حبل الله
وظيفة الأنبياء تعليم الناس الكتاب والحكمة

وظيفة الأنبياء تعليم الناس الكتاب والحكمة

السؤال: ما هي وظيفة الأنبياء عليهم صلوات الله؟، هل هي مجرد التبليغ عن الله تعالى أم أن لهم وظيفة التشريع فيكونوا بذلك متممين للوحي؟

الجواب: الوظيفة الأساسية لكل نبي تبليغ رسالة الله إلى الخلق، ولا يكون البلاغ مكتملا إلا بتعليم الناس الكتاب والحكمة كما دلَّ عليه قوله تعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} (النساء، 54) وبعد أن ذكر الله تعالى أسماء ثمانية عشر نبيا وأشار إلى آبائهم وأبنائهم وإخوانهم أخبر أن هؤلاء جميعا قد آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة في قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} (الأنعام، 89)

إن رسالة الله تعالى تتضمن الكتاب والحكمة، ولا يصح للنبي الخروج عنهما، ولا يحق له أن يأتي بحكم غير حكم الله تعالى، ولا يصح أن يقال أن مهمة الأنبياء تتميم الوحي، لأن الوحي ينزل متدرجا حتى يكتمل كما دل عليه قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة، 3)،

ولما ألحَّ المشركون على رسول الله أن يأتي بآية تكون سببا في هدايتهم كان الرد الإلهي للرسول {… قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف، 203) ولما كان هذا القرآن كتابَ الهداية والنجاة جاء الأمر في الآية التالية بضرورة الإصغاء له {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف، 204) وليس الأمر لمجرد الاستماع، بل لفهم وتطبيق ما فيه من الأحكام.

والرسول مبلغ عن الله ما أُوحي إليه بمقتضى وظيفة التبليغ المكلف بها كما يظهر من قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (المائدة، 67)

ومن مقتضيات تبليغ الوحي تطبيقه بين الناس والحكم به، فقد أمر الله تعالى نبيه بقوله {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (المائدة، 49) وفي الآية التي تليها يبين سبحانه أن اللجوء إلى أي حكم سوى الحكم بكتابه هو جاهلية {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}  (المائدة، 50)

وقد طبق النبي الوحي بين أصحابه الكرام، وكان الأسوة الحسنة في تطبيقه، ومثالا يحتذى، وهذا ما دلّ عليه قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب، 21).

الأسوة تظهر في التطبيق لا بمجرد تبليغ النص، ومن هنا نفهم الوظيفة التامة المناطة بالنبي، ألا وهي التبليغ والتطبيق، وما بلغه النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن محفوظ بين دفتي المصحف وقد تكفل الله تعالى بحفظه بقوله { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر، 9)

وقد أمر الله تعالى نبيه أن يحكم بين الناس بالكتاب وفق المنهج الذي أراه الله إياه بقوله {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ …} (النساء، 105)

فحكم النبي هو الحكمة التي أُنزلت مع الكتاب. قال الله تعالى {وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} (النساء، 113) وقد بين الله تعالى أن من وظائف النبي تعليم الكتاب والحكمةِ بقوله {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (الجمعة، 2)

والحكمة هي المشار إليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه”[1] فالمِثْلُ هو الحكمة.

إنّ تعليم النبي الكتاب والحكمة هو تطبيق الكتاب بنصه وأحكامه بين الناس ليكون سببَ التزكية والفلاح للمؤمنين في الدنيا والآخرة. وبعض الأحكام التي كان يستنبطها النبي لم توجد في نص الكتاب صراحة، وإنّما هي كالمعادن في التراب لا يراها إلا الراسخون في العلم، وكما أن هذه المعادن مخلوقة مع الأرض فكذلك الحكمة منزلة مع الكتاب.

ونضرب لذلك مثلا بقوله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}(النساء، 103) فقوله تعالى {وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} أي اذكروا الله في ركوعكم وسجودكم. والجنوب جمع جنب وهو الناحية من الإنسان[2] وحسب الآية لا بد أن يكون المعنى أطراف الإنسان التي يعتمد عليها في ركوعه وسجوده. والسنة القولية والعملية تؤكد ذلك فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة، وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين، وأطراف القدمين» [3]

وعَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ»[4] وقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ما يدل على انتصاب القدمين عند السجود وملامسة أطراف أصابع القدمين الأرض[5] .

فالنبي متبع لا مبتدع، مبلغ لا مشرع، لأن التشريع من حق الله تعالى وهو وحده المنفرد بالأمر. قال الله تعالى {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ. وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران، 80)

وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة

المصدر: حبل الله  www.hablullah.com



[1] سنن أبي داوود، باب لزوم الجماعة، حديث رقم (3988)

[2] الجَنْبُ والجَنَبةُ والجانِبُ: شِقُّ الإِنْسانِ وَغَيْرِهِ. تَقُولُ: قعَدْتُ إِلَى جَنْب فُلَانٍ وَإِلَى جانِبه، بِمَعْنًى، وَالْجَمْعُ جُنُوبٌ وجَوانِبُ وجَنائبُ، الأَخيرة نَادِرَةٌ. (لسان العرب، مادة جنب). ولو كان القصد من قوله تعالى {وعلى جنوبكم} ما ذكره صاحب لسان العرب لوجب أن تكون كملة {جنوبكم} بالتثنية لا بالجمع. وعليه لا بد أن تكون كلمة الجنوب تعني أعضاء السجود.  لأنه لا يمكن أن يكون المعنى وجوب السجود على شقي الإنسان الأيمن والأيسر.

[3] صحيح البخاري، باب السجود على سبعة أعظم، (812)

[4] صحيح مسلم، باب الاعتدال في السجود،234 – (494)

[5] عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ. صحيح مسلم، باب ما يقول في الركوع، 222_(486)

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.