الحرمات:

﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾  (التوبة 29)

وهذا الدين لا يعود بالنفع فقط على المؤمنين بدين الإسلام وإنما يكفل للجميع العيش بسلام ويرد ظلم المعتدين الذين لا يدينون دين الحق.

فهؤلاء الذين لا يدينون دين الحق يجب معاقبتهم سواء أكانوا مشركين أو حتى من المسلمين الظالمين، وعليهم أن يدفعوا جزاء فعلتهم، وهذا هو مقتضى أمره تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة 29)

والمفهوم الثاني الذي يجب بيانه هو السلم كما في قوله تعالى:

﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ (الفتح 16)

فقوله (يسلمون) لا يعني الإسلام بمعنى الدخول فيه كدين وعقيدة وشريعة، وإنما يعني التسليم والسلم والسلام، بدليل قوله تعالى:

﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ (النساء 90)

أي أعلنوا السلام وتركهم الحرب.

وإذا تتبعنا كل آيات القتال في كتاب الله تعالى تتبين لنا الحقيقة واضحة جلية:

  • فالآيات التي أمرت بقتال المشركين كلها مقيدة بشروط، وبما أنها قانون إلهي فهي لم تقتصر على النبي الخاتم، بل نجدها تكررت مع الأنبياء الذين تعرضوا للقتال، ونفهم ذلك من قوله تعالى لبني إسرائيل:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا، قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (البقرة 246)

فنرى أن أتباع النبي ما أرادوا القتال حبا به، وإنما ذكروا العلة من ذلك: (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا).

تلك العلة هي أولى شروط القتال التي ذكرها الله تعالى في كثير من آياته منها: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة 190)

فالبدء بالاعتداء على المسلمين هو مبرر لقتال المعتدين، حيث يلزم المؤمن أن يدفع القتل عن نفسه وأهله ووطنه.

  • والشرط الثاني الذي يوجب القتال نجده واضحًا في سورة التوبة، وهي السورة الوحيدة التي نزلت بدون بسملة؛ لأنها بدأت ببراءة الله تعالى ورسوله من المشركين!!

فمن هؤلاء المشركون؟ هل هم من يعبدون غير الله تعالى أو حتى يشركون معه غيره كما تفسرها أغلب المذاهب؟!

كلا،  فقد بينت الآيات وحددت مواصفات هؤلاء المشركين في قوله جَلَّ وعلا: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (التوبة 1)

وهذه الآية تتحدث عن مشركي مكة الذين نقضوا عهودا سابقة، فهؤلاء خالفوا دين الله في التعايش السلمي واحترام العهود والمواثيق:

﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ، فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (التوبة 13).

﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ، فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة 194)

إن البدء في التعدي ونكث العهود وإخراج الناس من بيوتهم وترويعهم وانتهاك حرماتهم يوجب على الإنسان الدفاع عنه نفسه ورد الخيانة:

﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ (الأنفال 58).

أما من حافظ من المشركين وأهل الملل الأخرى على العهد ولم يعتدِ فلا يصح قتالهم:

﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (التوبة 7).

كما لا  يصح قتال المخالفين في الدين الذين ليس بيننا وبينهم مواثيق أو عهود لكنهم مسالمون، بل إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالبر بهم والقسط معهم:

﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة 8).

أما الذين لا يصح موالاتهم أو البر بهم فهم الذين ناصبوا المؤمنين العداء بأن قاتلوهم في الدين و أخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم  كما بينه تعالى لنا:

﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة 9).

والمتدبر لآيات القتال يجد ملامح مهمة:

  • أنه عند قتال هؤلاء المشركين المعتدين ناكثي العهود فإن جاءنا من أراد الأمن منهم فلا ينبغي قتله بل أوجب الله تعالى له الأمن والأمان:

﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (التوبة 6).

  • وكذلك إذا تبين أثناء المعركة استسلام أحدهم فعلينا تأمين حياته، قَالَ تَعَالَىٰ:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ، كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ (النساء 94)

  • إذا لجأ هؤلاء المعتدين إلى قوم مشركين آخرين (بيننا وبينهم ميثاق) فليس علينا نقض الميثاق معهم قَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ، فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ (النساء 90).

