حبل الله
مفهوم الصدقة الجارية والدليل عليها من القرآن الكريم

مفهوم الصدقة الجارية والدليل عليها من القرآن الكريم

السؤال: أرجو توضيح مفهوم “الصدقة الجارية” وهل فعلا يدوم أجر بعض الأعمال حتى بعد وفاة فاعلها؟ وإن كان كذلك فما دليله من القرآن الكريم؟

الجواب: الصدقة الجارية هي فعل الخير الذي يدوم أثره حتى بعد وفاة فاعله.

إذا قام العبد بالعمل الصالح ابتغاء مرضاة الله تعالى فإنه يقع أجره على الله تعالى كما وعد سبحانه:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ‌وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]

والأعمال الصالحة قسمان، الأول ينقضي أثره قبل وفاة الفاعل، والثاني يدوم أثره حتى بعد وفاة فاعله ومن ذلك الصدقة الجارية.

وقد كان من عدل الله تعالى ورحمته أن ينتفع صاحب العمل الصالح بعمله ما بقي أثر ذلك العمل قائما حتى لو تداركه الموت. يقول الله تعالى:

﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ‌وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12]

والآية واضحة الدلالة على أنه يكتب للعبد أجر فعله وأثر الفعل ما دام قائما حتى بعد وفاته، لأن الفعل له وقت محدد ينقضي به لكن أثر الفعل قد يدوم حتى  بعد وفاة الفاعل، ويعزز هذا الفهم قوله تعالى:

﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ. عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا ‌قَدَّمَتْ ‌وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار: 4-5]

عند الحساب يوم القيامة تعلم كل نفس ما قدمت من الأعمال الصالحة، كما تعلم ما أخرت وهو ما بقي من أثر تلك الأعمال.

يروى عن نبينا الكريم أنه قال : «إذا ماتَ الإنسانُ انقطَعَ عنه عملُه إلا من ثلاثةِ أشياء: مِن ‌صدقةٍ ‌جاريةٍ، أو علمٍ يُنْتَفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعُو له»[1]

ومن الأمثلة على الصدقة الجارية تعليم الناس الخير، وإنشاء دور العلم، وبناء المساجد، وتأسيس المراكز التي تُعنى بضعفاء الناس كالفقراء والمساكين وعابري السبيل وغيرهم، وكذلك إنشاء الطرق والساحات والحدائق التي ينتفع بها الناس.

والشرط الأساس الذي لا ينبغي أن يغيب عن فاعل الخير عند قيامه بهذه الأعمال أن تكون نيته خالصة لله تعالى لا أن تكون رياء أو حبا في الشهرة أو دعاية للوصول إلى أهداف سياسية أو اجتماعية أو تجارية، فمن كانت نيته خالصة لله تعالى كان حقا على الله تعالى أن يكافئه بأحسن مما فعل في الدنيا والآخرة، ومن كانت نيته لغيره سبحانه فلينتظر جزاء عمله ممن توجهت نيته إليهم عند قيامه بالعمل. يقول الله تعالى:

‌﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ ‌وَهُوَ ‌مُؤْمِنٌ ‌فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء: 94]

“وَهُوَ ‌مُؤْمِنٌ” حال من العمل، وهذا قيد مهم جدا لقبول الأعمال عند الله تعالى.

وقد جاء في الحديث المشهور قول نبينا الكريم: “إِنَّمَا ‌الْأَعْمَالُ ‌بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى…”[2].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  أخرجه مسلم (1631)، وأبو داوود (2880) والترمذي (1430)، والنسائي (3651) وهو في “مسند أحمد” (8844)، و”صحيح ابن حبان” (3016)

[2]  أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907)، وأبو داود (2201)، والترمذي (1742)، والنسائي 1/ 58 و 6/ 158 و 7/ 13 وهو في “مسند أحمد” (168)، و”شرح مشكل الآثار” (5107 – 5114)، و”صحيح ابن حبان” (388) و (389)

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.