حبل الله
هل الزوجة أسيرة عند زوجها؟

هل الزوجة أسيرة عند زوجها؟

السؤال:

قرأت شيئا خطيرا جدا، وهو أن البعض يعتبر الزوجة خادمة لزوجها، بل يصل الأمر بهم أن يعتبروها أسيرة أو مملوكة أو كالرقيق وهذا نص ما قرأت: (وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المرأة عانية ، فقال : ( اتقوا الله في النساء ، فإنهن عوانٍ عندكم) ، والعاني : الأسير ، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده ، ولا ريب أن النكاح نوع من أنواع الرق ، كما قال بعض السلف : النكاح رق ، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته) أرجو الإيضاح؟

الجواب:

في البداية علينا أن نفرق في الأمور المتعلقة بدين الله تعالى وشرعه بين مسألتين:

  • المسألة الأولى: ما قاله الله تعالى في كتابه والذي مما لا شك فيه قد طبقه الرسول الكريم باعتباره رسولا لا يستطيع أن يخالف ما جاء في الكتاب الذي أُمر بتبليغه وتعليمه وتطبيقه، قَالَ تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ (المائدة 67)

وبالرغم من أن النبي قد يصدر عنه بعض الأخطاء كغيره من البشر إلا أنه لا ينسب إلى الله قولا لم ينزله في كتابه، ولا يعلم الناس حكمة لم يتضمنها كتاب الله تعالى. يقول سُبْحَانَهُ:

﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ (الحاقة 46).

فما ورد في كتاب الله تعالى يجب تنفذيه والتزام العمل به، وليس لنا أن نأخذ ببعضه وترك بعضه الآخر، كما بين اللَّهُ تَعَالَىٰ:

﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة 85)

  • والمسألة الثانية: ما روي عن النبي من قول أو فعل قد يكون صحيحا أو مكذوبا عليه، وكذلك ما روي من اختلاف الفقهاء والسلف وأصحاب المذاهب وتناقضهم فهؤلاء بشر يصيبون ويخطئون، وقد ينقل عنهم ما لم يقولوا أو ينسب إليهم من الآراء ما هم منه براء.

وما يقع على المؤمن هنا أن ينتقي الصواب منها،  لأنه ليس كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحا، وليس كل حديث ورد قرار عالم أو مجموعة من العلماء بتصحيح سنده يعني أن متنه صحيح، ذلك أن المعيار الأصح في قبول الرواية وردها هو عرضها على كتاب الله تعالى فإن وافقت نصوصه ومقاصده ولم تخالفه في حكم أو مقصد فهي صحيحة يؤخذ بها، وإلا لم يلزم العمل بها، فليس كل ما نسب إلى النبي صحيحا، لأن هناك من امتهنوا الكذب عليه عبر التاريخ بهدف إضلال الناس عن الحق الذي جاء به. ذلك أن الشيطان يقعد على الصراط ليضل الناس عنه، ولا يجد هو وأتباعه أفضل من نسبة الأقوال المغلوطة إلى الله ورسوله.

والكذب على الله ورسوله لا يقتصر على نسبة الأقوال الضالة إليهما، بل بنسبة الأقوال والآراء الشاذة إلى علماء الأمة الموثقين، ومن يتتبع المصادر الإسلامية يجد الكثير من الآراء والأقوال التي نسبت إلى أهل العلم والفضل لا يقول بها حتى أهل الكفر والضلال.

فإذا سمع المؤمن شيئًا فعليه أن يرده إلى كتاب الله تعالى (القرآن) الذي هو رسول الله إلى الناس في كل زمان ومكان امتثالا لقوله تعالى:

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ ‌وَفِيكُمْ ‌رَسُولُهُ، وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران 101)

وقد أمر الله تعالى برد الاختلاف الناشئ بين الناس إلى كتابه:

﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ، ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (الشورى 10).

وهو الكتاب الذي لم ولن يتسرب إليه الباطل:

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصّلت 42).

وبعض الأحاديث التي رويت عن رسولنا الكريم أسيء فهم بعض ألفاظها، والحديث الوارد في السؤال واحد منها، حيث قيل في معنى كلمة “عوان” أي أسيرات؛ زعما أنها جمع العانية، اسم الفاعل من العنو. وعلى هذا زعم البعض أن المرأة أسيرة الرجل. ولكن الحقيقة غير ذلك.. فكلمة عوان من العناية التي تعني الاعتناء والاهتمام (انظر المصباح المنير). فالمرأة من الناحية الجنسية تهدف زوجها فقط وتحفظ نفسها له. وعلى هذا فإن الحديث يتحدث عن النساء اللائي يعتنين بأزواجهن أي يعطين الاهتمام لهم ويحفظن أمورهم ويشغلن أذهانهن بما يخصهم. ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ» (سورة النساء، 4 / 34).

وعند الحديث عن حقوق وواجبات الجنسين المختلفين فالمعيار الصواب هو التوازن والعدل وليس المساواة، وعدم المساواة بمعناه الحسي الفيزيائي لا يدل على التفاضل بين الرجل والمرأة، بل يدل على التكامل بينهما ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وقد وضع الله الميزان ونهى عن إفساده. كما قال الله تعالى: «وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ . وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ» (سورة الرحمن، 55 / 7-9).

