حبل الله
ميراث البنت مع الإخوة

ميراث البنت مع الإخوة

السؤال: إذا كانت البنت وحيدة لأبيها, ووالدها آخر من توفي بين إخوانه، وقد ترك لها بيتا ميريا (زراعية) ووالدتها مطلقة. عند سؤالنا للقاضي الشرعي في سوريا قال: ” البيت كاملا من حق البنت” لكنه لم يعطنا تفصيل الفتوى، لذلك نحتاج للشرح والدليل الشرعي. وجزاكم الله خيرا

الجواب: إن فتوى القاضي صحيحة وذلك لحكمه بما حكم الله تعالى في كتابه.

فللبنت تركة أبيها كاملة؛ لأن وجود ولد للمتوفى يحجب الإخوة وأولادهم، ولم يفرق الله تعالى بين كون هذا الولد ذكرًا أم أنثى، حيث أن كلمة (ولد) في آيات المواريث كلها هي مفرد كلمة (أولاد) التي تعني الأبناء والبنات، وذلك بخلاف كلمة أبناء التي تعني الذكور ومفردها ابن.

يقول الله تعالى في بداية آية المواريث: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ (النساء 11).

كما نرى فإن كلمة أولادكم تشمل الذكور والإناث.

وعندما قال جَلَّ وعَلَا: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ (النساء 11).

فهو يقصد بها عدم وجود ولد للمتوفى أي ليس له فرع وارث سواء أكان ذكرَا أم أنثى، ولذلك دخل الإخوة في الميراث وهم الذين كانوا محجوبين بوجود ولد المتوفى يعني ابنه أو ابنته.

ولكن الفقهاء _مع الأسف الشديد_ قد تناسوا هذا الأمر وفرقوا بين الابن والبنت وقالوا إن وجود البنت منفردة لا يحجب الإخوة، مع العلم أنهم أنفسهم قد طبقوا أمره تعالى في حالات أخرى.

وأكدوا على أن كلمة الولد تشمل الابن والابنة وذلك عند ميراث أحد الزوجين حيث قال تعالى:

﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌۚ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌۚ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾ (النساء 12)

فكما نرى أنه عند موت أحد الزوجين فإن نصيب كل منهما يتحدد بناء على وجود الــ (ولد) لأحدهما، وهنا اتفق الفقهاء على أن كلمة الولد تعني الابن والبنت.

فإن توفي الزوج وكان له بنت واحدة فإن نصيب الزوجة الثمن، وهو نفس النصيب حتى لو كان ابنا، والأمر نفسه بالنسبة لنصيب الزوج (الربع) فلا يختلف إن كان للزوجة بنت أو ابن.

فهؤلاء الفقهاء قد ناقضوا أنفسهم عند انفراد البنت وحدها في التركة، وقالوا إنها ترث النصف والباقي يوزع على أقرب رجل ذكر، وعند انفراد الابن بالتركة فإنه يحصل عليها كاملة ويحجب الإخوة.

وهذا ما يخالف الآيات ويخالف قواعد اللغة التي عملوا بها حينًا وتركوها حينا آخر، وقد استدلوا بقوله تعالى:

﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ (النساء 11).

ولكن المتدبر لهذه الآية سوف يجد ملمحين هامين:

  • الأول: أن الآية لا تدل على انفراد هذه البنت بالتركة كاملة بدليل سياق الآية نفسها إذ أن الأبوين موجودان مع هذه البنت وسوف يرثان معها:

﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾ (النساء 11)

ولكن الآية تتحدث عن عدم وجود الابن الذكر للمتوفى.

فلو ترك المتوفي بنتين أو أكثر مع الأبوين، فإن للبنتين أو أكثر الثلثان وللأبوين الثلث الباقي وهو ما يساوي سدسي التركة.

وإن كانت بنتًا واحدة فسوف يأخذ الأبوان الثلث وتأخذ البنت النصف فرضًا والباقي ردًا (إن لم توجد زوجة للمتوفى).

  • الملمح الثاني: أن نصيب البنات أو البنت الواحدة في هذه الحالة هو نفسه نصيب الأبناء أو الابن الواحد.

فلو ترك المتوفى اثنين من الأبناء فأكثر فلهم الثلثان وللأبوين الثلث، ولو كان ذكرًا واحدًا فسوف يأخذ الوالدان الثلث ويأخذ هو الباقي (إن لم توجد زوجة للمتوفى).

فالمتأمل لآيات المواريث يدرك رحمته سبحانه وحفظه لحقوق النساء بأن ذكر نصيبهن بشكل مفصل بخلاف نصيب الذكور؛ لعلمه سبحانه بما يفعله الجاهلون من عدم توريث النساء وهي العادة التي كانت منتشرة في الجاهلية واستمرت بشكل أو بآخر بعد الإسلام حتى يومنا هذا. فكم نسمع من حالات يحرم الإخوة أخواتهم من الميراث بالتهديد تارة وبسيف الحياء تارة أخرى.

وإن قيل أن الله تعالى لم يذكر بأن للبنت الواحدة التركة كاملة إذا انفردت فكيف تفتون بذلك؟

فالجواب: أن الله تعالى لم يذكر حالة الانفراد بالتركة كاملة سواء للابن أو للبنت؛ وذلك لأنه الأمر البديهي المستنبط من آيات المواريث التي لم تحجب الأبوين بوجود أحدهما لكنها حجبت الإخوة بوجودهم:

﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ‌الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النساء 176)

وبالتالي فإن كان للمتوفى بنت واحدة أو ابن واحد ولم يوجد أحد الأبوين فإن لها التركة كاملة كما هي له، وهنا لا يرث الإخوة أو بقية الأقارب لوجود الابن أو البنت، وإنما أرشد الله تعالى الورثة بأن يعطوا من يحضر القسمة من أولي القربى والفقراء من حصصهم كل بحسب ما تجود به نفسه، وليس لذلك قدرا معينا.

فإذا كان للمتوفى أقارب فقراء ولم يكن لهم نصيب في التركة فإنه تعالى قد أرشد الوراث بأن يعطي لهم من التركة حسب طاقته، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ (النساء 8).

وختامًا: فإن التركة في هذه المسألة من حق البنت وحدها بكتاب الله تعالى، ولا يحق لأحد أن يحصل منها على شيء لم تعطه بإرادتها الحرة حتى لا يعرض نفسه للتعدي على حدود الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ فيتوعده بقوله بعد آيات المواريث:

﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ (النساء 14)

وعلى هذه البنت كذلك ألا تنسى ما وصاها به ربُّها من إعطاء أولي القربى واليتامى والمساكين.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.