حبل الله
دعوة إلى التوحيد

دعوة إلى التوحيد

دعوة إلى التوحيد

هل كان إبراهيم عليه السَّلام مشركاً؟

الكاتب: هشام العبد

تمهيد:

يُعتبرُ موضوع الشِّرك بالله من المواضيع الحسَّاسة والمهمَّة في الحياة الدِّينيَّة للناس جميعاً، ويتحدَّثُ القرآن الكريم عن الشرك ويصفه بالذَّنب الذي لا يُغتفر ويُحذِّرنا من الوقوع فيه، ويحكي لنا في كثيرٍ من آياته عن الأسباب التي يراها المشركون مبرِّراً لوقوعهم في الشِّرك، كما يبيِّنُ لنا طريق التوحيد المستقيم الذي علينا أن نسلكه إذا أردنا النجاة من عذاب الله في الدُّنيا والآخرة.

المتتبعُ لقصَّة إبراهيم عليه السَّلام يرى مثالاً واضحاً عن معركةٍ كبيرةٍ بين الشِّرك والتوحيد، طرفا هذه المعركة كانا إبراهيم من جهة ووالده وقومه من جهةٍ أُخرى.

سنحاول في هذه المقالة الموجزة قراءةَ موضوع الشرك مُتخذين من موقف إبراهيم عليه السَّلام منارةً لنا فيما سنطرحه من أفكارٍ سنحاول دعمها بالآيات القرآنية لإزالة التشويش الذي قد يخالط عقولنا عند محاولة فهم موضوع الشرك.

فضَّلنا أن نستهلَّ مقالتنا هذه بالحديث عن ركيزتين يجب أن تتوافرا في كلِّ شخصٍ يريد الابتعاد عن الوقوع في الشِّرك.

  1. العلم والقيام بالقسط هما ركيزتا التوحيد:

يقولُ اللهُ تعالى:

“شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” آل عمران (3/18)

نجدُ أنَّ الله تعالى ربطَ بين الشَّهادة بوحدانيته وبين شيئين اثنين يجب أن يكونا متوافرين في الشَّخص الذي يؤمن بوحدانية الله: العلم والقِسط.

رأينا في مقالة سابقة لنا بعنوان (مصطلح الهدى في القرآن الكريم)[1]لنا أنَّ الهداية هي هداية الله، وبأنَّ العلم الذي أرسله الله تعالى إلينا عبر رسله هو سبيل الهداية، فلا هداية دون اتباعٍ للوحي الإلهي.

لكنَّ العلم وحدَه غيرُ كافٍ لإنقاذ صاحبه من الوقوع في الشِّرك، بل يجب أن يترافق مع العلم”الوحي الإلهي” القيامُ بالقسط، أي الابتعاد عن التكبِّر على آيات الله.

فرعون مثلاً كان مُيقناً مع مناصريه بأنَّ ما جاءه به موسى هو الحقُّ من الله لكنَّه أعرضَ عن الحقِّ بسبب ظلمه وتكبره كما تحكي لنا الآيةُ القرآنية التالية:

“وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ” النمل (27/14)

أي أنَّ فرعون-مع كونه صاحب علم_ لم يكن قائماً بالقسط، بل كان متكبراً ووصلَ به الغرور والظلم إلى درجة ادعى بها الألوهية:

“فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ، وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ” القصص (28/36_38)

كان فرعون يحاول منازعة الله في ربوبيته، وكان يتصور بأنَّه الربُّ الأعلى للناس، ووصلت به الجرأةُ إلى إعلان ذلك على الملأ:

“اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ، فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ، وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ، فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ، فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ، فَحَشَرَ فَنَادَىٰ، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ” النازعات (79/17_24)

لقد وضَّحَ النبيُّ الكريم بشكلٍ باهر حالةَ من يقبل بهدى الله ورسالته وبين من يرفضه  من خلال الرواية التالية المنسوبة إليه:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاَءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ  يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِه»[2].

