حبل الله
لماذا تستأذن الزوجة من زوجها عند خروجها من البيت؟ وهل يستأذن الرجل زوجته عند خروجه؟

لماذا تستأذن الزوجة من زوجها عند خروجها من البيت؟ وهل يستأذن الرجل زوجته عند خروجه؟

السؤال: بالنسبة لشرط إذن الزوج في خروج الزوجة من المنزل .. منطقيا المرأة عاقلة راشدة لا تحتاج للإذن ! و إن كان السبب كما يحتج به البعض أن خروجها قد يمنع حق الزوج فخروج الزوج لغير العمل أيضا يمنع حقها .. فهذه الحجة لا تُقبل إلا اذا كان العكس صحيح (أي على الزوج أيضا أن يستأذن زوجته لأن لها حقا فيه بلا تمييز ). في القرآن لا يوجد شيء كهذا، و قد يحتج البعض بالقوامة لكن القوامة تعني الرعاية و تدبير الأمور التي فضلها الله في الرجل ولا تستطيع المرأة القيام بها غالبا .. فالله فضل الرجل بالقوة فهو مسؤول عن حمايتها .. لكن لم يفضله بالسلطة فليس له التسلط و الاستعباد ! في الاحاديث هناك حديثان ضعيفان لا يؤخذ بهما، و حديث عن اسئذان الزوجة زوجها للخروج للمسجد فما صحة هذا الحديث؟ ولماذا هذا الحق غير متبادل ؟ فكما للزوج حق في التمتع بزوجته فالعكس صحيح بلا أي تمييز فأين العدل ؟؟ ماذا إن أرادت الزوجة الخروج للترفيه عن نفسها و منعها الزوج بينما هو في الخارج أصلا ويرفه عن نفسه ! ملاحظة ” في القرآن .. أمر الله نساء النبي بالقرار في بيوتهن ” فما صحة الاستدلال به لوجوب لزوم جميع نساء المؤمنين البيت !! أليس واضحا أنه أمر لزوجات الرسول فقط !

الجواب: في البداية علينا أن نعلم أن لا تعارض بين كون المرأة عاقلة راشدة وبين وطلب الإذن من زوجها عند الخروج من البيت ؛ حيث أن الإنسان العاقل الراشد هو الذي يتوقع منه طلب الإذن (وليس المجنون أو القاصر)، فكلمة الرشد تعني أن هذا الشخص يلتزم أكثر من غيره بتعاليم دينه وما تعارفت عليه التقاليد والعادات ما دامت لا تتناقض مع كتاب الله تعالى.

وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لمسألة القوامة وعلاقتها بطلب الإذن من الزوج، فمن أسس القوامة كما ذكرت السائلة الكريمة بالإضافة إلى الإنفاق هي الرعاية وتدبير الأمور التي يشق على المرأة القيام بها؛ لما فضل الله تعالى به الرجل من القوة التي تستوجب عليه حمايتها وحماية أولاده وأهله، فالقوامة بمعناها الحقيقي الذي أراده الله تعالى تُعد تكليفًا للرجل وليس تشرفيًا أو تمييزًا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا:

هل يوجد راع ومدبر لأمور من يرعاهم وقائم على حمايتهم والإنفاق عليهم دون أن يعلم أين هم؟

أو أن يكون في موضع ليس فيه احترام وتقدير منهم؟!

أليس التقدير ومراعاة أدنى درجات الاحترام وهو الإذن؟

بل السؤال الأهم هنا: ماذا إذا خرجت المرأة بدون إذن من يراعاها أو حتى إخباره (سواء أكان زوجها أو أبيها أو أخيها) ثم حدث لها مكروه، كيف يستطيع أن يحميها أو يقتفي أثرها ليقوم بواجبه الذي أوجبه الله تعالى عليه من الحماية؟!

فكيف تتحقق أسس القوامة بدون علم هذا القوّام بما يفعله من يقوم على قوامته؟

فلا ينبغي أن يعامل الرجل هنا معاملة ماكينة سحب المال الذي يتلقى منه المال وليس له الحق في أن يعرف أين ينفق، كما أن المرأة لا تعامل معاملة الآلة التي يوجهها الرجل كيف يشاء ويستعبدها ويجعلها رهن إشارته.

فعلينا أن نضع كل أمر في ميزانه الصحيح ولتنظر السائلة الكريمة نفسها إلى أولادها التي تقوم هي على رعايتهم والحفاظ عليهم، فهل لهم أن يخرجوا بدون إذنها ومعرفة خط سيرهم للإطمئنان عليهم وحمايتهم إذا اقتضى الأمر؟

ولنقس على ذلك جميع مؤسسات المجتمع ماذا يحدث لو ترك أمر الاستئذان وخرج كل موظف كما يشاء وقتما يشاء؟

فهل نعطي للمدير والرئيس والأبوين الحق في أن يُطلب الإذن منهم ونحرم الزوج منه؟

وإن أكملنا الآية نفسها التي تفرض مسؤولية الإنفاق والرعاية على الرجال فإنها في الوقت نفسه تفرض على النساء أن يحفظن الغيب بما حفظ الله قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ (النساء 34) أي يحفظن غيب الزوج بما أنزل الله في كتابه من أوامر ونواهي.

