حبل الله
حدود تدخل الزوج بخصوصيِّات زوجه

حدود تدخل الزوج بخصوصيِّات زوجه

السؤال:

زميلتي مخطوبه لشاب يصلي و يُعرف عنه الصلاح، و لكنه دائما يقول لها لقد اقترب موعد الزفاف فما رأيك في اتباع نظام حمية، فإذا فقدت بعض الوزن سأكون أسعد . أو يقول كلاما من قبيل: الستات بعد الجواز بيتخنوا أوي (يصبحن أكثر سمنة)! بسبب الحمل والولادة! السؤال هل من حق الزوج أو الخاطب شرعا فرض شكل معين على زوجته كأن يطلب منها إن كانت سمينة تخس (تنحف)! رفيعة تتخن لمجرد أن ذلك يسعده أو يزيد من متعته؟ هل إن رفضت هذا التحكم تأثم؟ بل إنه يلومها حين تحزن من هذا قائلا أنا أعجبت بدينك وأخلاقك و أراك زوجة المستقبل و لي الحق في تغيير بعض الصفات أو الأشياء التي أرى أنها غير مناسبة !؟ و إذا كنت تحبيني ستفعلي هذا لإسعادي أو  أغادر!. فهل شرعا يحق للرجل هذا؟ أعلم أن الدين أمر المرأة بالتزين لزوجها، ولكن طالما رأيت أن الصيغة المذكوره بالسؤال بها تحكم، و طالما شعرت أن هذه حرية شخصيه لا دخل لأحد بها حتى الزوج… فيقول الناس من يحب شخص يحبه كما هو، و البعض يقول لو كان لا يحبها لما تزوجها فيلزمها أن تطيعه في هذا كي لا ينظر لغيرها! و لكن طالما شعرت أن هناك خطأ و أن هذا تحكم غير مبرر. فما هو الصواب؟ أفيدوني.

الجواب:

للإجابة عن هذا السؤال علينا أولًا أن ندرك الحكمة التي من أجلها جعل الله سبحانه وتعالى الزواج آية من آياته وحثنا على التفكر في هذا الأمر في نهاية الآية؟!

فقد قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرّوم 21)

فإن استطعنا أن ندرك الحكمة من ذلك فقد علمنا ما يجب على كلا الزوجين بداية من فترة الخطبة.

فعلاقة الزواج علاقة تختلف عن بقية العلاقات الأسرية من الأبوة والأمومة والأخوة والأهل والأصحاب والعمل وغير ذلك.

فهي علاقة تجمع بين رجل وامرأة ربما لم يتعارفا من قبل ولم يريا بعضهما قبل الخطبة ولكل منهما طبائعه ونشأته وتربيته وعاداته وتقاليده، لكن الشخص يجد نفسه مع هذا الزوج الذي كان غريبًا عنه فيبدأ بمشاركته الحياة بكل تفاصليها بداية من الفراش وعلاقة الرفث واقتسام الطعام، وكل شيء يفعلانه سويًا حتى نهاية العمر.

ونجد كلا منهما يتنازل بمحض إرادته عن بعض من عاداته التي نشأ عليها وربما عمل على تغيير طبائعه ليتواءم مع شريكه رغبة في البقاء معه؛ ذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد أودع في قلوبهم تلك المودة والرحمة التي من خلالها يتآلفان ويتغلبان على مشاكل الحياة ومصاعبها كأنهما نفس واحدة.

والمتدبر للآية الكريمة يدرك أن العلاقة الزوجية ليست علاقة ندية فيها غالب ومغلوب أو مسيطر ومسيطر عليه، بل هي علاقة تكاملية؛ يكمل كلا الزوجين نقص بعضهما في ظلال من السكنى والمودة والتراحم.

وفترة الخطوبة فرصة ليتعارف الخاطبين على بعضهما، حيث يضع كل منهما الآخر  في بعض الاختبارات الحياتية اليومية ليتبين لكل منهما صفات صاحبه؛ هل هو صادق أم كاذب، كريم أم بخيل، وغير ذلك من المميزات والعيوب.

فإذا رأى أحدهما من الآخر شيئًا سيئًا فعليه أن يقرر ما إذا كان سيتوافق معه أم لا، وهل يمكنه الاستمرار أم لا يمكنه فيترك الارتباط به من بداية الطريق وقبل النكاح.