  1. الإيمان بربوبية الله في فطرة كل إنسان:

إنَّ الإيمان بربوبية الله مزروعٌ في قلب وعقل كلِّ بني آدم، فلا يشكُّ أحدٌ بأنَّ الله هو ربُّه كما تُخبرنا بذلك الآية الكريمة:

“وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ” الأعراف (7/172)

لكنَّ الذهنية التي تشرك بالله تقوم على فكرة أنَّ الأرباب المعبودين من دون الله يُقرِّبون العابدين إلى الله، أي أنَّ المشركين يعتقدون أنَّهم يتقربون إلى الله بشركهم كما تصف ذلك الآية الكريمة:

“أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ” الزُّمر (39/3)

إنَّ اتخاذ أولياء أو أرباب بين العبد وبين ربه هو الشرك الذي لا يُغتفر:

“إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا” النِّساء (4/48)

لا ينفي المشركُ كونَ الله ربَّه، لكنَّه يعدلُ معه أرباباً آخرين كما تُخبرنا الآيةُ الكريمة:

“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ” الأنعام (6/1)

نرى من خلال تتبعنا للآيات القرآنية أنَّ بعض المشركين وقعوا في الشرك بسبب جهلهم برسالة الله، لذلك يأمرُ اللهُ تعالى نبيَّه بإعطائهم الأمان إن استجاروا به وبإسماعهم آياته حتى لا تبقى في أيديهم حجةٌ أمام الله:

“وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ” التوبة (9/6)

كأننا حين نقرأ هذه الآية بتمعن نجدُ أنَّ عدم تبليغ رسالة الله لأولئك المشركين ربَّما يكون لهم بمثابة المعذرة التي تجعلهم يداومون على شركهم.[3]

  1. البيِّنة سبيلُ انفكاك المشركين عن شركهم:

إنَّ رسالات الله جاءت لتبيِّنَ للناس جميعاً طريق الرُّشد، لكنَّ بعضَ النَّاس يُصرِّون مع ذلك على سلوك طريق الغي، وهم بذلك يستخدمون حريتهم في الاختيار، فاللهُ تعالى لا يقبلُ إيماناً مفروضاً بالقوة، فهو يقول:

“لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” البقرة (2/256)

إنَّ طريقَ الرُّشد واحدٌ وهو نتيجة قبول آيات الله والعمل بمقتضاها، وعلى هذا الطَّريق يسير المؤمنون بالله جميعاً:

“وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا” النساء (4/115-116)

أمَّا طرق الغي فهي كثيرةٌ لأنَّها ناتجةٌ عن وحي الشَّياطين لأتباعها لإبعادهم عن طريق الرُّشد:

“وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” الأنعام (6/153) 

ويقولُ اللهُ تعالى:

“لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ، وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ” البيِّنة (98/1_5)

وفق هذه الآيات فإنَّ القرآن الكريم كان سبيلاً لانفكاك الكفَّار عن كفرهم والمشركين عن شركهم، فالذين استجابوا لرسالة الله قائمين بالقسط نجوا من الكفر والشرك، لكنَّ الذين تعاموا عن آيات الله وظلموا أنفسهم غرقوا في ظلمات الجهل والكفر والشرك.

  1. الأنبياء دَعوا إلى عبادة إلهٍ واحد:

يقولُ اللهُ تعالى:

“وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ” الأنبياء (21/25)

ويقولُ تعالى في آيةٍ أُخرى:

“وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ” الزخرف (43/45)

لقد كانت الوظيفةُ الأولى لكلِّ أنبياء الله هي دعوة الناس إلى عبادة إلهٍ واحدٍ جديرٍ بالعبادة، وقد خاض أنبياءُ الله تعالى في سبيل تلك الدعوة معارك فكرية مع المشركين، وتحمَّلوا في تلك المعارك من الأذى الجسدي والنفسي ما يصعبُ على الإنسان أن يتحمله، لذلك فقد دعا اللهُ تعالى نبيَّه الخاتم إلى الصَّبر وتحمُّل مشاق الدعوة كما تحمَّل ذلك أولوا العزم من الرسل من قبله:

“فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ” الأحقاف (46/35)

اعتنى القرآنُ الكريمُ بموضوع التوحيد عنايةً كبيرة، وحذَّرَ اللهُ تعالى حتى أنبياءه من الوقوع في الشرك:

“وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” الزُّمر (39/65)

“وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ” الحج (22/26)

إنَّ الوعدَ الإلهي للمسلمين بتمكينهم في الآرض وبنشر الأمان بينهم مرتبطٌ بالتوحيد وعبادة الله دون شرك كما يقولُ تعالى:

“وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” النُّور (24/55)

لذلك نجدُ أنَّ الأنبياء حرصوا على دعوة أقوامهم إلى التوحيد قبل أيِّ شيءٍ آخر، فالتوحيد هو العمودُ الذي تقومُ عليه كلُّ العبادات الأُخرى:

“فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ، وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ” الذاريات (51/50_51)

لقد قال كلُّ نبيٍّ لقومه كما قال نوح: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ” الأعراف (7/59)

كان التحذيرُ من الوقوع في الشِّرك هو أوَّل نصائح لقمان لابنه، حيث يقولُ تعالى:

“وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” لقمان (31/13).

إنَّ بعض أهل الكتاب كفروا بالله حين جعلوا معه آلهةً أُخرى، وقد كان عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام يُحذرهم من التمادي في كفرهم وشركهم، لكنَّهم تعاموا عن رؤية الحقيقة وأصمُّوا آذانَهم عن سماعها كما تصفُ لنا الآياتُ القرآنية التالية:

“لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ، لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ، قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ” المائدة (5/72_77)

  1. مثال عن المعركة بين الشِّرك والتوحيد:

يقولُ اللهُ تعالى نافياً كونَ إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام من المشركين:

“مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” آل عِمران (3/67)

“قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” آل عمران (3/95)

ويقولُ واصفاً حالَ إبراهيم عليه السَّلام في آياتٍ أُخرى:

“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” الأنعام (6/74-79)

قد يتساءلُ بعضُ النَّاس مُحقِّين : كيف يقولُ اللهُ تعالى في آية آل عمران إنَّ إبراهيم ما كان من المشركين، بينما يذكرُ إبراهيمُ عليه السَّلام الكوكبَ والقمر والشمس التي رآها ليلاً بأنَّها أربابٌ له؟ ألا يُعتَبرُ ذلك شركاً؟ ألا يوجدُ تناقضٌ في المعنى بين آيةُ آل عمران وآيات سورة الأنعام ؟!

وحين نهمُّ بالإجابة على هذه الأسئلة لا بُدَّ أن يقفزَ إلى أذهاننا مقطعٌ من حوار إبراهيم عليه السَّلام مع أبيه آزر حيثُ يقولُ اللهُ تعالى:

“وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا، يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا، يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا، يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا، قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا، قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا، وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا” مريم (19/43)

إنَّ قولَ إبراهيم عليه السَّلام لأبيه : “يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا” هو مفتاحُ الإجابة على الأسئلة التي طُرِحتْ حول التناقض الظاهري البادي بين آية سورة آل عمران وآيات سورة الأنعام المذكورة سابقاً.

نرى أنَّ إبراهيم عليه السَّلام قد استقبلَ علماً جعله يبتعدُ عن طريق أبيه وقومه المشركين، فاهتدى إلى الصِّراطِ السَّويِّ، وعندما حاولَ إبراهيمُ عليه السَّلام تبليغَ ذلك العِلم إلى والده استكبرَ الوالدُ عن قبول دعوة الابن وأصرَّ على السَّير في طريق الشِّرك بعد أن بلغَه العلمُ اليقينيُّ.

إنَّ إبراهيم عليه السَّلام حين قال عن الكوكب : “هَٰذَا رَبِّي”، وعن القمر : “هَٰذَا رَبِّي”، وعن الشَّمس :”هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ” فهو لا شكَّ وقعَ في الشِّرك لكنَّ اللهَ تعالى ينفي عن إبراهيم عليه السَّلام كونه مُشركاً “وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”. فهل يُمكننا القولُ استناداً إلى ما سبقَ من حوار إبراهيم مع والده بأنَّ الوقوعَ في الأفعال الشِّركيَّة والإصرار عليها بعد وصول العلم إلى فاعلها هو الشرك الذي لا يغفر الله تعالى لفاعله؟!