والاستئذان من الآداب التي حثنا عليها القرآن الكريم، وقد أمر تعالى المؤمنين بضرورة الإذن من النبي قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۚ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ النّور (62)

بالطبع منزلة الزوج تختلف عن منزلة النبي الكريم ولكن هدف الاستئذان واحد (إذا كانوا على أمر جامع) وهو نفسه هدف الأسرة فالزوج والزوجة اجتمعوا على أمر واحد وهو بناء تلك الأسرة وقد أعطى للرجل حق القيادة باعتباره مسؤولا مسئولية كاملة عن أهل بيته أمام الله تعالى وأمام الناس.

ولكن علينا أن نبين ما هي حدود ذلك الإذن ومتقضاه، فإن طلبت الزوجة من زوجها الخروج لزيارة أهلها ورعايتهم ثم رفض الزوج فلا يجب عليها طاعته؛ وذلك لأنه لا يريد أن يحفظها بما حفظ الله تعالى، ولكنه يريد أن يتجبر ويتسلط عليها بمخالفة أمر الله تعالى.

وعلى ذلك فإن كانت هناك ضرورة لخروج الزوجة ولم يأذن لها الزوج تعنتًا فإن لها الحق ألا تطيعه وعليها فقط أن تخبره ولا تنتظر الإذن؛ حيث أن منوط الطاعة متوقف على طاعة الله تعالى، ولكن عليها أن تتخير الأوقات فلا تتأخر ليلا حتى لا تعرض نفسها للأذى وتكون هي الأخرى قد خالفت أوامر ربها (بما حفظ الله).

أما عن الروايات التي تبرر تعنت الزوج بأن خروج الزوجة يمنع حقه فلا أساس لها لأنها تتعارض مع كتاب الله تعالى، وقد جعل حقوق الزوجية لكلا الطرفين متوازنة: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة 228)

وهو الذي لم يكره عباده على الإيمان به: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة 256)

ولم يجعل لأحد حق التجبر والسيطرة حتى لرسله: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية 22)

وبالنسبة لآية القرار في البيوت وإن جاءت في سياق الأمر لنساء النبي إلا أنها تشمل نساء المؤمنين جميعا، وقد خوطبت نساء النبي به لأنهن الأكثر حاجة للقرار في البيوت: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾ (الأحزاب 32) ثم قال بعدها ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الأحزاب 33) ولأنهم مكلفات بذكر ما كان يتلى في بيوتهن من كتاب الله والحكمة[1]، فاقتضى أن يقرن في البيوت حتى يؤخذ العلم من مكان معلوم. ولأنهن أمهات المؤمنين والأم تُقصد في بيتها وفي ذلك مزيد إكرام لها.

والقرار في البيت ليس معناه إغلاق الحياة والسجن في البيت بل معناه البقاء في البيت أطول فترة ممكنة وخاصة لنساء النبي حتى يستفيد الناس مما تعلمن من النبي الكريم.

كما أن القرار في البيوت ينفي التهم والشائعات التي يطلقها المنافقون فكان أكثر أمنا لأمهات المؤمنين ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾. وهذه العلة لا تنتفي عن بقية نساء المؤمنين أيضا.

كما أن خروج المرأة بشكل مبالغ فيه قد يضر بها صحيًا ونفسيًا وربما جسديًا بتعرضها للأذى كما يضر ببيتها وأولادها ورعايتهم وتنشئتهم على كتاب الله تعالى، ونحن قد رأينا في الآونة الأخيرة ما ترتب على الخروج الكثير _بدون داعٍ_ لبعض النساء من انحراف أولادهن عن قيم الإسلام إما باستخدامهم الخاطئ لمنصات التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الالكترونية ذات المحتوى الخبيث، وإما باندماجهم مع أصحاب السوء.

وختامًا: فإن الاستئذان مبدأ إسلامي وأدب عالمي رفيع ولا علاقة له بما يفعله بعض الرجال من التجبر والتسلط، فالدين ليس مسئولا عما يفعله المخالفون لأوامره. ولا يحق للرجل أن يمنع زوجته من الخروج لقضاء حوائجها وزيارة أهلها والترويح عن نفسها في حدود المعروف، وإن خاف عليها فعليه أن يصطبحها هو بقدر ما يسمح له وقت عمله لا أن يمنعها.

وكذلك على الزوج أن يستأذن زوجته قبل أن يفعل أي تصرف يخص البيت كسفره أو دعوة أقاربه أو أصحابه وعليه كذلك أن يخبرها بخط سيره كي تكون مطمئنة إليه.

فالبيت المسلم الذي يتبع أوامر ربه لا مجال فيه للجبر والإكراه من كلا الشريكين وليس منصة للندية والأنانية، وإنما هو بيت مبني على التفاهم والاحترام والإيثار وتقدير مصلحة الشريك واحتياجته، فهو آية من آيات ربنا:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الرّوم 21).

[1]  بعد أن أمر الله تعالى نساء النبي بالقرار في بيوتهن جاء قوله تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (الأحزاب، 34)

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.