أ.د عبد العزيز بايندر
مقدمة
لكلمة الرُّوح في القرآن معنيان؛ الأوَّل: العلمُ الآتي من الله تعالى، والثَّاني: تلك القدرة التي تمكِّن الإنس والجنَّ من تلقِّي هذا العلم وفهمه بدرجة يكون الواحد منهم صالحا للامتحان به.
الله تعالى يُعطي الملائكةَ والنَّبيِّين وغيرَهم من الكائنات من علمه بقدر ما يريد، ثمَّ يحمِّلُهم من الوظائف بقدر ذلك. وفي الآية التَّالية جاءت كلمة الرُّوح بمعنى العلم الآتي من الله تعالى:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً. (الإسراء 17/85)
وعلم الله تعالى من السِّعة ما يفوق تصوُّر الإنسان. يقول الله تعالى:
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا. (الكهف 18/109)
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. (لقمان 31/27)
علمُ الله تعالى الذي خصَّ به الإنسانَ كان على قدرٍ يكفيه ويسدُّ حاجاته. يشير إلى هذا قولُه تعالى:
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. (الأنبياء 21/10)
ويُقصد بالذِّكر في الآية العلومُ التي يحتاجها الإنسان؛ والذِّكر هو المعلومات الصَّحيحة المستنبَطة من جمع الآيات المتعلِّقة بموضوع معيَّن، ويحصلُ ذلك بتعقُّب الرَّوابط وإيجاد المناسبات فيما بينها. ولأنَّ المعلومات التي تحتويها الكتبُ الإلهية ضروريَّة للبشر كان “الذِّكر” الاسم المشترك لها جميعا. يقول الله تعالى:
أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً، قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ، هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ. (الأنبياء 2124)
والرُّوح التي حمَّلها الله تعالى للجنِّ الإنس لها خاصيَّة الدُّخول إلى الجسم والخروج منه، كأنها جسدٌ ثانٍ لكنَّه ليس بمحسوس، هذه الرُّوح تجعل من الكائن الذي تدخل فيه مختلفا عن الكائنات الأخرى. وهي تدخل جسد الإنسان بعد تمام خلقه. يقول الله تعالى:
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ (آدم عليه السلام) مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (البويضة الملقحة). ثُمَّ سَوَّاهُ (أتمَّ خلقه) وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ. (السجدة 32/7-9)
والرُّوح التي تجعل الشَّخص قادرا على تقييم المعلومات الواردة إليه والوصول إلى معلومات جديدة وتغيير أسلوب حياته تؤهِّله لأن يكون مخلوقا قابلا للامتحان ومحلَّا للتَّكليف.
بعد هذا المدخل يمكن إطلاق التَّعريف التَّالي للرُّوح:
هي الملكة التي تمكِّنُ صاحبَها من فهم وتقييم ما تلقاه من علم الله تعالى وبناء أسلوب حياته انطلاقا من ذلك العلم.
الرُّوح في العربية من (رَوْحُ) الرَّاءُ والواو والحاء أصلٌ كبير مطرد، يدلُّ على سعة وفسحة واطراد[1]. والشَّخص الذي يصبح قادرا _بفضل الرُّوح_ على تلقي علم الله وتقييمه والاستفادة منه لا شك أنَّه يتمتَّع بتلك الميِّزات (سعة وفسحة واطراد)، ومن هنا ندرك التَّوافق بين ما ذهبنا إليه من معنى الرُّوح وبين معنى جذرها اللغوي (رَوْحُ).
وفي هذه المقالة سنتاول الرُّوح تحت عنوانين رئيسيين؛ الأول: الرُّوح بمعنى علم الله الواصل إلى البشريَّة، والثَّاني: الرُّوح بمعنى تلك الملكة التي حُمِّلت للإنس والجنِّ فصارا مكلَّفَين بموجبها.
1_ العلم الآتي من الله تعالى/ الرُّوح
تُطلق الرُّوحُ على الكتب التي تحوي علم الله تعالى كما تُطلق على جبريل عليه السلام الذي أتى بهذه الكتب. والمهامُّ التي توكل إلى الملائكة في ليلة القدر المتضمِّنة أوامر الله هي روحٌ كذلك.
كما سيظهر لاحقا فإن الله تعالى حمَّل العلم للسَّماء والأرض ولجميع المخلوقات حيِّها وجمادها، وهناك روحٌ يؤيد بها الله تعالى العاملين الصَّادقين.
