حبل الله
لماذا أوكل الله تعالى للمؤمنين مهمة قتال الكافرين المعتدين وهو قادر على إهلاكهم وحده؟

لماذا أوكل الله تعالى للمؤمنين مهمة قتال الكافرين المعتدين وهو قادر على إهلاكهم وحده؟

السؤال:

إذا كان الله تعالى قادرا على إهلاك الكافرين فلماذا يأمر المؤمنين بقتالهم؟ وإذا كان الله تعالى يريد أن يبطل الباطل فلماذا لا يقوم بهذا بنفسه وهو القادر على كل شيء؟

الجواب:

خلق الله تعالى الإنسان ليبتليه. قال الله تعالى:

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ‌نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان: 2]

وقد خلق الله تعالى الإنسان مميزا عن باقي المخلوقات بالعقل والإرادة الحرة ليكون أهلا للابتلاء. وإن كان الأمر كذلك فلا بد للإنسان أن يكون مستعدا طيلة حياته لاجتياز الابتلاءات. قال الله تعالى:

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ‌لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]

ومن أعظم الأعمال أن يجاهد الإنسان في سبيل الله لدفع الظلم ونشر الفضيلة. قال الله تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ‌وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصف: 10-13]

وتبين الآية التالية لماذا أوكل الله تعالى للمؤمنين مهمة قتال الكافرين:

﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ ‌لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 4]

بعد أن أمر الله تعالى بقتال الكافرين المعتدين بين سبحانه أنه قادر على إهلاكهم دون أن يباشر المؤمنون قتالهم، لكن النظام الذي أنشأه الله تعالى قائم على الابتلاء، ومنه إسناد تحقيق الفضيلة ورد العدوان على كاهل المؤمنين.

ويبين سبحانه الغاية من ذلك بقوله:

﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ ‌مِنْكُمْ ‌شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: 140]

نفهم من الآيات السابقة أن إسناد مهمة مقاتلة الظالمين للمؤمنين لها  سبب وغايتان:

أما السبب فهو  أن مقاتلة الكافرين جزء من الاختبار الكلي للمسلم.

وأما الغايتان فهما:

1_ ليعلم الله تعالى الصادقين من المنافقين، فلا ابتلاء يظهر صلابة الإيمان كالحرب.

2_ أن الله تعالى يريد أن يتخذ من المؤمنين شهداء، وهم أعظم الناس إيمانا وأصدقهم توكلا، وهم يشهدون على الناس يوم القيامة أن رسالة الله قد وصلت إليهم وأن الحجة قد أقيمت عليهم. قال الله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ، ‌وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: 19]

﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ ‌شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: 78]

ولا بد من التنويه أن الله تعالى عندما كلف المؤمنين بجهاد الكافرين فإنه لا يتركهم دون إعانة، بل إنه سبحانه قد وعد بنصرتهم وعونهم ما بقوا محافظين على وصاياه. يقول الله تعالى:

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌إِنْ ‌تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7]

ولا يقع على عاتق المؤمنين سوى إعداد ما استطاعوا من القوة ثم التوكل على الله تعالى:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ‌مِنْ ‌قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60]

ولا يشترط أن تكون قوة المسلمين مساوية أو أعظم من قوة العدو لتحقيق النصر، بل إن الكثرة لا تغني عن تعلق المؤمنين بربهم. يقول الله تعالى مخاطبا النبي والمؤمنين بعد غزوة حنين:

﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ ‌كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: 25]

فالمهم هو الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية ثم التوكل على الله تعالى بتحقيق النصر، وهذا وعده سبحانه، ولن يخلف الله وعده.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.