حبل الله

الدَّور السُّنني للعبادات

الأستاذ الشيخ: جودت سعيد

يمكن لعلماء الاجتماع والدارسين أن يدركوا الدور الحقيقي الذي تلعبه الشعائر، وأنا أرى أن ما حفظ كيان المسلمين بعد أن فقدوا الرشد وضيعوا العلم، وما لا يزال يحفظ وجودهم؛ هو هذه العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، التي يجب النظر إليها بخشوع وقداسة لما ينتج عنها من نتائج وعواقب، وما تقوم به من دور في حفظ سلامة الفرد والمجتمع، ولا يلاحظ البعض إمكانية فهم الشعائر الدينية فهماً سننياً يدخلها حيز العقل والعلم، وينظرون إليها على أنها حركات غير معقولة.

لقد حافظت هذه الشعائر على رمق من الحياة في كيان المسلمين، حيث يعتبر المؤرخ الأمريكي لوثروبستودارد في (كتابه حاضر العالم الإسلامي)، عن شيء من هذا حين اعتبر أن الذي حافظ على المسلمين بعد أن فقدوا السلطان والخلافة هو الحج إلى بيت الله الحرام.

العبادات والشعائر الدينية ومنها العيد وصلاة الجمعة وطقوسها هي رموز للاتصال الفردي والجماعي لفهم مغزى الوجود ولتفجير الطاقات ولضبطها في آن واحد، إنها اتصال بمبدع الحياة وبديع السماوات والأرض، إن مثل هذه الشعائر لا يجوز النظر إليها لوحدها مبتورة مستقلة عن أهدافها ووظائفها.

لكننا يجب أن نلاحظ أمراً آخر، فلا شك أن العبادات هي التي حفظت المسلمين من الزوال، لكنها غير قادرة لوحدها على إنتاج مجتمع إسلامي عاقل راشد، لأن قيمة العبادات ليست في الجوع والعطش والتعب والنصب والسفر، بل القيمة الكبرى تأتي من المعنى الذي نضعه في هذه النشاطات، مثل القراءة، التي يمكن أن تكون قراءة فيها قدر من التدبر، أو تكون قراءة ختمية، حيث تم هجر القرآن الذي لا يُقرأ إلا للأموات، ولكي يدخل الميت إلى الجنة، لكن هذا الكتاب جاء ليحيا به الناس.

هذا الاهتمام بالشكليات والطقوس، دون تدبر المعاني التي يجب أن ترافقها هو ما أشار إليه القرآن حين يقول: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) [البقرة، 177].

المفكر الليبي الراحل الصادق النيهوم كتب تحت عنوان “من سرق الجامع؟ وأين ذهب يوم الجمعة؟” فتناول بحرقة الدور المهم الذي كان يجب أن تلعبه العبادات في حياة المسلمين، وكيف فقد الجامع دوره وتراجع الدور الكبير الذي يجب أن تقوم به الصلاة.

وأنا كثيراً ما أقول خلال لقاءاتي ولمن يزورونني من الأخوة الأتراك والأجانب الذين لا يتقنون اللغة العربية أرجوكم… اقرؤوا القرآن باللغة التركية حتى تعلموا وتتدبروا ما تقرؤون… وتتمكنوا من فهم هذه الظواهر التي تنتظر من يكشف سننها وعواقبها، عندها يكون لصلاتنا معنى آخر، ويكون لحجنا معنى آخر، ويكون لصيامنا معنى آخر ويكون لعيدنا أيضاً معنى آخر، معنى يدخلنا عصر السُّننية والعلم والعقل والرشد، وعندها ستكون أعيادنا مباركة ويمكننا حقاً أن نقول: كل عام وأنتم بخير.

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com

 

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.