استحقَّ والدُ إبراهيم صفة “عدو الله” لأنَّه تعامى عن العلم الذي جاءَه به إبراهيمُ عليه السَّلام، لذلك ما كان موقفُ إبراهيم عليه السَّلام بعد ذلك سوى أن تبرَّأ من والده واعتزله واعتزل قومَه المشركين، فلا يجوزُ لمُسلمٍ أن يستغفرَ لمشركٍ كما يقولُ تعالى:

“مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ، وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” التَّوبة (9/113-115)

فالمشركون هم أصحابُ الجحيم لأنَّهم اختاروا التَّعامي عن هدى الله الذي أقامَ عليهم الحُجَّةَ وأرسلَ إليهم مَن يُبيِّنُ لهم عاقبة أمرهم، وهؤلاء المشركون لا يُقامُ لهم يوم القيامة وزنٌ كما يقولُ تعالى:

” قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا، ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا” الكهف (18/103-106)

فكلُّ مُشركٍ هو كافرٌ في ذات الوقت لأنَّه تجاهلَ الحقيقةَ بعد رؤيتها وتجاهلَ رسالةَ الله بعد وصولها إليه، ولا يغفرُ اللهُ تعالى لمشركٍ كما تقولُ الآيةُ الكريمة:

“إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا” النِّساء (4/48)

إنَّ المُشركَ الذي لا يُغفرُ له وفق هذه الآية هو الشَّخصُ الذي أصرَّ على شركه بعد وصول رسالة الله إليه، وعلى ضوء هذه الحقيقة يُمكننا بسهولة فهمُ السَّبب الذي دعا عيسى عليه السَّلام للقول في حقِّ أولئك الذين اتخذوه وأمَّه إلهين من دون الله:

“إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” المائدة (5/118)

لا شكَّ في أنَّ الادعاءَ بأنَّ عيسى وأمَّه آلهةٌ من دون الله شركٌ، ولا شكَّ بأنَّ عيسى عليه السَّلام يعلمُ جيِّداً أنَّ الله لا يغفرُ للمشركين، إذاً فالسَّببُ الذي دعاه إلى الاعتقاد بأنَّ الله قد يغفر لبعض القائلين بذلك هو إدراكه بأنَّ العلمَ الذي جاءَه لم يصلْ بعضَ القائلين بكونه مع أمِّه إلهين من دون الله، وهنا نقرأُ الآياتِ كاملةً في هذا الموضوع:

“وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” المائدة (5/116-118)

اتخذَ إبراهيمُ عليه السَّلام قرارَه النهائيَّ بعد وصول العلم إليه وبدأ بمجادلة قومه على أساس ذلك العلم، لذلك فقد بدا قويَّاً مُطمئناً في أقواله ومحاججته لهم:

“وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ، وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ، وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ” الأنعام (6/81_83)

إنَّ وصولَ رسالة الله إلى أيدينا تُقيمُ الحجَّةَ علينا فلا يبقَ عندئذٍ معذرةٌ لأحدٍ منَّا أصرَّ على السَّير في طريق الشِّرك، لذلك نجدُ اللهُ تعالى في عدَّة آيات يُحذِّرُ نبيَّه الخاتم من أن يكونَ من المُشركين:

“قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ” الأنعام (6/19)

“وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” الزُّمر (39/65)

“قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ” الرَّعد (13/36)

إنَّ الرَّجلَ الذي آمنَ برسالة موسى قد جهرَ بصوته في قوم فرعون داعياً إيَّاهم إلى ترك طريق الشِّرك بعد أن بيَّنَ لهم موسى رسالةَ الله ولم يترك لهم حجَّةٍ للاستمرار في ضلالهم:

“وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ، مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ، تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ” غافر (40/42)

  1. حوار القرآن مع المشركين:

نجدُ في كتاب الله تعالى آياتٍ كثيرة تتحدث عن حوارٍ بين أنبياء الله تعالى وبين المشركين، وقد تنوعت الأساليبُ المستخدمة من أنبياء الله الذين حاولوا جاهدين ثني المشركين عن شركهم وهدايتهم إلى صراط الله المستقيم.

أ.

نجدُ إبراهيم عليه السَّلام منذ نشأته الأولى يدعو قومه إلى ترك ما كان عليه آباؤهم من عبادة الأصنام، حتَّى أنه اضطرَّ إلى تكسير بعض أصنامهم ليُبيِّن لهم أنَّ تلك الأصنام لا يمكن أن تكون آلهةً أو أرباباً، فهي لا تملك لنفسها نفعاً ولا تردُّ عن نفسها ضرراً، لقد حاول إبراهيم عليه السلام بذلك إحداثَ صدمة عقلية تُعيد أباه وقومه إلى رشدهم كما تصف الآيات التالية:

“وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ، قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ، قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ، وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ، قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ، قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ، قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ، قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ، فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ، قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ، أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ”. الأنبياء (21/51_70)

ب.