أ_ الرُّوح التي أنزلها الله تعالى على النَّبيِّين
جميع الكتب التي نزلت على النَّبيِّين تشتمل على علم الله تعالى، ولا يوجد نبيٌّ لم يتلق من الله كتابا، ومن الآيات التي تتحدَّث عن هذا الموضوع قوله تعالى:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة 2/136)
والآية التَّالية تنبئ أنَّ ما تلقَّاه الأنبياءُ من الكتب يُطلَق عليه الرُّوح:
يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (النحل 16/2)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا (القرآن) مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (الشعراء 42/52-53)
ب_ جبريل عليه السلام
الملك المكلف بتبليغ رسالة الله (الكتاب) إلى الأنبياء هو جبريل عليه السلام، ويُطلق عليه الرُّوح الأمين. كما جاء في قوله تعالى:
وَإِنَّهُ (القرآن) لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. (الشورى 42/192-193)
وجبريل عليه السلام الذي هو واحد من الجنِّ ويخضع للامتحان يحمل بين ثناياه روحا مثلنا. وربَّما أُطلق عليه لقب الرُّوح لأنَّه الرَّسول الذي يأتي بكتاب الله إلى النَّبيِّين. أمَّا تلقيبُه بالأمين فربما بسبب نجاحه في امتحان تبليغ الوحي وحفاظه على روحه نقيَّة من مخالفة أمر الله تعالى.
الملائكةُ هم فريق من الجنِّ اختارهم الله تعالى لمهامَّ خاصَّة. ومن الآيات التي تشير إلى ذلك قولُه تعالى:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (الكهف 18/50)
ولفهم قوله تعالى {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} لا بدّ من الإجابة على السُّؤال التَّالي: من هم الجنّ الذين لم يفسقوا عن أمر ربِّهم؟ الإجابة الوحيدة الممكنة على هذا السُّؤال هي: الملائكة. والملكُ الوحيد الذي فسق عن أمر الله هو إبليس. لو لم يكن إبليس من الملائكة لما كان مكلَّفا بالسُّجود لآدم، لأنّ المكلَّفين بذلك كانوا الملائكة. السبب في امتناعه عن السجود شعوره بأنه عظيم[2]. ولو امتنع جبريلُ عليه السَّلام عن السِّجود لآدم للاقى نفس الجزاء. تأمَّل قولَه تعالى:
لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا. (4/172-173)
ويُعرَف جبريل عليه السلام بروح القدس أيضا. يقول الله تعالى:
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ . (النحل 16/106)
القُدُّوس صفة من صفات الله تعالى وتعني : الطَاهِر المُنَزَّه عَنِ العُيوب والنَّقائص[3] ، وتأتي كلمة القدس بنفس المعنى[4]، ولذلك فإنه يمكن أن نُعرِّف “روح القدس” بالعلم الآتي من الله تعالى.
وفي الآية التالية يُشار إلى جبريل عليه السلام بـ (روحنا)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا . قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا. قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ,قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا. قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (مريم 19/16-21)
وهكذا فإن روح القدس هو الملك الذي يأتي بعلم الله تعالى. والملك الذي هيأ إمكانية أن يتكلم عيسى عليه السلام في المهد، وعلمه الكتاب الحكمة؛ أي التوراة والإنجيل فيما بعد هو جبريل عليه السلام.
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (المائدة 5/110)
ولمّا لم يكن الله تعالى ليكلم بشرا إلا وحيا (الإلهام) أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا، تبيَّن أن مَن جعل المسيح يتكلم في المهد ومَن علَّمه الكتاب والحكمة والتوارة والإنجيل هو روح القدس؛ أي جبريل عليه السلام، ولا احتمال غيره.
وجبريل عليه السلام هو معلِّم خاتم النَّبيِّين محمد صلى الله عليه وسلم. كما بيَّنه قولُه تعالى:
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (جبريل). (النجم 35/1-5)
ج_ الرُّوح التي تُعطى للملائكة في ليلة القدر
يقول الله تعالى في سورة القدر:
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ. سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (القدر 97/1-5)
وتخبرنا الآيات التالية عن تقاسم المهام بين الملائكة تلك الليلة:
حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الدخان 44/1-6)
والآية التالية توضح العلاقة بين الأمر المعطَى للملائكة في ليلة القدر وبين الرُّوح:
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا (الشعراء 42/52)
جبريلُ عليه السلام هو واحدٌ من الملائكة التي تتنزَّل في ليلة القدر، ومن الواضح أنَّ كلَّ واحد من الملائكة يكون لديه مهمَّة يقوم بها _أو أكثر_ طيلة ليلة القدر.
