حبل الله
هل إرادة الله تعالى أزليّة؟

هل إرادة الله تعالى أزليّة؟

السؤال: كيف نرد على إشكالية الملازمة بين قِدم إرادة الله تعالى وقِدم العالم، الذي يعني أنَّ العالم رغم أنَّه مخلوق لكنّه أزلي، لأنَّ الله تعالى أراد خلقه ليس بإرادة جديدة فلا يجوز حدوث أرادة جديدة عنده تعالى، كما لا يجوز أن تكون هناك مهلة بين إرادته وتحقُّق مراده، فمن هذه الناحية سيكون العالم مخلوقا لكنَّه أزلي أيضا؟

الجواب: ليس هناك إشكاليَّة من الأساس، ذلك أنَّ الافتراض بقدم/ أزلية الكون وبأنَّ إرادة الله تعالى في خلق الكون أزليَّة غير صحيح، وكذلك افتراضك أنَّه لا يجوز أن تكون هناك مهلة بين إرادته وتحقُّق مراده. فالله تعالى يخلق ما يريده متى شاء بقوله “كن”، وليس شرطا أن تتزامن إرادته مع خلقه. لما أراد الله تعالى خلق الكون أصدر الأمر بقوله للكون “كُنْ” فكان. والآيات التَّالية توضِّح المسألة:

={إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس 82)

والشيء هو كلُّ موجود، ومن ذلك الكون. و”إذا” ظرفيَّة زمانيَّة، وهي في الآية تتحدَّث عن زمن حدوث إرادة الله في إحداث شيء أو إفنائه.

={وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء 16)

ومعلوم أنَّ إرادة الله تعالى لإهلاك قرية بعينها تتحقَّق لمَّا يستمرُّ أهلها بالتَّكذيب والإنكار بالرُّغم من نفاد كلِّ وسائل إقامة الحجَّة عليهم، وتعالى الله أن تكون إرادته بإهلاكهم قد تمَّت منذ الأزل، أي قبل أن يُخلقوا ويُمتحنوا، فذاك مخالفٌ للعدل.

={وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً} (الكهف 82)

وهنا إرادة الله تعالى بحفظ الكنز للغلامين اليتيمين تحقَّقت بعدما رأى سبحانه من صلاح أبيهما. ولا يمكن أن يكون ذلك منذ الأزل.

= {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} (النساء 26- 27).

ولو كانت إرادة الله تعالى لنا بالهداية أزليَّة لما كان هناك معنى لقوله {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. والحق أن إرادة الله تعالى بهدايتنا وُجدت بوجودنا لا قبل ذلك. ويُفهم من هذه الآية كذلك أنَّ إرادة الله في هداية العبد والتَّوبة عليه لا تتحقَّقان إلا إذا بَدَر من العبد ما يُرضي الله تعالى. فالآيات السابقة وغيرُها تُبيِّن أنَّه لا يُشترط أن تكون إرادة الله تعالى أزليَّة، بل تحدث إرادتُه في أيِّ وقت.

وللمزيد من المعلومات حول الموضوع ننصح بقراءة المقالات التالية:

دراسية قرآنية حول فعل شاء وما يتعلق به https://www.hablullah.com/?p=2243

مفهوم الإرادة والمشيئة في القرآن الكريم https://www.hablullah.com/?p=1577

 

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.