استخدمَ القرآنُ الكريمُ أسلوب تحفيز الذهن واستثارته لدفع المشركين إلى الاعتراف بوحدانية الله في موضوع التصرُّف بالأمور الكونية، وقد كان المشركون في كل مرة يعترفون بذلك، وكانوا كلَّما شعروا بالخطر يسارعون إلى دعاء الله وحده، فإذا زالَ عنهم الخطر عادوا إلى شركهم كما تُخبرنا الآيات القرآنية التالية:

“وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ، اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ، لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ” العنكبوت (29/61_66)

“قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ” الأنعام (6/40)

فالمشرك يعترفُ بالله خالقاً واحداً لكنَّه مع ذلك يصرُّ على اتخاذ شريكٍ لله تعالى:

“وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ” الزُّمر (39/38) 

ت.

يدعو القرآنُ الكريمُ المشركين إلى الاحتكام إلى العلم والعقل والبرهان، فهو يدخلُ معهم في حوارٍ هادئٍ محاولاً دفعهم إلى التفكير وإعمال العقل:

“قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ” الأحقاف (46/4_6)

ث.

ردَّ القرآنُ الكريمُ شبهاتٍ ادعاها بعضُ المشركين وفحواها بأنَّ الله هو الذي شاء لهم أن يشركوا، وبيَّنَ لنا أنهم يكذبون بذلك على الله، فلو لم يرد الله هدايتهم لما أرسلَ لهم الرُّسل ولما أذاق الأمم التي كذَّبت رسله العذابَ الأليم، هذا ما تصفه الآية التالية:

“سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ، قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ” الأنعام (6/148_149)

إنَّ الادعاءَ بأنَّ الله تعالى هو الذي اختارَ للمشركين أن يكونوا على طريق الضَّلالة افتراءٌ وكذبٌ كما رأينا من الآيتين السابقتين، لو أراد الله إخضاعَ الناس جميعاً بالقوة لفعل ذلك دون أدنى شك، لكنَّ ذلك لو حصلَ يُخالفُ مبدأ الامتحان الذي خلقَ اللهُ تعالى الموت والحياة من أجل إخضاع الإنسان له، ومبدأ الامتحان يقتضي بالضرورة أن يكون الإنسانُ حُرَّاً في اختياراته، فلا يُعقل أن يُحاسب اللهُ تعالى الناس على ما لا حرية لهم فيه:

“هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا، إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا، إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا، إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا” الإنسان (76/1_5)

ج.

يدعو القرآنُ الكريمُ المشركين إلى إعمال عقولهم، فلا يُعقلُ أن يقدرَ أحدٌ سوى الله تعالى على إحياء الموتى، ولا يُعقلُ أن في الكون إلهاً آخر سوى الله تعالى:

“أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ، لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۖ هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ” الأنبياء (21/21_24)

إنَّ الشرك بالله تعالى خرافةٌ وأوهامٌ يجب أن يصحو منها المشركون، فهو ضررٌ بعقلية الإنسان وإهانةٌ لفطرته التي خلقه الله تعالى عليها:

“أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ، وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ” الأعراف (7/191_195)

وذكر الله تعالى بعض أضرار الشرك في الدنيا قبل الآخرة في قصة صاحب الجنتين:

“وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا، هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” الكهف (18/32_44)

وقف السليمانية/مركز بحوث الدين والفطرة

الموقع: حبل الله www.hablullah.com

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] لقراءة المقالة السابقة كاملة يرجى الضغط على الرابط التالي: http://www.hablullah.com/?p=3302 

[2] صحيح البخاري، كتاب العلم، بَابُ فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ، حديث رقم: 79

[3] لقراءة مقالتنا (هل يُعذِّبُ اللهُ قوماً لم يرسل لهم رسولاً؟) المفصلة حول هذا الموضوع يُرجى الضغط على الرابط التالي: http://www.hablullah.com/?p=3311

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.