والملائكة تنزل على غير النَّبيِّين أيضا. والآية التَّالية متعلَّقة بذلك:
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (المؤمنون 40/15)
يتقوَّى الشَّخصُ بتلك الرُّوح، ويبدأ في التَّصرُّف وفقاً لأوامر الله تعالى في كلِّ شؤونه. بناءً على كلِّ ما فهمناه من الآيات فإنَّ ذكر “الأمر” مع كلمة “الروح” يشير إلى أنَّ الرُّوح مُتضمَّنةٌ بذلك الأمر. ونظرا لأنَّ آيات القرآن النَّازلة ليلةَ القدر هي من ضمن تلك الأوامر التي تنزل بها الملائكة يمكننا فهم الآية 4 من سورة القدر كما يلي:
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَ (معهم) الرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
د_ الرُّوح التي تُعطَى لمن سلك الصِّراط المستقيم
وعد الله تعالى بإعانة وتأييد أولئك الذين يكافحون في سبيله كلَّ أنواع الصُّعوبات:
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت 29/69)
ومن قبيل ذلك المعونة التي منحها الله تعالى لأمِّ موسى. يقول الله تعالى:
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ . فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ . وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين. وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُون (القصص 28/7-12)
ولمّا لم يكن الله تعالى ليكلم بشرا إلا وحيا (الإلهام) أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا (الشورى 42/51) يظهر أنَّ الذي تحدَّث إلى أُمِّ موسى ناقلا كلام الله إليها لا يعدو أن يكون ملكا مكلَّفا بذلك.
وعلى هذا النَّحو يؤيِّدُ الله تعالى كثيرا من النَّاس. والآيةُ التَّالية توضِّحُ ميِّزات أولئك الذَّين يستحقِّون تأييد الله تعالى وعونه:
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ، أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ، أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
الآيةُ التَّالية تبيِّنُ تأييد الله تعالى لنبيِّنا صلَّى الله عليه وسلم:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ[5] عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الأحزاب 33/56)
وفيما يتعلَّق بتأييد وإعانة المؤمنين يقول الله تعالى:
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (الأحزاب 33/43)
وقد رأى المؤمنون تأييد الله تعالى وعونه في غزوتي بدر وأحد. يقول الله تعالى:
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ. وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (آل عمران 3/123-126)
هـ_ الأمر المُلقَى إلى السَّماوات والأرض
كلُّ ما خلق الله تعالى من السَّماوات والأرض والزُّروع والأحياء الأخرى يُمثِّلُ آيةً من آيات الله تعالى الدَّالة على عظمته وحسن صنعه، كما تُشكِّل هذه الآيات المخلوقة الدليلَ الحيَّ على أنَّ الكتبَ المنزَّلةَ هي كتبُ الله تعالى وليست من تأليف البشر. وفي ذلك يقول الله تعالى:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ (القرآن) الْحَقُّ (فصلت 41/53)
خلق الله تعالى الأرض أولا ثمَّ السَّماوات ثمَّ قال لهما:
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ. (فصلت 41/11)
-امتثال الأرض والسماوات للأمر
في طوفان نوح عليه السلام أُلقي الأمر إلى الأرض والسَّماء على النَّحو التَّالي:
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. (هود 11/44)
-حزن السماوات والأرض
تتأثر السَّماوات والأرض من تصرُّفات النَّاس الخاطئة. يقول الله تعالى:
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا. تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا. أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. (مريم 19/88-91)
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ (فرعون وقومه) السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ. (الدخان 44/29)
-مخافة الله تعالى في الجبال والحجارة
العلوم التي أعطاها الله تعالى إلى السَّماوات والأرض كانت بقدرها. أمَّا العلم الموجود في القرآن فهو خارج قدرتها على التَّلقي. نفهم هذا من الآيتين التَّاليتين:
لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. (الحشر 59/21)
وَإِنَّ مِنْهَا (الحجارة) لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ. (البقرة 2/74)
-الأمر المُلقَى إلى النَّار
عندما أُلقِيَ إبراهيمُ عليه السلام في النَّار، ألقى الله تعالى الأمرَ التَّالي إليها:
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (الأنبياء 21/69)
امتثلت النَّار لأمر الله تعالى وكانت النَّتيجة أنَّ إبراهيم لم يحترق.
الآيات السابقة تُبيِّن أنَّ العلم الذي أعطاه الله تعالى للسَّماوات والأرض كان بالقدر الذي يؤهِّلُهما لفعل المطلوب منها، لكنَّ العلم الموجود في القرآن يفوقُ قدرتَها على تلقِّيه.
و_ الرُّوح التي أعطاها الله تعالى للكائنات الحيَّة:
تشير الآيةُ التَّالية أنَّ الله تعالى قد حمّل المعلومات للكائنات الحيَّة:
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (البشر)[6]. (61/68)
يُقال إنَّ الصَّفة الأساسيَّة التي تُميِّز الإنسانَ عن الحيواناتِ الأخرى هي العقل[7]. لكنْ تشيرُ الآيةُ التَّالية أنَّ الطَّير والنَّمل تصرفا بطريقة عقلانيَّة ملفتة، حتى أنَّها تصرَّفت بناءً على تقييم دقيقٍ للموقف:
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ. لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا[8] أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ.
