حبل الله
هل من وظيفة الدولة إلزام الناس بالعبادات؟

هل من وظيفة الدولة إلزام الناس بالعبادات؟

السؤال: إذا كانت دولة ما تحتكم إلى شريعة الله تعالى، فهل من وظيفة أولي الأمر فيها إلزام الناس بأداء العبادات كالصلاة والصيام وغيرهما؟

الجواب: العبادات لا سيما الصلاة والصيام والحج شُرعت ليبقى المسلم قريبا من ربه، فهي تمثل العلاقة الخاصة بين الفرد وربه، لذا فإن تدخل طرف ثالث كسلطة أو مسؤول في إلزام الناس بها يخرجها عن هدف تشريعها. يقول الله تعالى مخاطبا أرباب الأسر:

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ‌وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132]

والأمر بالصلاة لا يعني الإجبار عليها بل يعني الحث عليها والتذكير بها، والوسيلة الأمثل لذلك أن يعطي رب الأسرة القدوة الحسنة فيحافظ على الصلاة ويداوم عليها ويخشع فيها، وهذا مفهوم قوله تعالى {‌وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} .

إن الإكراه في الدين ممنوع البتة، لقوله تعالى:

﴿لَا ‌إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256]

فمن قام بالعبادة مكرها فإن الله تعالى لا يتقبلها منه، ذلك أن الله تعالى يقول:

﴿إِنَّمَا ‌يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27]

إن وظيفة الدولة التي تحتكم إلى شريعة الله تعالى أن تطبق أحكام الشريعة التي تمس تنظيم شؤون الناس الإدارية والمعاملاتية والحقوقية وغيرها مما له علاقة بتنظيم شؤون الناس. أما العبادات فليس من اختصاص الدولة إلزام الناس بها.

ويُستثنى من ذلك الزكاة التي فيها حق لفئات معينة، فتجمعها الدولة وتوزعها بحسب المصارف التي بينها الله في كتابه [التوبة: 60]

يقول الله لنبيه الخاتم:

﴿‌خُذْ ‌مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: 103]

وقد خلط قوم بين واجب السلطان في فضِّ النِّزاعات وتنفيذ العقوبات المقررة شرعا[1] وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجعلوا الثانية كالأولى وفوَّضوا السلطان للقيام بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر على صفة الإلزام والقهر وليس على صفة التواصي بالحق، وقد ألحقوه بالحسبة[2]، يقول ابن تيمية:

“وأما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم، وكثير من الأمور الدينية هو مشترك بين ولاة الأمور، فمن أدى فيه الواجب وجبت طاعته فيه، فعلى المحتسب أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها ويعاقب من لم يصلِّ بالضرب والحبس، وأما القتل فإلى غيره”3]

يظهر من كلام ابن تيمية ومن وافقه خلطهم الواضح بين واجبات السلطان الحصريَّة من إقامة العدل وبسط القانون وبين واجب المجتمع تجاه بعضه بعضا في التناصح والتواصي بالحقِّ والصَّبر، وهذا الخلط أدَّى لجعل علاقة العبد بربه تقع تحت سيطرة الدولة لأنَّها باتت مسؤولة عن صلاته وصيامه وكلِّ تصرفاته، وهذا ضدُّ مقصد القرآن من جعل العبادة خالصة له سبحانه غير خاضعة لسلطان غيره حتى لو كان نبيَّا مرسلا. ذلك أن الإكراه يتنافى مع الطاعة، فلا طاعة مع الإكراه، وحق إلزام الناس بها لم يُعط حتى للأنبياء. يقول الله تعالى مخاطبا خاتم أنبيائه:

﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِمْ ‌بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: 21-22]

“فلَيْسَ فِي الْإِسْلَام سلطة دينية سوى الموعظة الْحَسَنَة، والدعوة إِلَى الْخَيْر والتنفير من الشَّرّ، وَهِي سلطة خولها الله لأدنى الْمُسلمين يقرع بهَا أنف أعلاهم، كَمَا خولها لأعلاهم يتَنَاوَل بهَا من أَدْنَاهُم”[4]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  كتنفيذ القصاص بحق القاتل وجلد الزاني وقطع يد السارق وجلد قاذف المحصنات

[2]  الحسبة في الأصل مرتبطة بالأسواق، حيث يقوم المحتسب بمراقبة المكاييل والموازين والبضاعة المعروضة من حيث جودتها وصلاحيتها للاستهلاك، ويقوم المحتسب بمنع المخالفات ويعاقب المخالفين لأحكام التجارة في الأسواق. وهذا الطرز من الاحتساب موجود حتى قبل الإسلام، وهو تنظيم لعمل السوق تدعو إليه الحاجة. ويبدو أن الخليفة العباسي هارون الرشيد أول من عين محتسبا كموظف رسمي يقال له أبو زكرياء يحيى بن عبد الله، سنة 157 ه. (انظر تاريخ الطبري 7/653). لكنه بدأ إطلاق هذا اللفظ وتعميمه ليشمل حتى مراقبة أداء الناس لشعائر الإسلام التَّعبُّديَّة كالصَّلاة والصيام وغيرهما، كما أُعطيت الصلاحيات للمحتسب للتَّدخل مباشرة لإجبار الناس على القيام بالواجبات الشرعية أو الانتهاء عن المحرمات. وهذا ليس له أصل في دين الله.

[3]  ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحراني الحنبلي (المتوفى: 728هـ) الحسبة في الإسلام، أو وظيفة الحكومة الإسلامية، ص16 ،  الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى عدد الأجزاء: 1

[4]  رضا، محمد رشيد، الخلافة، 1/135

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.