حبل الله
أهل الكتاب في ميزان القرآن الكريم

أهل الكتاب في ميزان القرآن الكريم

السؤال:

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ‌الدِّينَ ‌عِنْدَ ‌اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]  وأفهم من الإسلام هو توحيد الله تعالى وعدم الشرك به.

وقال تعالى: ﴿‌الَّذِينَ ‌يَتَّبِعُونَ ‌الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: 157] 
كيف أوفق بين هاتين الآيتين وبين قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا ‌وَالصَّابِئُونَ ‌وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [المائدة: 69] 

وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا ‌وَالنَّصَارَى ‌وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 62] 

فهل المقصود بالآيات النصارى واليهود في عهد أنبيائهم الذين اتبعوهم بحق ولا علاقة للآيات بيهود ونصارى هذا الزمان وإن كانوا موحدين، أم هناك معنى آخر. وجزاكم الله عنا كل خير.

الجواب:

الآيتان  [المائدة: 69] و [البقرة: 62] تؤكدان على حقيقة مهمة، وهي أن جميع المؤمنين بالله واليوم الآخر إذا اقترن إيمانهم بالأعمال الصالحة فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف على مصيرهم. وهما ليستا متعلقتين باليهود والنصارى في زمن أنبيائهم وحسب، بل بجميع أهل الكتاب إلى قيام الساعة.

أما قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) فهو تأكيد على أن الدين المقبول عند الله تعالى هو الإسلام؛ الاسم الأصيل لدين الله تعالى الذي جاء به جميع الأنبياء، ومقتضاه التسليم لله تعالى وقبول حاكميته.

ولا يصح إطلاق لفظ الكافر على أحد إلا إذا كان معاديا للمسلمين بدينهم، أو إذا أصر على الكفر بعدما تبين له الحق وأيقن به لكن أصر على الرفض بعد ذلك. لذا لم يعتبر القرآن فرعون كافرا إلا بعدما أقام موسى عليه السلام الحجة عليه. قال الله تعالى:

﴿‌وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 14] 

والآية التالية تبين أن أهل الكتاب منهم المؤمن ومنهم الكافر:

﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ‌أُمَّةٌ ‌قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 113-115] 

بناء على الآيات أعلاه فإنه لا يصح تعميم الكفر على أهل الكتاب.

والمؤمنون من أهل الكتاب يلزمهم الإيمان بنبوة محمد إذا قامت عليهم الحجة وظهرت لهم الدلائل، فإن فعلوا فقد تحللوا من الإصر المذكور في قوله تعالى :

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ‌وَيَضَعُ ‌عَنْهُمْ ‌إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157] 

وواجب المسلمين الدائم تجاه أهل الكتاب أن يدعوهم إلى كلمة سواء تتمثل في عبادة الله وحده، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله:

﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا ‌أَرْبَابًا ‌مِنْ ‌دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64] 

وقد أثنى الله تعالى على فريق من أهل الكتاب لقربهم مودة من المؤمنين بقوله:

﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ ‌مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: 82] 

وأخيرا يمكننا القول أن الإنسان لا يسمى كافرا إلا بعد أن يعلم الحق ويختار الباطل، يقول الله تعالى:

﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران 105-108).

وقوله تعالى (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) دليل واضح على ما ذكرنا.

وفي سيرة نبينا في تعامله مع أهل الكتاب تطبيق لما ورد في الآيات من تفريق بين أهل الكتاب محسنهم ومسيئهم، فقد جاء في الصحيفة التي نظمت علاقة المسلمين بيهود المدينة ما يلي:

“وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ مَوَالِي بَعْضٍ دُونَ النَّاسِ، وَإِنَّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنَّ لَهُ النَّصْرَ وَالْأُسْوَةَ.

وَإِنَّ يهودَ بَنِي عَوْف أُمَّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ،

لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ، وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ، إلَّا مَنْ ظَلم وأثِم، فَإِنَّهُ لَا يُوتِغ (يهلك) إلَّا نفسَه، وأهلَ بَيْتِهِ،

وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي النَّجَّارِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف، وإن ليهود بني ساعدة مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَم مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي الأوْس مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلبة مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف، إلَّا مَنْ ظَلم وأثِم، فَإِنَّهُ لَا يُوتغ إلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِنَّ جَفْنةَ بَطْنٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّ لِبَنِي الشُّطَيْبة مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف، وَإِنَّ الْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ وَإِنَّ مَوَالِيَ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّ بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّهُ لَا يَخْرَجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ بَيْنَهُمْ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حارب أهل هذه الصحيفة”[1]

*وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة المقالات التالية لفضيلة الشيخ عبد العزيز بايندر حفظه الله تعالى:

الكافر  https://www.hablullah.com/?p=1608

من هو الكافر؟ https://www.hablullah.com/?p=1707

من هو المؤمن؟ https://www.hablullah.com/?p=1714

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد (2/ 107):

 

 

 

 

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.