حبل الله
مخالفة بعض النظريات العلمية لما قرره القرآن الكريم

مخالفة بعض النظريات العلمية لما قرره القرآن الكريم

السؤال: قرأت لبعض العلماء أنّ الأرض خُلقت قبل السَّماء ثمَّ زُيِّنت السَّماء الدنيا بالنُّجوم كما يشار إليه في سورة فصلت، وهذا يعارض العلم؛ لأنَّ العلم يخبرنا بأنَّ السَّماء والنَّجوم خُلقت قبل الأرض فكيف يمكن فهم هذا التَّعارض. وجزاكم الله خيرا.

الجواب: لا يمكن أن تتعارض الحقائق العلميَّة مع القرآن الكريم، ذلك أنَّ الكون هو كتاب الله المخلوق بينما القرآن هو كتابه المنزل، ولأنَّهما من نفس المصدر فيستحيل تعارضهما، بل إنَّ القرآن يلفت النَّظر إلى الحقائق الكونيَّة كدليلٍ على صدق آياته، ومن ذلك ضربه المثل في إحياء الأرض بعد موتها على صدق البعث بعد الموت، ومثلُ هذا كثيرٌ في كتاب الله تعالى.

هناك فرقٌ بين الحقائق العلميَّة وبين النَّظريَّات العلميَّة، فالأولى لا تحتمل الخطأ لأنَّها قائمة على البرهان المباشر، أمَّا الثَّانية فمتردِّدة بين الصَّواب والخطأ لأنَّها تقوم على التَّخمين والتَّحليل لا على البُرهان، لهذا لا يمكن ملاحظة أيِّ تعارض بين الحقائق العلميَّة والقرآن، إلا أنَّنا نجد مخالفة بعض النَّظريات العلميَّة لما يقرِّره القرآن في بعض المسائل كمسألة أصل البشر .

وإذا سلَّمنا أنَّ مُنزل الكتاب هو خالقُ الكون ومقرِّرُ قوانينه فإنَّه لا بدَّ من الإقرار بخطأ النَّظريَّات العلميَّة التي تخالف القرآن، والحقّ أنَّ النَّظريَّة لا ينبغي نسبتها إلى العلمِ عندئذٍ، لكنَّنا نضيفها للعلم تَجوُّزا.

ولأنَّ النَّظريَّات العلميَّة لا تستند إلى البراهين بقدر ما تستند إلى التَّخمين والظَّنِّ فهي محلُّ فحصٍ مستمرّ، وهذا بحدِّ ذاته دليلٌ على أنَّها ليست صحيحة مطلقا حتَّى عند مُتبنِّيها والمدافعين عنها. ومع ذلك لا نعدم أن نجدَ بعضَها صائبا، كالنَّظرية العلميَّة القائلة بأنَّ السَّماء خُلقت قبل الأرض.

القرآن لا يقرِّر أنَّ الأرض خُلقت قبل السَّماء، بل إنَّ الآيات التي تتحدَّث عن خلق السَّموات والأرض تبدأ بذكر السَّماوات أولا. ومن ذلك قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الشورى 29)، وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} (الدخان 38). وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (ق 38). وقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (الزخرف 9). وقوله: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} (الجاثية 22) وقوله: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الشورى 10).
وقد جاء ذكر الأرض قبل السَّماوات مرَّة واحدة فقط في قوله تعالى: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا} (طه 4). ومعلوم في اللغة أنَّ واو العطف لا تدلُّ على التَّرتيب بالضَّرورة، لكنَّ ذكرَ السَّماوات قبل الأرض في مجمل الآيات يُشير إلى أنَّها خُلقت أولا.

أمَّا الآيات التي أشرت إليها في سؤالك فهي قول الله تعالى:
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (فصلت 9-12)

هذه الآيات لا تدلُّ على أنَّ الأرض خُلقت قبل السَّماوات، بل العكس تماما، فقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} يُفهم منها أنَّ السَّماء كانت دخانا حين بدأ الله تعالى بخلق الأرض، لأنَّ ثم تفيد العطف والترتيب، فالأرض خُلقت بينما كانت السَّماء دُخاناً، لكن تشكُّلَها إلى سبع سماوات على النَّحْو الذي عليه الآن تمَّ بعد خلق الأرض.


 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.