  • ومن أكثر الأدلة على أن القتال يكون للمعتدين فقط وليس لكل المشركين هو محاربة كل معتدٍ حتى لو كان من المسلمين قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:

﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا،  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الحجرات 9).

فكل من خالف دين الله تعالى في التعايش والأمن واحترام الآخر ينطبق عليه القانون ذاته؛ ذلك لأن القانون والدستور الإلهي عدل وحق ولا ينحاز لطرف على حساب آخر ولا يبيح لأحد أن يعتدي على حرية الآخر إلا إذا بدأ هو بالتعدي، وهذا هو معنى قوله تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة 33)

أي يسود دين الله تعالى ودستوره في الأرض فيحيا الجميع بعيدًا عن الظلم والفساد والطغيان.

أما تلك الروايات التي تبيح القتل وسفك الدماء دون وجه حق حتى يشهد الناس أن (لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) ما هي إلا افتراء على الله تعالى ورسوله، وما فائدة أن ينطق الإنسان الشهادة بلسانه وهو مجبر عليها وغير مؤمن بها؟

وهؤلاء قد ذمهم الله تعالى في كتابه:

﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ، يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ (آل عمران 167).

تلك الروايات التي كانت سببًا في ظهور الفرق الإرهابية التي سفكت الدماء وشردت البشر تحت ستار الدين، والله تعالى قد حرم قتل النفس وجعلها كقتل الناس جميعًا:

﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ (المائدة 32).

ثم نأتي لمسألة كيف نعلم صدق القرآن وعدم تحريفه؟!

إن الإجابة عن هذا السؤال ليس فقط بالقول أن القرآن الكريم لم يتغير منذ نزوله وحتى زماننا:

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصّلت 42)

وأنه لا يناقض بعضه بعضًا:

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (النساء 82)

وأنه لم يستطع أحد أن يأتي بمثله:

﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ (الإسراء 88).

وإنما لأن الإيمان بالله تعالى يتوجب الإيمان بعدله ورحمته بخلقه، ومن دواعي تلك الرحمة والعدل بأن ييسر لهم طرق الهداية في كل زمان ومكان:

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التوبة 115).

وذلك إما بالآيات الكونية:

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصّلت 53).

وإما بإرسال الرسل والأنبياء، وهذا يقتضي بالضرورة بقاء الرسالة محفوظة، وقد ختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد اقتضى ذلك حفظ الكتاب الذي نزل عليه (القرآن الكريم) المصدق لما نزل قبله من كتب الله تعالى والمهيمن عليها جميعا، قال الله تعالى بلسان نبيه الخاتم:

﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ الأنعام (19).

أما بالنسبة للشك في وجود الله تعالى، فهو يختلف كليًا عن الشك في القضايا والمسائل الشرعية، فالأخير يمكن القضاء عليه بالتسمك بما أنزله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ (الأعراف 170)

وبالاستعاذة من وسواس الشيطان:

﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (فصّلت 36).

أما الشك في وجود الله تعالى وأنه الخالق الرازق فعلى الشاك النظر في نفسه وفي الكون من حوله ليرى كل شيء ناطقا بوجوده سبحانه وشاهدا على عظمته وقدرته:

﴿أَفَلَمْ ‌يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ. وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ (ق 6-8) 

﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ. ‌وَفِي ‌أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (الذاريات 20-21)

فإن لم تنفعه الآيات  فليبحث عن خالق آخر قد خلقه أو أن يحيي فطرته لتجيب عن سؤال ربها:

﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ (إبراهيم 10)

هذه الآية تنفي أن يكون هناك من البشر من يعتقد بعدم وجود الله، وإنما هناك من يزعم بلسانه عدم وجوده، ولذلك سبب وحيد هو التحلل من الالتزام بأوامر الله تعالى ونواهيه، والعيش وفقا لأهوائه ورغباته.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

المصدر: موقع حبل الله https://www.hablullah.com/

الباحثة: شيماء أبو زيد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.