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ. أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ.
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ. (النمل 27/17-32)
تشيرُ التَّعبيرات الواردة بحقِّ الهدهد أنَّه يمتلك من العلم والخبرة ما يؤهِّله للقيام بالمهامِّ الموكلة إليه والدِّفاع عن نفسه فيما لو وُجِّه له اتِّهام بالتَّقصير أو التَّفريط.
ويُشير قولُ النَّملة في الآية التَّالية أنَّ النَّمل تمتلك من العلم ما يمكِّنها من توفير الحماية لنفسها من المخاطر الدَّاهمة:
قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (النمل 27/18)
2_ القدرة على تقييم علم الله تعالى
الرُّوح التي أودعها الله في الإنس والجن أكسبتهم مهارة تعلُّم العلم، وتقييم ما تعلَّموه، والبناء على هذا العلم في إنتاج أشياء جديدة، كما أكسبتهم إمكانية تغيير نهج وأسلوب حياتهم. ولا يعني أن تحميل الرَّوح بحد ذاته تحميل العلم. يقول الله تعالى:
وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. (النحل، 16/78)
ويكون الشُّكر بإعمال تلك الإمكانات للارتقاء والسَّير في سبيل الله تعالى.
يطمئنُّ الإنس والجنُّ عندما يواجهون المعلومات الصَّحيحة. والمعلومات التي ينتجها النَّاس يمكن الشَّك في صحِّتها. لكنَّ المعرفة التي تأتي من الله تستقرُّ في داخل الشَّخص وتريحُه. يقول الله تعالى:
الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ (كتاب الله) أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ. (الرعد 13/28)
العبارات التي قالتها الجنُّ حينما استمعوا للقرآن مهمَّة جدا بهذا الخصوص:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا. وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا. (الجن 72/1-3)
العلوم الإلهيَّة التي يحتويها القرآنُ يطمئنُّ إليها الإنسُ والجنُّ. ومن يُعرضْ عن هذا العلم الإلهيِّ بسبب عدم توافقه مع هواه فسيقع في شباك الشَّيطان لا محالة، ولن يستطيع الفكاك من مصيدته لأنَّه سيظن نفسه على الحقِّ. يقول الله تعالى:
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. (يوسف 43/36-37)
أ_ الرُّوح المحمَّلة للإنسان
الرُّوح هي تلك الملكة التي تُحمَّلُ للإنسان بعد اكتمال خلقته جنينا في بطن أمِّه. تلك الملكةُ كأنَّها جسدٌ ثانٍ لكنَّه خفيٌّ يحلُّ في الأول الماديِّ. يقول الله تعالى:
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ (آدم) مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (البويضة الملقحة). ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ. (السجدة 32/7-9)
تشير هذه الآيات إلى أنَّ آدم وزوجَه قد خُلقا من التَّراب المختلط بالماء (الطين) بينما ذريَّتُهما قد خلِقت من مائيهما، وأنَّ الرُّوح تُحمَّلُ لتلك الذُّريَّة بعد تمام خلقتها في الرَّحم. والآيات التَّالية تعطينا مزيدا من التَّفاصيل:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً (بويضة ملقحة) فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (رحم الأم). ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً[9] فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ[10]. (المؤمنون 23/12-14)
يُظهر التَّعبير {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} أنَّ تمايز الجنين البشري عن أجنَّة الحيوانات الأخرى يتمُّ بعد الانتهاء من خلق بُنية جسمه، فاكتمال خلقة هذه الأعضاء يجعلها صالحة لتقبُّل الرُّوح، ويُعدُّ اكتساب العين للبصر والأذن للسَّمع والقلب للفهم بالتزامن مع نفخ الروح في البدن من ميِّزات الرُّوح لا البدن، ففعاليَّة هذه الأعضاء هي مزيَّةٌ للرُّوح كما ذكرنا.
-السمع والبصر
تعلمنا من الآيات في القسم السَّابق أنَّ النَّمل والهدهد من المخلوقات التي تسمع وتُبصر، وقد استطاعت التَّصرَّف بشكلٍ محدود بما حُمِّلت من العلم. لكنَّها لا يمكنها إنتاج معلومات جديدة لتغيير نمط حياتها. أمَّا النَّاس فإنَّهم يكتسبون القدرة على الوصول إلى معلومات جديدة والوصول إلى أهداف جديدة من خلال ميزة السَّمع والبصر التي يكتسبونها بالتزامن مع نفخ الروح فيهم.
