حبل الله
الإنابة في الحجِّ والعمرة

الإنابة في الحجِّ والعمرة

السؤال: أعتقد أنه لا يجوز عمل أي عمل بعد موت الإنسان إلا الحالات الثلاث الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم . ولكنَّ هناك أحاديث يستدل بها بعض الناس على جواز الحج والعمرة عن الميت وهي كالآتي : في الترمذي عن أبي رزين العقيلي: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: حُجَّ عن أبيك واعتمر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما ذكرت العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يعتمر الرجل عن غيره. وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر. اهـ ويدل لجواز العمرة عن الغير ما رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة! قال: من شبرمة؟ قال أخ لي أو قريب لي، فقال: حججت عن نفسك ؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم عن شبرمة. قال الترمذي: حسن صحيح . والعمرة والحج في ذلك سواء. فما ردكم عليها …أرجو التفصيل فيها جزاكم الله خيرا.

الجواب: معلومٌ أنَّ الحجَّ فرض على من استطاع إليه سبيلا، وقد نُقل إلينا الكثير من الأحاديث التي تبين مناسك الحج ومقاصده، لكنَّه لم يُنقل أيُّ حديث صحيح يُبيِّن أنَّ كبيرَ السنِّ أو المريض القادر ماليا بإمكانه أن يكلف شخصا آخر لأن يحجَّ عنه مقابل أجرة.

الأحاديث التي أوردتها في سؤالك ليست صحيحة السند، كما أنَّ متنها لا يتوافق مع ما قرَّره القرآن من مسؤولية الإنسان عن نفسه، قال الله تعالى:

{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (البقرة، 281)

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران، 30)

{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (النحل، 111)

{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر، 38)

هذه الآيات وأمثالها تقرر أنَّ كلَّ إنسانٍ مسؤولٌ عن نفسه تجاه خالقه ، وهذا يقتضي أن يقوم كلُّ شخصٍ بما فُرض عليه من العبادات بنفسه، ولو كان الحجُّ استثناءً للزم بيانُه في كتاب الله تعالى، ولمَّا لم يوجد في الكتاب ما يدلُّ على الاستثناء لزم العمل بالأصل، وهو لزوم أن يحجَّ كلُّ إنسان عن نفسه، فمن استطاع الحج لزمه المبادرة إليه.

يصادف أن يكون الإنسان قادرا على الحجِّ لكنَّه يؤجِّل الذَّهاب إليه حتى يدخلَ في حالة من عدم القدرة عليه بسبب المرض أو الهرم. ويتساءل البعض هل يمكن لهذا الشخص أن يُنيب عنه غيرُه ليحجَّ عنه مقابل أجرة؟

وقد تبين من خلال الآيات التي سقناها أنَّه لا يصحُّ الإنابة في العبادات كلِّها..

لكنَّه لو تكفَّل بنفقات حجِّ إنسانٍ فقيرٍ على حسابه الخاصِّ فهو أمرٌ حسن، ولا يصحُّ أن يُقال بأن ذلك بديلاً عن حجّه، لكنَّه برٌ في عبادة قصَّر فيها، لعل أن يكون هذا سبباً في أن يغفر اللهُ تعالى له تقصيرَه، ذلك أن الله تعالى قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود 114)

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.