حبل الله
متى يفقد الإنسان القدرة على التفكير؟

متى يفقد الإنسان القدرة على التفكير؟

متى يفقد الإنسان القدرة على التفكير؟

الأستاذ الشيخ: جودت سعيد

تحدثت لكم فيما سبق عن أسلوب قتل المريض بدل مداواته، وهل يمكن أن تكون وظيفة الطبيب أن يحكم على المريض بالموت بدل أن يقوم بمعالجته؟

إننا نستطيع غالباً أن نميز الإنسان السليم جسدياً، نشعر بحيويته ونضارته وقدرته على أداء واجباته اليومية.. وكذلك حين نرى إنساناً مريضاً، فإننا نحس بامتقاع لونه وعجزه عن أداء حركاته ومتابعة نشاطه، لكن سبب المرض لا يتضح لنا من النظر إلى المريض، هذا أمر يحتاج إلى فحص دقيق.

قبل أن يعرف البشر الجراثيم وانتقال العدوى، كان الوباء يأتي ويحصد الناس، ولا يعرفوا كيف جاء المرض ولا كيف انتهى، ولكن يرون آثاره المفجعة وهلاك الآلاف من الناس، ثم بعد ذلك يمضي الوباء، وكانت الأسباب خفية لم يكن بالإمكان إبصارها.

وبعد أن كشف البشر بالمجهر الكائنات الدقيقة التي تتسرب في أغذيتنا وأشربتنا، عرفوا سبب كثير من الأمراض، وعرفنا كيف إن الإنسان الذي يحبك ويقبلك، يمكن أن ينقل إليك المرض ثم يبكي عليك حينما تموت.

إنني أحاول أن أشبّه بين حياة الكائن الحي ومشكلاته وأمراضه، وبين حياة الكائن الفكري ومشكلاته وأمراضه.

هل أستطيع أن أقول إن الذين يحبوننا ويقبّلوننا هم الذين يلقنوننا الأفكار التي تقتلنا وتجعلنا نقتل بعضنا، ثمَّ لمَّا نموت يبكون علينا.

اليوم فإنَّ حروبنا التي خلَّفت الخسائر الفادحة في الأرواح والأموال، منذ الحرب العراقية الإيرانية مطلع الثمانينات.. وصولاً إلى الحروب الجارية اليوم في اليمن وسورية.. وكل ما بينهما.. أعتبرها وباء فكريَّا، ولو كان عندنا شيء من الوعي، لو أدركنا أسباب المرض الفكري، لكان بالإمكان تجاوز وتوفير هذه الخسائر كلها بكل يسر، ولكننا اندفعنا إلى الوباء اندفاعاً، لم يكن لنا محيص من ممارسة هذا الطقس الفظيع من تقديم القرابين البشرية، ومن غير جدوى.

إن وعي عدة أفكار بسيطة كان يمكن أن يحول بيننا وبين حدوث هذا الشيء، هل نحن في حاجة إلى أن نعيد مثل هذه الحروب، لنعرف أنها لا جدوى منها، وما هو الشيء الذي ينقصنا؟

أيها الأخوة، إن ما ينقصنا هو معرفة التاريخ، وماذا حدث في التاريخ، إننا نجهل ما حصل في الماضي، وأنا أعترف أني جاهل، ولكنني أتساءل، وأبحث في الموضوع، مثل الكائنات التي تبحث عن غذائها وتستكشف محيطها بواسطة قرون الاستشعار.. أشعر أن هذا الذي نحن فيه، ليس مصيراً محتوماً لا فكاك منه.

وأنا كثيراً ما أقول إن ختم النبوات، سببه أن التاريخ صار مصدراً للمعرفة، آيات الآفاق والأنفس صارت تعطي أدلة يقينية حول سلوك الإنسان، والعواقب صارت تكشف الأخلاق السيئة والأخلاق الحسنة وجدواها.

إننا لم ندخل التاريخ الحديث، وهذا توصيف غير كاف، فهناك مُسلَّمات تحول بيننا وبين التفكير، مآسي الحروب ما زالت تحول بيننا وبين أن نعيد التفكير مرة أخرى.

متى يفقد الإنسان قدرته على التفكير؟

إنه يفقد القدرة على التفكير عندما يجهل التاريخ.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.