-القلب
العقل يرغب دائما باتباع المعلومات الصحيحة، أما القلب الذي هو مركز اتخاذ القرار في الإنسان فيتقلب بين الحقائق بما يحمل من الرَّغبات والآمال والمنافع، فإن اتخذ القرار وفقا للمنفعة المجردة عن الحقيقة، فإنِّه يغلق قلبه على بعض الحقائق ويحاول ألا يستمع إليها أو يراها. ويتصرَّف كأنَّه قد خُتم على قلبه وصُمَّت أُذنَيْه وعلا بصرَه الغشاوة. وهذا التَّصرُّف يجعل منه شخصا ناكرا للمعروف حيال البشر كافرا حيال خالقه. يقول الله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (البقرة 2/6-7)
والبعضُ يسلك حيال آيات الله مسلكا مُزدَوجا؛ يكفرون بالآيات في قلوبهم ويعلنون قبولَهم إيَّاها بهدف إظهارهم الآيات للنَّاس بمعانٍ محرَّفة، والذين يتلاعبون بمعاني الآيات حتى توافق هواهم فهم أسوأُ حالا ممن أعلنوا الكفر، وهم يظنُّون أنَّهم بفعلهم يخادعون الله والذين آمنوا، وهؤلاء هم المنافقون الَّذين حذَّر الله تعالى منهم. يقول الله تعالى:
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ. وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (البقرة 2/75-79)
يظنُّ هؤلاء المنافقون أنَّهم يخادعون الله والَّذين آمنوا. لكنَّ مكرَهم لا يحيقُ إلا بهم، ولكنَّهم لا يعلمون. يقول الله تعالى:
يُخَادِعُونَ[11] اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ[12] (البقرة 2/9-10)
الكفارُ والمنافقون يعتبرون أنفسَهم مؤمنين، لكنَّه ينبغي النَّظر في الموانع التي حالت بينهم وبين تسليمهم لأمر الله تعالى، تلك الموانع التي يعرفونها جيدا ستأتي اللحظات التي يتمنَّون زوالَها. يقول الله تعالى:
رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ (الحجر 15/2)
والآيات التَّالية تبيِّن أن اختيار الكفر يكون عن قصد:
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. (آل عمران 3/105-106)
بالرُّغم من إظهار موسى عليه السلام للمعجزات أمام فرعون وملائه إلا أنَّهم لم يقبلوا دعوتَه. وقد علموا يقينا أنَّ موسى رسولٌ من الله تعالى إليهم، لكنَّه لما كانت دعوةُ موسى تتعارضُ مع منافعهم ورغباتهم لم يقبلوها. وفي هذا يقول الله تعالى:
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ اٰيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا. (النمل 27/13-14)
كما أنَّ اتباع الأهواء والسعي في الفتنة والفساد من الصفات الخاصَّة بالإنسان فكذلك اتباع القيم الكونيَّة وبيع النَّفسِ رخيصةً في سبيل الله من ميزاته. يقول الله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ. (البقرة 2/207)
على ضوء جميع هذه المعلومات يمكننا تعريف الإنسان بما يلي: “الكائنُ الحيُّ الذي يستطيع بقلبه تقييم العلم المُتلَقَّى بواسطة حواسِّه المختلفة وتغيير تصرُّفاته بناءً عليها”.
ب_ كون عيسى عليه السلام كلمة وروحا
وفيما يتعلق بعيسى عليه السلام يقول الله تعالى:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ، وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ، إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ، فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ، وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ، انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ، إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ، وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً. لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا، وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا. (النساء 4/171)
وكونُ عيسى كلمةَ الله التي ألقهاها إلى مريم توضِّحُه الآيةُ التَّالية:
قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ، قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء، إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ. (آل عمران 3/47)
وهذا يعني أنَّ المسيحَ عليه السلام الذي وُلِدَ من غيرِ أبٍ تكوَّنَ في رحم أمِّه فورَ صدور الأمر من الله بقوله “كُنْ”. ولم يكن لآدم عليه السلام أبٌ، لذلك بدأ بالتَّكَوُّن فورَ صدور كلمةِ الله له بقوله “كن”. ويوضح هذا قوله تعالى:
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ. (آل عمران 3/59)
ونفسُ الشَّيء يمضي على جملة البشر. يقول الله تعالى:
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. (يس 36/82)
إنَّ كون عيسى عليه السلام “كلمة الله وروح منه” ليس خاصَّا به وحدَه، بل يتعدَّى هذا التَّوصيفُ لغيره من البشر، والآية التَّاليةُ تُبيِّنُ أنَّ جميع البشر من روح الله تعالى:
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ. (السجدة 32/9)
معلومٌ أنَّ الرُّوح تُنفَخُ في الجنين في رحم أمِّه، كذلك أشارت الآيتان التَّاليتان أنَّ عيسى عليه السَّلام نُفخت فيه الرُّوح وهو رحم أمِّه مريم عليها السلام:
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ. (الأنبياء 21/91)
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ. (التحريم 66/12)
اختلف الضَّمير العائد إلى الفرج في الآيتين فجاء في الأولى مذكَّرا وفي الثَّانية مؤنَّثا، وهذا يشير إلى أنَّ الجهاز التَّناسليَّ لمريم عليها السلام كان يحتوي على الأنسجة الذُّكورية والأنثوية معا.
