حبل الله

حكم الصلاة على الكرسي في المسجد

السؤال: ما حكم الصَّلاة على الكرسي؟ هل يجوزُ الصَّلاةُ على الكرسي دون عذر؟ وكيف يجوزُ للمُصلِّين على الكرسي تركُ الوقوف في الصَّلاة إذا كانوا قادرين عليه؟ كيف يجب أن تكون وضعيَّة الكراسي في حالة الصَّلاة مع الجماعة؟ هل يجب أن تكون الكراسي محاذيةً لصف الجماعة أم أنَّها يمكن أن تكون متأخرة عن الصف؟

الجواب: إنَّ الصَّلاةَ عبادةٌ مفروضةٌ من الله تعالى في أوقاتٍ مُعيَّنةٍ كلَّ يوم: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (النِّساء 4/103)، ولا يحلُّ بحالٍ تركُ الصَّلاة حتى لو كان المسلمون على جبهات الحرب.

إنَّ للصَّلاة أركاناً يجبُ على القادر أن يأتيَ بها، ومن هذه الأركان الوقوفُ والرُّكوعُ والسُّجود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج 22/77).

فلا ينبغي للقادر على الإتيان بهذه الأركان بشكلها الأصلي تركها أو إهمالهُا، لأنَّ الإتيانَ بأركان الصَّلاة هو من صور المحافظة عليها، كما جاء في قوله تعالى:

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة 2/238).

الصَّلاةُ على الكرسي جائزةٌ لمَن لا يستطيعُ القيامَ أو الركوع أو السجود، لأنَّ اللهَ تعالى لا يكلف نفساً إلَّا وسعها، وقد تحدثُ للإنسان حالاتٌ مرضيَّةٌ تمنعه من القيام أو من الانحناء أثناء الركوع أو من السجود، ففي مثل هذه الحالات تجوزُ الصَّلاة على الكرسي، فتعاليم الدِّين لا يمكن أن تكونَ مصدر حرجٍ للإنسان. يقول الله تعالى:

{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة 2/286).

{مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج 22/78).

وفي الأحاديث المنسوبة إلى النبيِّ عليه الصلاة والسَّلام ما يؤيِّدُ ما قلناه:

فعن عمران بن الحصين قال: “كانَتْ بي بَواسِيرُ، فَسَأَلْتُ النبيَّ عَنِ الصَّلاةِ، فَقالَ: صَلِّ قائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلى جَنْبٍ”.[1]

لكنَّ الشَّيءَ الذي ينبغي للمُصلَّين على الكرسي التنبه إليه هو أنَّهم يجب أن يأتوا بما استطاعوه من الأركان على وجهها الصحيح، فمَن يستطيع القيامَ لكنَّه لا يستطيع الرُّكوع والسُّجود فعليه القيام، ولكنه يجلس حين الركوع والسجود، والمعذورُ في القيام لكنَّه يستطيع الرُّكوع والسجود فعليه أن يركع ويسجد بشكلٍ طبيعي، فالضرورة تُقدَّرُ بقدرها، وهذا يُفهَمُ من الحديث المنسوب للنبيِّ عليه الصَّلاة والسلام: “إذا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ”[2]. وقد جاء توجيه النبي على ضوء قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (التغابن 64/ 16).

الواجبُ على من صلَّى جالساً على الأرض، أو على الكرسي، أن يجعل سجوده أخفضَ من ركوعه، والسُّنَّة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أمَّا في حال السُّجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع ، فإن لم يستطع جعلَهما على ركبتيه، لما ثبتَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:

“أُمِرْتُ أنْ أسْجُدَ على سَبْعَةِ أعْظُمٍ على الجَبْهَةِ، وأَشارَ بيَدِهِ على أنْفِهِ واليَدَيْنِ والرُّكْبَتَيْنِ، وأَطْرافِ القَدَمَيْنِ ولا نَكْفِتَ الثِّيابَ والشَّعَرَ”[3].

الأصلُ أن تكون الكراسي محاذيةً لصفوف الجماعة، وأن يكون المصلِّي على الكرسي محاذياً ببدنه حين الجلوس لبقة المأمومين عند جلوسهم، وفي كلِّ حالٍ يجب أن لا يكون الكرسيُّ في موضعٍ يؤذي المُصلين في الصفوف التي تخلفه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] صحيح البخاري ١١١٧

[2] مسلم ١٣٣٧، صحيح البخاري ٧٢٨٨

[3] صحيح البخاري ٨١٢

التعليقات

  • والله ليس في الكرسي ذكر في الحالات التي ذكرها النبي صلي الله عليه وسلم.
    ثم إن الجلوس على الكرسي منافاة عظيمة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من خشوع وخضوع وتضرع وتذلل.
    و معلوم إن الكرسي فيه رمزية التمكن والتجبر. والجلوس عليه منافي لما سبق ذكره.
    وخاصة إن في ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم مندوحة
    وقد توسع الناس في هذه الطامة. فترى كيفيات وهيئات واعذارا. لا تمت لماهية الصلاة بصلة
    هذا رأي أحببت إن ينظر فيه المتخصصون. وليست فتوى. والله المستعان

  • السلام عليكم وجزاكم الله تعالى عنا وعن المسلمين كل خير وكلما قرأت في موقعكم الكريم يزداد حبي لديننا العظيم واشكر الله ان هداني لهذا الموقع الرائع الذي لا يتبع الهوى قيد انملة ويوافق كتاب الله والعقل وهذا هو الدين الصحيح .
    سؤالي هل تقرأ الفاتحة في صلاة الجماعة بعد ان يقراها الامام وهل الاصح قراءتها ام لا فالمذاهب كل له راي مختلف الشافعي يقول بوجوب قراءتها والحنفي لا .وانا كنت اتبع المذهب الشافعي قبل ان يمن الله علي بان اصبح مسلمة فقط بفضل موقعكم الكريم.واليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول انما حعل الامام ليؤتم به افيدوني جزاكم الله عني خيرا

    • وعليكم السلام ورحمة الله
      شكرا جزيلا على تواصلك مع موقعنا ويسرنا دوام ذلك
      بالنسبة لقراءة المأموم فإن كانت الصلاة جهرية فقراءة الإمام تغني عن قراءة المأموم، ويكفيه حينئذ الاستماع، لكن الإمام إن سكت بعد قراءة الفاتحة فاسحا المحال للمأمومين قراءتها سرا فالأفضل أن يقرأها المأمومون، وإن لم يقرأها أحدهم فلا حرج في ذلك، لأنه استمع الفاتحة قبل ذلك من الإمام
      أما قوله عليه السلام (إنما جعل الإمام ليؤتم به) فلا يعني أن قراءته الجهرية لا تغني عن قراءة المأموم، لأن المأموم قد استمع للقراءة وهذا هو المطلوب منه عندها. يقول الله تعالى:
      ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ‌وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.