حبل الله
العلاقة بين الربا والطاغوت من حيث المعنى والتطبيق

العلاقة بين الربا والطاغوت من حيث المعنى والتطبيق

العلاقة بين الربا والطاغوت من حيث المعنى والتطبيق

الربا لغة الزيادة والنماء[1] واصطلاحا هو الزيادة المشروطة في عقد الدين. وقد نص القرآن الكريم على تحريمه لما فيه من الضرر على الضعفاء خاصة وعلى عموم الحركة الاقتصادية عامة كما سيأتي بيانه.

والطاغوت، يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث: وزنه فعلوت، وهو كل معبود من دون الله عز وجل وقيل: الكهنة والشياطين، وكل رأس في الضلال. قد يكون واحدا؛ قال تعالى: “يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به” ؛ وقد يكون جمعا؛ قال تعالى: “والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت” والطاغوت يكون من الجن والإنس[2].

وسُمي الشيطان به لشدة طغيانه، وصار يُعرف به كل إنسان تجاوز ظلمه الحدود وطار ذكره في الآفاق، وقد ضرب لنا القرآن أمثلة عن الطواغيت؛ منهم فرعون وهامان وقارون.

يذكر لنا القرآن الكريم اعتزاز الطواغيت بالمال حيث يُشكل مصدرا هاما للسطوة على الخلق، ومن ذلك ما نقله عن فرعون {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الزخرف، 51) كما ذكر قارون وتطاوله على الناس بما آتاه الله تعالى من الأموال والزينة[3] .

يمكن للطاغوت أن يكون شخصا متنفذا، وقد يكون صاحب سلطان، كما يمكن أن يكون شخصية اعتبارية كالمؤسسات والجمعيات والنوادي والبنوك. وقد يكون رجل دين أو مؤسسة دينية.

إن علاقة الطاغوت بالربا علاقة متلازمة، فلا يمكن للطغاة تنفيذ مآربهم إلا بآليات اقتصادية تمكنهم من مواصلة السيطرة والتحكم في معايش الناس ومواردهم، فكان الربا العصا السحرية التي تمكنهم من رقاب الخلق عبر الزمان والمكان فيسلبون أموال الناس وجهودهم دون تعب أو مخاطرة.

عُرف الربا عبر العصور كاداة للسيطرة والتحكم، فكان موضوع الصراع بين الطواغيت والمصلحين في العصور القديمة.

فقد عرفه الفراعنة كنظام يكرِّس السيطرة والاستعباد، وقد حُدِّدت له نسب تفاوتت من حين لآخر[4]. كما عرفه السوماريون والبابليون والآشوريون واليونانيون، حيث كان يتفاوت في شكله ونظمه من قوم إلى قوم ومن زمان إلى آخر.

وبالرغم من ذلك كان كل عصر لا يعدم دعاة الفضيلة الذين ينافحون دون إهدار كرامة الانسان كأفلاطون وأرسطو _مثلا_ فقد نهى أفلاطون عن القرض بفائدة [5]. واعتبر “أرسطو” أن الفائدة مهما كان مقدارها فهي كسب غير طبيعي، حيث من غير المعقول أن ينتج النقد وحده غلة من غير أن يشترك صاحبه في أي عمل أو أن يتحمل عبئه، فيقول: “إن النقد لا يلد النقد”، ويقصد أن الغلات الطبيعية أساسها متولد من الأشياء ذاتها، إما تولدا طبيعيا كالزرع والحيوان أو تولدا صناعيا باستعمال الوسائل الصناعية أو تولدا تجاريا عن طريق التجارة[6].

 وقد عَرَفه العربُ في الجاهلية ، وكانوا يتعاملون به، روى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي؟ فَإِنْ قَضَى أَخَذَ وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الْأَجَلِ[7]. فيتراكم الدَّين على المدين حتي ينتهي الأمر باستعباد المدين أحيانا أو بتقديم أحد أبنائه كسداد للدين أحيانا أخرى، لذا عُرف الربا كأحد أهم أسباب العبودية ومواردها.

ومع ذلك كان العرب يعرفون خُبثَ الربا، وأنَّه كسْب حرام، فقد كانوا يجنبون خدمة الكعبة المشرفة هذا المال، يُروى عن ابن وهب بن عمرو بن عائذ[8] أنَّه قال مخاطبًا قريشًا عند إعادة بناء الكعبة: “يا معشرَ قريش، لا تُدخِلوا في بنيانها من كسبكم إلاَّ طيِّبًا، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع رِبا، ولا مظلمة أحد من الناس”[9]، وهذا أكبرُ دليل على خبث الرِّبا وخسَّته، واتفاق الناس – حتى في الجاهلية – على ذَمِّه.

للمزيد حول الموضوع انظر مقالة (الربا سلاح الطاغوت) على الرابط التالي  http://www.hablullah.com/?p=2713

 


[1]  لسان العرب، مادة ربا

[2]  المصدر السابق، مادة طغو

[3]  انظر الآيات (76_79) من سورة القصص

[4]  انظر أحمد حسن رضوان، دراسة تاريخية لنشأة الربا، مجلة البنوك الإسلامية، العدد 1985 ، 61، ص 11.

[5]  رفيق المصري، مصرف التنمية الإسلامي، محاولة جديدة في بيان حقيقة الربا والفائدة والبنك، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1981، ص 90

[6]  محمد أبو زهرة ، تحريم الربا، تنظيم اقتصادي، الطبعة الثانية 1985، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1985، ، ص 27 .

[7]  أبو الوليد سليمان القرطبي الباجي الأندلسي، المنتقى شرح الموطأ، (المتوفى: 474هـ)، الناشر: مطبعة السعادة – مصر، ط1، 1332 هـ، 5/65

[8]  حَزَن بن أبي وهب بن عمرو بن عائِذ بن عمران وابنه المُسَيَّب بن حَزَن وحفيده الفقيه التابعي الكبير سعيد بن المسيب. انظر جمهرة أنساب العرب، ابن بشر الكلبي (المتوفى: 204هـ)، المكتبة الشاملة، 1/19

[9]  أبو جعفر الطبري، تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري، دار التراث – بيروت، ط2 – 1387 هـ ،  2/287

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.