ج_ الرُّوح التي تُنفخ في الجنِّ
لا توجد آية تنصُّ بشكل مباشر على أنَّ الرُّوح تُنفخ في الجنِّ، لكنَّ الآية التَّاليةَ تُظهر أنَّ الصَّفات الثَّلاثة المتعلَّقةَ بالرُّوح التي يتمتَّع بها الإنسان هي نفسُها موجودةٌ بالجنِّ، وهو ما يشير إلى أنَّ الجنَّ صاحب روحٍ أيضا كما أشارت إليه الآيةُ التَّالية:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ. (الأعراف 7/159)
د_ الحركة اليوميَّة للرُّوح
فهمنا من الآيات المتعلِّقة بالرُّوح المنفوخة في الإنسان أنَّها كجسد ثانٍ[13] يحلُّ في الأول. والآيةُ التَّاليةُ تؤكِّدُ على هذا الفهم:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر 39/42)
بحسب هذه الآية فإنَّ في كلِّ إنسانٍ نفسَين؛ الأولى هي البدن، والثَّانيةُ هي الرُّوح. والبدنُ ينامُ أو يموت، لكنَّ الرَّوح لا تنام ولا تموت.
نفخُ الرُّوح في البدن يشبه تحميل نظام التَّشغيل للحاسوب. كما أنَّ نظام التَّشغيل يُحمَّلُ للحاسوب بعد إتمام صُنعه، فكذلك الرُّوح تُنفَخُ في البدن بعد تمام تخلُّقه وتهيُّئِه لاستقبال الرُّوح. تستخدمُ الرُّوحُ البدنَ كأنَّه بيتٌ لها. عندما ينامُ البدن تخرُج منه الرُّوح وتعود إليه حينما يستيقظ. أمّا البدن الميت فهو كالحاسوب الـمُحطَّم، لا تعود إليه الرُّوح حتى يُبعث من جديد يوم القيامة. يقول الله تعالى:
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الأنعام 6/60)
هـ_ روحُ الشخص الميت
الميِّتُ لا يشعر بمرور الوقت، وكذلك النَّائم، فقد نام أصحاب الكهف 309 سنوات[14] لكنَّهم لم يدركوا كم لبثوا في كهفهم. يقول الله تعالى:
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (الكهف 18/19)
ولأنَّ الموت يشترك مع النَّوم بذات التَّصوُّر فإنَّ الشَّخصَ المتوفَّى لن يشعر بمرور الزَّمن. والآيةُ التَّاليةُ متعلِّقةٌ بهذا الأمر:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة 2/259)
الشَّخص الذي مات 100 سنة ثمَّ أحياه الله تعالى والذين ناموا في كهفهم 309 سنين ثم فاقوا من نومهم، أجابوا بنفس الإجابة لـمَّا سئلوا عن فترة مكثهم: (يوما أو بعض يوم). وهذا يدلُّ على التَّشابه بين حالتي النَّوم والموت. الآيةُ التَّاليةُ تُبيِّن الموضوع بشكلٍ مباشر:
وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ، إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النحل 16/77)
هناك تشابهٌ كبير بين الإحياء بعد الموت وبين الاستيقاظ من النَّوم. يقول الله تعالى:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا، هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. (يس 36/51-52)
بحسب الآيات المتقدِّمة فإنَّ أولَّ من مات من البشر وآخر من مات منهم يملكان ذات التَّصور فيما يتعلق بالفترة التي قضياها في مرحلة الموت.
