حبل الله
الخروج على الحكام الفاسدين وثورات الربيع العربي

الخروج على الحكام الفاسدين وثورات الربيع العربي

السؤال: هل يجوز الخروج على الحاكم أم لا؟ وما قولكم بالثورات التي حدثت في الدول العربية ما يسمى"الربيع العربي" وما حكم المظاهرات التي يخرج بها المتظاهرون للمطالبة بحقوقهم هل تجوز؟ أم أنَّ هناك طرقا أخرى للمطالبة بالحقوق؟

الجواب: الأصل أن يتواصى النَّاس بالحق، ومن ضمن ذلك العمل على تصحيح الحكام إذا أخطأوا، ويكون ذلك بالوسائل الممكنة التي لا تؤدي إلى فساد أكبر من فساد الحكام أنفسهم، لذا لا يمكن إعطاء حكم عام في المسألة، بل يُنظر إلى كلِّ حالة على حدة. والمطلوب من المسلم أن يتحرَّى الحقَّ في كلِّ تصرفاته، وأن لا ينجرَّ وراء العواطف وأن لا ينخدع بالشِّعارات.

إنَّ حالة المسلمين اليوم تحتاج إلى مراجعة شاملة وإعادة هيكلة لمفاهيمهم بحسب كتاب الله تعالى، لأنّ الهداية لما فيه الخير في الدنيا والآخرة موجود حصرا في القرآن. قال الله تعالى:

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام، 153)

ولا يتمكَّن الإنسانُ من السير في سبيل الله إلا بضوء من كتابه سبحانه، وهو ما يظهر من قوله تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة، 2) {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام، 155) وقد بيَّن سبحانه ضرورة الاعتصام به وعدم الافتراق عنه بقوله {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران، 103)

 فكتاب الله _مثلا_  يأمر بالعدل:

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل، 90)

لقد جعل الله تعالى غاية إقامة العدل سببا لبعث الرسل وإنزال البينات عليهم كما جاء في قوله تعالى:

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد، 25)

والعدل مطلوبٌ من كلِّ مسلم؛ لذا يجب أن نحقِّقَه في نفوسنا قبل أن نثور على الحكام بسببه، ونحن نعلم أن كثيرا ممن يخرجون على الحكام لو قُدَّر لك أن ترى تصرفاتهم في بيوتهم فإنك سترى ظلما بواحا، فكم من أخ ظلم أخته بمنعها من ميراث أبيها، وكم من زوج ظلم زوجته وكم وكم…

علينا أن نقيم العدل في نفوسنا أولا، بعد ذلك لا بدَّ أن يعمَّ الناسَ كافةً حتى حكامهم.

إن القفز على هذه الحقائق أدَّى بثورات الربيع العربي إلى اقتتال وخراب وفساد، ذلك أنَّ من ثاروا على الفاسدين لم يكونوا مثالا للصلاح والعدل.

إذن يلزمنا العمل على إصلاح أنفسنا وأسرنا الذي يؤدي إلى صلاح المجتمعِ، والمجتمعُ الصالح سيلفظ هؤلاء الفاسدين بشكل تلقائي دون الحاجة إلى إراقة دماء. ولنا في أنبياء الله أسوةٌ حسنة، حيث لم يدْعُ نبيٌّ قومَه للثورة على الحاكم، إنما كانوا دعاةً للحقِّ عاملين به، يُعطون القدوة في العدل والعلم والتَّقوى والعمل الصالح. وهكذا يتمُّ التغيير. يقول الله تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد، 11)

فإذا أرادت الأمة أن تخرج من محنها فلا بدَّ من التزام أبنائها بمنهج القرآن، هذا المنهج المُغيَّب الذي حلَّت محلَّه أقوالُ الطوائفِ والمذاهبِ وآراءُ علماءِ السلطانِ والأحزابِ والجماعاتِ، فلم يعد هو المسيطرُ على التَّفكير الجمعي للأمَّة، لذا كان من الطبيعي أن تحلَّ بها المصائبُ ويتسلطَ عليها الجهلةُ والمستبدون الفاسدون.

وكلُّ محاولة للنُّهوض والتَّغيير لا تنطلق من منهج القرآن فهي إلى خسران آجلا أو عاجلا.

التعليقات

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.