حبل الله
لماذا فُرضت العدة على النساء ولم تُفرض على الرجال؟

لماذا فُرضت العدة على النساء ولم تُفرض على الرجال؟

السؤال: لماذا فرضت العدة على المرأة سواء مطلقة أو أرملة أو حتى عاقر دون الرجل؟ البعض يقول لتقديس قيمة الحياة الزوجية ووفاء للزوج في حالة الموت، فما بال المرأة أن ماتت!! لماذا لا يكون هناك وقت للحزن عليها؟ ما هو سبب وجود العدة؟

الجواب: شرع الله تعالى العدة على النساء في حالة وفاة الزوج أو الطلاق دون الرجال، ولأنه سبحانه هو خالق الناس والعالم بما يصلحهم فإنه لا يشرع شيئا لهم إلا ويكون فيه الخير. قال تعالى {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك، 14).  وهذا هو أساس الذي ينطلق منه المسلم في تطبيق أوامر الله تعالى واجتناب ما نهى عنه. يقول حسام الدين عفانة في فتاوى معاصرة: إنَّ عدَّة الوفاة فريضة شرعيَّة على كلِّ زوجة مات عنها زوجُها، عجوزاً كانت أم غير عجوز، مدخولاً بها أو غير مدخول بها، والحكمةُ من العدَّة على وجه القطع لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وليس لنا إلا أن نقول: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة، 285).

لم تذكر الآيات الآمرة بالعدة العلة من تشريعها، وهذا لا يعني عدم وجود العلة أو خلو هذا التشريع من الحكمة، وإنما سكت عن ذكرها لإمكانية أن يلاحظ العبد ذلك بنفسه، وعند النظر فإنه يمكن أن نقف على بعضها وقد يغيب عنَّا بعضها الآخر.

ولم تُشرع العدة فقط لإظهار براءة الرَّحم أو إظهار الحزن على الزوج بل يمكن ملاحظة حكم أخرى نورد بعضها باختصار:

1_ العدة تحمي المرأة من أن يخطبها الرِّجال وهي في حالة حزن على فراق زوجها. وقد يقول قائل فلماذا لم تُشرع العدِّة للرِّجال إن كانت العلَّة كذلك، والصَّحيح أنَّ الرَّجل الذي يدهمه الحزنُ على فراق زوجته يستطيع أن لا يتقدَّم للزَّواج إن لم يرغب به، بخلاف المرأة التي قد يُطرق بابُها ، حيث لا يدري الناس أهي ما زالت حزينة أو قد انتهى حزنُها، فكانت العدَّة حصانة لها حتى لا تضطَّر فتتكلم في أمر الزَّواج من جديد ولم يحن وقته بعد.

2_ طبيعة المرأة لا تحتمل الزَّواج من آخر بعد فقد زوجها خلافا للرَّجل، وأحكام الله تعالى تراعي الفروق الجسدية والنفسية بين الرجل والمرأة.  قال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ ‌كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران: 36]  ألا ترون أنه يمكن للرجل أن يتزوج أكثر من امرأة بينما لا يمكن للمرأة أن تتزوج من أكثر من رجل، وهذا بسبب اختلاف طبيعة كل منهما، فيظهر أن النكاح على النكاح دون فاصل من العدة يضر بالمرأة صحيا ونفسيا.

3_ التَّنويه بفخامة أمر النِّكاح حيث لم يكن أمراً ينتظم إلا بجمع رجال، ولا ينفك إلا بانتظار طويل، ولولا ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان ينتظم ثمَّ يفك في السَّاعة، ومنها أنَّ مصالح النِّكاح لا تتمُّ حتى يوطِّنا أنفسهما على إدامة هذا العقد ظاهرا[1].

4_ يقول ابن تيمية: جُعلت العدَّة حريماً لحقِّ هذا العقد الذي له خطر وشأن، فيحصل بهذه فصلٌ بين نكاح الأول ونكاح الثَّاني، ولا يتصل النِّاكحان، ألا ترى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عظم حقُّه، حرم نساؤه بعده، وبهذا اختص الرسول[2].

5_ وقال الإمام الكاساني: إظهار الحزن بفوت نعمة النِّكاح إذ النكاح كان نعمة عظيمة في حقِّها، فإنَّ الزَّوج كان سبب صيانتها وعفافها وإيفائها بالنَّفقة والكسوة والمسكن، فوجبت عليها العدَّة إظهاراً للحزن بفوت النَّعمة وتعريفاً لقدرها[3].

والله أعلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  حجة الله البالغة 2/ 256 – 257.

[2]  زاد المعاد في هدي خير العباد 5/ 665 – 666.

[3]  بدائع الصنائع 3/ 304.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.