ولا يوجد من بني آدم من هو مكتمل الصفات الحميدة ومنزه عن النقائص، فالخاطب/ة لا يحق له تغيير الطرف الآخر، بل عليه أن يتقبله بما هو عليه، وهذا لا يعني حرمة أن يتناصح الطرفان وأن يظهر كل منهما حرصه على الآخر لكن دون تجريح أو انتقاص أو تحميل الطرف الآخر ما لا يطيق أو إسماعه ما لا يحب من الكلام.

والإنسان عندما يعيش حياته منفردًا يختلف إلى حد كبير عما إذا كان يعيش مع شريك، إذ عليه أن يتكيف مع شريكه بتغيير بعض سلوكياته وعاداته، ومن هنا فإنه يحق لكلا الخاطبين على حد سواء التحدث فيما يخص شريكه كأساس تبنى عليه العلاقة بينهما فيما بعد.

وهي تندرج تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تعد من أهم ميزات المؤمنين عامة بصرف النظر عن الخطبة من عدمها قَالَ سُبْحَانَه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾  (آل عمران 110)

ويصبح أمر الشورى أكثر إلحاحا بين الخاطبين أو الزوجين حتى تستقيم الحياة بينهما: ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ (الطلاق 6)

ولا مجال في هذه الحياة لجبر إنسان على شيء لا يريده بعد أن نهى رب العالمين عن أن يُكره أحد على عبادته. قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة 256).

وهذا الأمر نفسه ينطبق على فكرة السمنة سواء أكانت للرجل أو المرأة فلا حرج أن يتحدثا في فقدان الوزن، وخاصة أن السمنة لا تقتصر على المظهر الخارجي للإنسان بل تتعداه إلى أضرار صحية على المدى البعيد لكليهما على حد سواء وخاصة عند المرأة؛ لأن هرمونات الحمل والرضاع تزيدها.

ولكن يجب أن يتم الأمر بالمعروف وبالحكمة والموعظة الحسنة. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل 125)

ولا ينبغي للرجل أن يهدد خطيبته بتركها إن لم تفقد وزنها؛ لأنه رآها قبل الخطبة ووافق على خطبتها وهي بتلك الحال، فقد كان عليه من البداية ألا يرتبط بها. وهذا لا يعني أنه يُجبر على الزواج منها؛ لأنّ الإنسان لا يجبر على العيش مع شريكه حتى لو كانا متزوجين وبينهما أطفال.

أما بالنسبة للسؤال المتعلق بتقييد الحرية، فإن وضع الشروط للخاطبين لا يتعارض مع حرية الإنسان، ذلك أن مفهوم الحرية الحقيقية يكمن في قدرة الإنسان على الاختيار في كل ما يُعرض عليه، حتى إن الإنسان يكون طائعًا لربه باختياره الحر فلا يقبل الله تعالى من العبد طاعة فعلها بإكراه.

ولا يمكن للفرد أن يفعل كل ما يريده دون مراعاة حقوق غيره ممن يعيش معهم أو يعاملهم سواء في البيت أو المؤسسة أو السوق أو المسجد أو غير ذلك من الأماكن التي يجتمع فيها الناس بدعوى الحرية، لأن حرية الإنسان تقيد عندما يتعلق الأمر بحقوق غيره من الناس، ولا ينبغي للمسلم أن يعطي لنفسه الحق في فرض رؤيته وأسلوب حياته على من يخالطهم ويعاملهم لا سيما أهل بيته. لقد ذم الله تعالى فرعون عندما أعطى لنفسه الحق في فرض تصوراته وقناعاته على الناس حين قال: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر 29).

فكل فرد داخل مؤسسة عليه أن يتبع قوانينها ولا يخرج عليها ما دامت تتوافق مع أوامر الله تعالى بدون جبر أو إكراه، وإلا فمصيره أن يعيش منفردًا منعزلًا، وهذا لا يستقيم مع سنة الله في خلقه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 13)

وختامًا: إن التغيير هو سنة الله تعالى في كونه، والإنسان سواء أكان ذكرًا أم أنثى يتغير على مدار حياته، وكما تتغير خلقته يتغير طبعه وتتبدل قناعاته وأفكاره، وتغيير الإنسان لما هو عليه من الصفات والطبائع أو حتى من المظهر والشكل الخارجي لهو أمر مرغوب فيه إن كان تغييرا نحو الأفضل، وعلى كل إنسان أن يبدأ بنفسه مستعيًنا بربه سبحانه قبل أن ينتظر من الآخرين أن يقوموا بذلك. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد 11)

ولا مانع من الإصغاء للغير إن كان صادقًا معه ويريد له الخير والصلاح ولا ينهاه عن شيء يفعله هو أو  لا يرتضيه على نفسه مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود 88).

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.