حبل الله
هل كان خاتم النّبييِّن لا يعلمُ القراءةَ والكتابة؟

هل كان خاتم النّبييِّن لا يعلمُ القراءةَ والكتابة؟

السؤال:

من المشهور في التُّراث الإسلامي أنَّ النَّبيَّ محمدا لم يكن على علم بالقراءة والكتابة، فهل هذا صحيح من وجهة النَّظر القرآنيَّة؟ وهل يمكن لمن لا يعلم القراءة والكتابة أن يقوم بمهمَّة تقتتضي معرفتهما؟

الجواب:

لا يوجد في القرآن الكريم ما يدلُّ على أنَّ محمَّدا لم يكن يعلم القراءة والكتابة، لكن ورد أنّه لم يقرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى على الأنبياء قبله، في قوله تعالى:

{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}  (العنكبوت 29/ 48)

وقد اتُّخذت هذه الآية كدليلٍ على أنَّ نبيَّنا لم يكن يعلم القراءة والكتابة، وذلك بتأثيرٍ من كتب التَّفسير التي أخرجت الآية عن مضمونها وفصلتها عن سابقتها. وهي قوله تعالى:

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ، فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ، وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} (العنكبوت 29/ 47)

وإذا قرأنا الآية 48 مع التي قبلها سنرى الخطأ الكبير الذي وقعت فيه تلك التَّفاسير، فكلمةُ كتاب قد جاءت نكرة غير معرَّفة، وبحسب قواعد اللغة العربية فإنَّ النَّكرة إذا جاءت بعد معرفةٍ من جنسها اقتضى أن تكون النَّكرة من جنس المعرفة السَّابقة[1]. فيكون معنى الآية “وما كنت تتلو من قبل القرآن أي كتاب من كتب الله تعالى”.

ويؤيد هذا الفهم قوله تعالى:

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا، مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ، وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الشورى 42/ 52)

بناء على الآيات السابقة يتبيَّن أنَّ الذي لم يكن يعرفه نبيُّنا هو كتب الله السَّابقة. ولا يوجد في الآيات ما يشير إلى أنَّه لم يكن يعرف القراءة والكتابة، بل إنَّها تدلُّ على أنَّه كان يعرفهما، لأنَّه يتلو القرآن ويخطُّه بيمينه، ولا يتأتَّي ذلك إلا لمن عرف القراءة والكتابة جيدا.

إنَّ تمسُّك البعض بعدم معرفة نبيِّنا للقراءة والكتابة نابعٌ من شعورهم بأنَّ عدم معرفتهما يؤكِّد على نبوَّته، معلِّلين ذلك بأنَّ من لا يعرفهما أنَّى له أن يأتي بكتاب غاية في البرهان والبيان؟. وهذا التَّخريج مرفوضٌ لأسباب:

1_ الدَّليل الذي استندوا إليه من القرآن لا يستقيم لهم كما بيَّنا أعلاه.

2_ إنَّ عدم معرفة القراءة والكتابة ليستا لازمة النُّبوة، إذ لم يُعرف عن أيِّ نبيٍّ قبله أنَّه كان لا يعلم القراءة والكتابة.

3_ كلُّ من يقرأ القرآن يعلم يقينا أنَّه لا يمكن لبشرٍ أن يأتي بمثله حتى لو كان أعلم النَّاس وأفقههم. يقول الله تعالى:

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء 17/ 88)

ـــــــــــــــــــــــــــ

[1]  وكلمة (كتاب) المذكورة في الآية الثانية ترجع إلى الكتاب المذكور في الآية التي قبلها، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} (المائدة 5/ 19) فكلمة بشير ونذير النكرتان لا يفهم منهما سوى أنهم الرسل المذكورين قبلهما.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.