حبل الله
حكم إطلاق حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى الصواريخ على إسرائيل

حكم إطلاق حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى الصواريخ على إسرائيل

السؤال: أريد ان أسأل عن حكم الصواريخ التي تطلقها حماس على إسرائيل  فترد إسرائيل الصهيونية عليهم بالمثل، فهل ما تفعله المقاومة بغزة يعتبر انتحار أو على الأقل شيء خاطئ نتيجة لعدم تكافئ القوى؟   وشكرا

الجواب: لا بد أولا من تشخيص حالة الصراع القائم في فلسطين، وملخصه أن الصهيونية أقامت دولتها بعدما طردت المسلمين من أرضهم، ومن بقي من أهل البلاد في أرضه لم يلق معاملة عادلة، وقد قسمت إسرائيل الفلسطينيين بحسب مناطقهم لتمارس بكل منطقة سياسة مختلفة عن باقي المناطق، فبينما تعتبر من يعيشون داخل الأراضي المحتلة عام 1948 م مواطنين من الدرجة الثانية فإنها تعتبر الضفة الغربية مناطق محتلة تحاول تهويدها بشتى الطرق.

أما قطاع غزة فقد خرجت إسرائيل منه بداية القرن لتفرض عليه حصارا خانقا تستحيل الحياة بوجوده ولم تسمح بأدنى مستوى من الحياة الإنسانية للقاطنين فيه، وهذا الحال الصعب يدفعهم لمواجهة إسرائيل بين الحين والآخر بما يمتلكون من وسائل قتالية بسيطة. وكثير من أهل غزة هم ممن طردوا من ديارهم في عام 1948 م، ولا شك أن إخراج الناس من أرضهم ومن ثم مواصلة حصارهم في الأرض التي لجأوا إليها هو أعلى درجات الظلم التي تبيح للإنسان المظلوم أن يدافع عن حقه بكل ما أوتي من قوة.

يقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة 60/9) فهذه الآية بيَّنت أنَّ مقاتلة المسلمين في دينهم، أو إخراجهم من ديارهم، أو المساعدة في إخراجهم من ديارهم، كلها أسباب وجيهة لإعلان الحرب وصدِّ العدوان، وفي تلك الحالة لا يصحُّ أن تقام علاقة طبيعيَّة مع قوم هذا شأنهم.

وقد أذن الله تعالى للمسلمين في المدينة قتال أهل مكة لظلمهم إياهم بقوله:

﴿أُذِنَ ‌لِلَّذِينَ ‌يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج ٤٠)

وعندما فرض الله تعالى الجهاد على المسلمين لم يشترط ضرورة تكافؤ القوى، وإنما اشترط القدرة على المدافعة، وبذل أقصى الجهد في الإعداد.

يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ. الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال 8/64-66).

يُفهم من هذه الآيات أنَّ المسلمين مطالبون بمعرفة مدى قوتهم وقدرتهم على المواجهة، وكذلك معرفة قوة العدو وقدرته، ثمَّ إعداد خطَّتهم في ضوء هذه المعرفة، فإن فعلوا أقصى جهدهم كان حقا على الله تعالى أن ينصرهم كما وعد بقوله:

{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج 22/40-41)

ولا يجوز التَّذرع بضرورة الحفاظ على الأرواح للقعود عن الجهاد، لأنَّ في ذلك فتنة عظيمة بسبب ضياع التَّوازن واندثار الجماعة المؤمنة، قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (البقرة: 217) فالفتنة المترتِّبة على عدم ردِّ العدوان أكبر وأعظم من إزهاق الأرواح في المعركة، ولأن عدم مواجهة العدو _عند القدرة على ذلك_ سيغري العدو بمزيد من التسلط على حرمات المسلمين ودينهم، وهذا أشدُّ عند الله تعالى من القتل الحاصل بسبب الحرب.

وعلى قاعدة ضرب المثل لكل شيء في كتاب الله تعالى ذكر سبحانه قصة طالوت لما قاد بني إسرائيل ضد جالوت، حيث لم يتبق مع طالوت سوى قلة مؤمنة من قومه بعدما تراجع الأكثرية خوفا من جالوت وجيشه، وقد غلبت القلة المؤمنة الكثرة الكافرة بإذن الله تعالى، وفي هذا رد على من يتذرعون بنقص العدد والعتاد للقعود عن الجهاد.

﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ ‌فِئَةٍ ‌قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ. وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ. تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (البقرة 249- 252).

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.