والميتُ كالنَّائم قبل أن يُغمض عينيه يشعرُ بحالة قُربِه أو بُعدِه عن ربِّه سبحانه. الشَّخصُ الصَّالحُ ينامُ مرتاحا قد خلا وجدانُه من المتاعب، بينما الفاسد يتقلَّب في فراشه مُعذَّبَ الوجدان. وعندما يواجه الإنسانُ الموتَ ويدركُ نهايةَ حياتِه فإنَّ تأثُّر روحه ووجدانه بما قدَّم يكون أعظمَ بكثير. والآيةُ التَّاليةُ تنبِّئُنا عن حالة الشَّخص الصَّالح قُبيل موته:
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ[15] الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
ونتعلم من الآيات التَّالية المتاعب التي يعانيها المقصِّرون من المؤمنين وهم في حالة الاحتضار:
وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. (المنافقون 63/10-11)
أما المسرفون على أنفسهم بالمعاصي فإنَّ الآيات التَّالية تُنبِئُنا عن حالهم عند الاحتضار:
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ. (النحل 16/28-29)
أمَّا من مات كافرا فالآيتان التَّاليتان تُبيِّنان حالتَه عند الاحتضار:
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ. ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. (الأنفال 8/50-51)
والآياتُ التَّاليةُ تتحدَّث عمَّن يحضرُهم الموتُ بشكلٍ عام:
حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ. فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ. (المؤمنون 23/99-100)
و_ حالةُ الأرواح أثناء قيام السَّاعة
قبل قيام السَّاعة تكون أجسادُ البشر كلُّها ميتة، لكنَّ أرواحَهم باقيةٌ لأنَّها لم تهلك أصلا. وعندما تقوم السَّاعةُ ترتفعُ الأرواحُ نحوَ السَّماء كما نفهمُه من الآية التَّالية:
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ[16] (المعارج 70/4)
وتفيدُ الآيةُ التَّالية أنَّ إعادةَ الخلق يوم القيامة (البعث) هو كابتدائه (الخلق الأول):
كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (الأنبياء 21/104)
ز_ الخلق من جديد
الآيات التي تتحدَّث عن إعادة الخلق كثيرةٌ، وهذه واحدةٌ منها:
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .(الأعراف 7/57)
ذُكِرَ في ستِّ آياتٍ أنَّ الإنسانَ قد خُلق من التُّراب[17]. وغذاءُ الإنسان كلُّه من الطين؛ أي التراب المختلط بالماء. لأجل ذلك فإنَّ مصدر الحيوان المنوي والبويضة هو الطين، وكلُّ الكائنات الحيَّة مخلوقة من الخلاصة الـمُتشكِّلة أساساً من اجتماع الماء بالتُّراب، حتى أنَّ بقاءها على قيد الحياة متعلِّقٌ باجتماعهما أيضا. والقطعُ الـمُفْتَرِقةُ عنها تتحوَّل إلى التُّراب والماء. التُّراب هو المادة الأساسيَّة في خلق الإنسان والحيوان والنَّبات، ورحمُ الأمِّ كالتُّراب الذي تُزرع فيه البذور. يقول الله تعالى:
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ (البقرة 2/223)
إنَّ تكوُّن الإنسان يشبه تكوُّن النبات:
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (نوح 71/17)[18]
قبل البعث (الخلق من جديد) ستقوم الأرضُ بدور رحم الأمِّ. سيكون العظم المتبقي من كل إنسان هو البذرة التي سيُخلَق منها من جديد. نعلم هذا من قوله تعالى:
أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ. (القيامة 75/3-4)
يكون التزاوج الأول بين الرُّوح والجسد في رحم الأمِّ، كما تفيد ذلك الآية بوضوح:
وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا (فاطر 35/11)
وعند البعث يكون التَّزاوج الثَّاني بين الرُّوح والجسد. كما بيَّنه قولُه تعالى:
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ. (التكوير 91/7)
لهذا السَّبب فإنَّ المبعوث يوم القيامة يظنُّ نفسَه قد أفاق من النَّوم. يشرحُ هذا قولُه تعالى:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا، هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. (يس 36/51-52)
النتيجة
تُستخدم كلمةُ الرُّوح بمعنيين كما تظهره الآيات بوضوح؛ الأوَّل: العلم الآتي من الله تعالى، والثَّاني: الملَكة التي حمَّلها الله تعالى للإنس والجنِّ.
لقد حمَّل الله تعالى العلمَ _بقدر ما يشاء_ للملائكة والنَّبيِّين ولجميع الكائنات الحيَّة وغير الحيَّة، وكلَّف كلاً منها بقدر ذلك العلم. والعلمُ الذي أعطاه للأنبياء قد دُوِّن في الكتب، فمن صاغ حياته من الجنِّ والإنس بناء على ما ورد بتلك الكتب فقد فاز في الامتحان، وهؤلاء لا شكَّ أنَّهم جعلوا منافعهم في الدَّرجة الثَّانية. لذلك كانت المهمَّة الأصعب أن يترك الـمُكلَّفُ منافعَه جانبا ليبقى إلى جانب الحقائق.
الرُّوح التي هي كجسد ثانٍ يحلُّ بالبدن تُحوِّل الحاسَّة التي تُكتسب بالأذن إلى السَّمع، والبصرَ إلى البصيرة، والقلبَ من مجرد معملٍ لتقليب الدَّم إلى فؤاد قادر على اتخاذ القرار. هذه الرُّوح التي تجعلُ الكائنات التي تحلُّ فيها محلَّا للامتحان تبدو أيضا كمخزنٍ يحفظُ المعلومات التي يتوصل إليها.