مسألة الزواج وعلاقة الزوج بزوجته

وإذا جئنا لمسألة الزواج وعلاقة الرجل بالمرأة فقد بينها تعالى في أكثر من آية وبين لنا أن الزواج آية من آياته سبحانه:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرّوم 21)

وهذا النوع من الآيات لا يخاطب الرجال دون النساء، لأن السكنى والمودة والرحمة مطلوبة منهما، والهجر والتباغض والقسوة مرفوض من كليهما.

وكذلك وصف الله تعالى طبيعة العلاقة بين الزوجين بلفظ اللباس الذي يعبر عن الحماية والستر وحفظ الفروج والأعراض فقَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ (البقرة 187)

وأما عندما جاء الخطاب للرجل في علاقة النكاح لم تأت لأنه السيد وهي الأسيرة عنده أو لأنه المالك وهي مملوكته أو جاريته، بل لأنه المبادر بإنشاء الحياة الزوجية ولأنه المكلف بالإنفاق عليها وحمايتها.

ولو أراد الله تعالى أن يجعل العبودية لأحد غيره لجعلها لرسله ولكنه تَعَالَى لم يفعل، يقول الله مخاطبا خاتم أنبيائه:

﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ (ق 45).

وقال لعموم الناس:

﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ ‌أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران 80)

وإنما جاء الخطاب للرجال من منطلق مسؤوليتهم المباشرة التي حدد أسبابها فقال سبحانه:

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء 34)

ثم بين حدود هذه المسؤولية بقوله:

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (البقرة 228)

والدرجة هنا ليست درجة تفضيل وإنما هي في قرار العودة في الطلاق عند وجود حمل حفاظًا على تلك النفس التي لم تولد بعد، فالرجل يحق له إرجاع زوجته في الطلاق الرجعي قبل انقضاء العدة، لكن المرأة إن افتدت من زوجها بأن أعادت إليه المهر أو جزءا منه فإنها تبين منه (تصبح بائنة) ولا يحق لها الرجوع عن قرارها.

وكما أن للزوجة حقوقًا من النفقة والرعاية فعليها واجبات بيّنها سبحانه في نفس الآية:

﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ (النساء 34)

فالمرأة كذلك مسؤولة عن رعاية زوجها، فكما يعمل هو خارج البيت تعمل هي بداخله، ومسؤولية الأطفال مشتركة بينهما، ولا تعتبر المرأة خادمة إذا قامت بذلك، كما أن الزوج لا يعتبر خادما مملوكا للزوجة وهو يعمل من أجلها خارج البيت، وإنما هو التكامل حتى تستقيم الحياة.

فلو كانت الزوجة تعمل خارج البيت مثل الزوج وتساهم معه في نفقات البيت فإن على هذا الزوج مشاركتها في أعمال البيت أو أن يوفر لها من تعينها كي لا تتحمل فوق طاقتها، فلا يصح أن يُعطي أحدهما ويبقى الآخر في موضع الآخذ طوال الوقت سواء في النواحي النفسية من الكلمة الطيبة والعطف والرحمة أو النواحي المادية كالأعمال المنزلية أو الخارجية.

النظرة الإسلامية للعلاقة بين الزوجين تحتم العلاقة الطيبة بينهما وإلا فالانفصال بإحسان، كما بينها سبحانه:

﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (البقرة 229)

والمرأة تسمى زوج كما أن الرجل زوج وكلاهما زوج عابد لربه لا لزوجه.

ولو كانت علاقة الزوج بزوجته هي علاقة رق وأسر لما كفل القرآن للمرأة حقوقها ولما أمر الرجال بأدائها كاملة حتى عند الفراق:

﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (النساء 20)

فإن المتدبر لكل الآيات المتعلقة بالنكاح والطلاق وما يترتب عليهما من حقوق وواجبات لا يلمح فيها ما قيل في تفسير الرواية أعلاه.

فإن رأت بعض المذاهب أن المرأة كالأسير أو الرقيق أو ما إلى ذلك فقد يكون نشأ لسببين:

  • إما بقصد سيء كإعلاء النظرة الذكورية التي تدعو لجعل الذكر مفضلا على الأنثى وأن الله قد خلقها لمتعته وأنها لا تتعدى كونها جارية أو أسيرة عنده كما كان عليه في الجاهلية.
  • وإما من غير قصد سيء كأن يرى بعض الفقهاء ما تعانيه بعض النساء من سوء المعاملة فأرادوا أن يرققوا قلوب هؤلاء المتجبرين على نسائهم فخاطبوهم بما يناسب عقولهم بأن أقروا لهم بأنهم السادة والأحرار والنساء هن الجواري والأسيرات المستعبدات وطالبوهم بالرفق بهن ابتغاء مرضاة الله تعالى.

وفي كلتا الحالتين فإن ما يقولونه لا يعبر إلا عن وجهة نظر خاطئة أو ظلم ينطبق عليه قوله تعالى:

﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة 50).

ومثل هذه التصرفات أو الآراء لا تعبر عن شرع الله سبحانه الذي يقوم على دعائم العدل والرحمة:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل 90).

وقد أمرنا تعالى أن نلتزم أمره وهو العرف الذي أنزله في كتابه وأن نُعرض عما يخالفه:

﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف 199).

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.