اللهم اجعلنا من الذين اهتدت أوراحُهم لروحِ أمرك، واجعلنا من المخلَصين المهتدين الفائزين في الدارين.. آمين
وقف السليمانية/مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الترجمة إلى العربية: جمال نجم
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ) معجم مقاييس اللغة 2/454 ، المحقق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1399هـ – 1979م.
[2] انظر سورة البقرة 2/34
[3] ابن منظور (المتوفى: 711هـ) لسان العرب، مادة قدس 6/168، دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة – 1414 هـ
[4] الخليل بن أحمد، كتاب العين، مادة قدس، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، إيران 1409 هـ
[5] وأصل الصلاة عدم ترك الشَّيء ودوام الاتصال به. (انظر لسان العرب لابن منظور، مادة الصَّلاة) وهذه الآية تشير إلى أن الله تعالى وملائكته دائمو التَّأييد والإعانة للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم.
[6] التعبير بـ (يعرشون) يناسب العاقل، والمقصود هنا البشر، أي مما يعرش النَّاس للنَّحل فتتخذه بيوتا، فيسهل عليهم رعايتها وجمع العسل منها.
[7] انظر موسوعة وقف الديانة التركي، مادة عقل.
[8] العذاب الشديد في الآية بمعنى العذاب المرتبط بشدة بالذنب، لأنَّ إكرام الله تعالى للعبد أو جزاءه إياه يكون متناسبا مع فعله، وهو ما حاول سليمان فعله حقا. يقول الله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (الأنعام 6/160) أما الإكرام بالمضاعفة فهو من كرم الله تعالى وإحسانه.
[9] وقد سميت النطفة علقة لأنها تعلق بجدار الرحم.
[10] وقوله تعالى واصفا نفسه بـ (أحسن الخالقين) بصيغة التفضيل يشير إلى أن البشر يمكنهم أن يخلقوا أيضا، لكن خلق الله تعالى هو الأكمل والأحسن مطلقا.
[11] الخداع: إنزالُ الغير عمَّا هو بصدده بأمرٍ يبديه على خلاف ما يُخفيه. انظر مفرادت الرَّاغب مادة خدع
[12] المرض الثَّاني ناجمٌ عن الكذب الذي يُضَافُ إلى مرض عدم الثِّقة الكاملة بالله تعالى. وسوف يَروْن عقاب هاتين الجريمتين في الدُّنيا قبل الآخرة. يقول الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (التوبة 9/101)
[13] هي كجسد ثانٍ لكنَّه ليس ماديا محسوسا.
[14] انظر الكهف 18/25
[15] هذا يقال يوم القيامة، والمعنى سيدخلون الجنة. وقد استخدمت كلمة ادخلوا في الآية تعبيرا عن سرعة دخولهم الجنَّة لأنَّ الميت لن يرى فترة موته سوى سويعات قليلة، ويسمى هذا النَّوع من التعبير في البلاغة العربية بـ “الالتفات” وهو الانتقال في الحديث من الغائب إلى المخاطب أو العكس، ويكون الحديث عن نفس المذكور أولا.
[16] مفهوم الوقت بالنسبة لله تعالى يختلف عن مفهومنا له. ألف سنة بالنسبة إلينا هي عند الله تعالى يوم واحد (الحج 22/27). ولأن الناس كلهم يكونون موتى يوم القيامة فإن اليوم الذي تصعد فيه الروح والملائكة إلى السماء المقدر بـ 50000 هو السنين بالنسبة لله تعالى. ولأن السنة القمرية هي المعتبرة عند الله تعالى فإن كل سنة تساوي 354 يوما. وهكذا فإنَّ الألف سنة تساوي 17 مليون 700 ألف يوم، وبالنسبة إلينا فإن 50000 سنة التي بين القيامة والبعث فإنها تعادل 17 مليارا و700 مليون سنة تقريبا. هذا الزمن يعلمه الله تعالى، أمَّا البشر فلا يستطيعون إدراكه أصلا ويمرُّ بالنسبة إليهم كيوم أو بعض يوم. وأولئك الذين يجبرون النَّاس على قبول الاعتقاد في القدر بالرُّغم من أنَّه يتعارض مع القرآن لا يزال يتعيَّن عليهم التَّمسُّك بالافتراء القائل بأنَّ أفعال الله تعالى منزَّهةٌ عن الزَّمان.
[17] آل عمران 59، الروم 20، الكهف 37، الحج 5، فاطر 11، غافر 67
[18] لمزيد من المعلومات حول الموضوع انظر مقالة عبد العزيز بايندر (عالم الإنسان والكائنات) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=1751
آمين يارب ماشاء الله جزاك الله عنا كل خير
ماشاء الله كلما قرأت اكثر فهمت ايات القران اكثر فتح الله عليكم ونفع بكم الامة وجزاكم عنا كل خير.