الباب الثاني: عقيدة الشرك
وقد عبر القرآن الكريم عن الآلهة المزعومة بـ “ما يُعْبَدُ من دون الله”. و كلمة “دون” في اللغة تعني: المداناة والمقاربة. يقال هذا دُونَ ذاك، أي هو أقرَبُ منه. وإِذا أردْتَ تحقيرَه قلتَ دُوَيْنَ. ولا يُشتقُّ منه فِعْلٌ. ويقال في الإِغراء: دُونَكَهُ! أي خُذْه، أقرُبْ منه وقرِّبْه منك. ويقولون أمرٌ دُونٌ، وثوب دُونٌ، أي قريبُ القِيمَة.[1] وعلى هذا فمعنى “من دون الله” أقل وأدنى مرتبة من الله.
يزعم المشرك أن الله تعالى بعيد عنه يصعب الوصول إليه إلا بالوسائط، كالملوك الذين لا يمكن الوصول إليهم إلا بوساطة من هو قريب منهم. لذا توسلوا إلى الله بمن يُزعم أنه قريب من الله. كما قال النصارى أنّ المسيح بن مريم هو ابن الله وتوسلوا به إليه. ومشركوا مكة سمّوا ما عبدوا من دون الله ببنات الله. والذين أرادوا أن يتقربوا إلى الله بالشيوخ الكبار سمّوهم بأولياء الله.
المشرك لا يشرك بالله في ذاته. أي أنه يؤمن بأن الله واحد. ولكنه يشرك بالله في صفاته. اي أنه يشرك بالله بإعطاء بعض الصفات الخاصة لله لبعض المخلوقات، فيجعله خالدا، ويزعم أنه يملك قوة السمع والبصر والإغاثة وغيرها من الأمور فوق العادة. ويعتقد أن هذه الميزات قد أعطيت لهم من الله تعالى.
كان مشركوا مكة يقولون حين يطوفون بالكعبة: “لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك”. قال ابن عباس فيقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم “ويلكم قدٍ قدٍ”.[2] ويمكننا أن نرسم هيكل الشرك على النحو التالي:
الشكل العام للشرك
نود الآن أن نلقي النظر على العناصر التي احتوى عليها الشكل:
1. الصراط المستقيم (أو الطريق الصحيح): وهو صراط الله الذي أمرنا أن نتبعه، وكلُّ مَن آمن وعمل عملا صالحا فهو على هذا الطريق. ونعني بالعمل الصالح امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه في السر والعلن. فالله تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد فيعلم ما توسوس به نفسه. والطريق الصحيح المستقيم هو الطريق الذي يقعد عليها الشيطان ليصد الناس عن سبيل الله. قال الله تعالى: «قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ» (الأعراف، 7 / 16 – 17).
والمصيبة الكبرى هي ما تأتي به شياطين الإنس الذين يقعدون على الصراط المستقيم متزيين بلباس الدِّين، ويدَّعون أنّهم يوصلون الناس إلى الله تعالى، وأبرز الأمثلة على هؤلاء؛ شيوخ الطرق الصوفية.
2. الآلهة: يعتقد المشركون أنّ الآلهة المزعومة تأخذ مكانها بين الله وبين الناس، ونظرا لطبيعتها اللاهوتية والناسوتية فإنها استحقت بذلك أن تكون واسطة بين الله وبين الناس.
3. أرواح الآباء: الإنسان مولع بتعظيم آبائه لا سيما من مات منهم. ويبالغ في تعظيمهم حتى يعطي لهم بعضا من الصفات التي يختص بها الله تعالى. وهذا ما نسميه تأليه الآباء. ونرى أنّ عقيدة وحدة الوجود والفناء في الله (أحوال الخشوع والإستغراق التام) قد نشأ من هذه الأفكار.
4. رجال الدين: رجال الدين، هم من يتزعمون الناس في دينهم، ويقدِّمون لهم الدين كما في الشكل السابق. ويعتقد أتباعهم أنّهم أُناس يحملون الخصائص الإلهية. لذا استحقوا أن يقوموا بوساطة بين الله تعالى وبين خلقه.
5. الإنسان: وهذه الشبكة المبنية من تلك الروابط تؤدي إلى سوء استعمال الشعور الديني لدى الإنسان؛ حيث يرتبط كثير الناس بهذه الشبكة من أجل المنافع المادية، وبالتالي فبدلا من أن يكون الدّين رافعة في علاقة الإنسان بربه بما يعكسه ذلك من رقي الفرد وابتعاده عن السلبية، إلا أن الأمر أصبح خلاف ذلك عندما أضحى الدّين وسيلة لتحقيق المصالح الدنيوية. كما دلّ على ذلك قوله تعالى: « وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ» (العنكبوت، 29 / 25).
وهكذا الحال في كل الأديان المحرفة والوضعية على حد سواء. وقد أخبر الله تعالى عن بعض اليهود والنصارى فقال: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (التوبة، 9 / 31).
روى الترمذي عن عدي بن حاتم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله»، قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه فصاروا بذلك أربابا. [3]
وكل من يسير على الصراط المستقيم فإنّه يواجه العقبات لا محالة، ذلك لأن الشيطان يقعد عليه ليضل الناس عن سبيل الله؛ فهو يقيم حبائله عليه ويخبر مَن يمرُّ به عن وساطة الأولياء المزعومة وعن قربهم من الله تعالى، ويقول إنه من أراد أن يصل إلى الله فهو بحاجة لتأييدهم إياه، وهم شفعاء عند الله… وغيرها من المزاعم التي لا علاقة لها بالإسلام. كما أنه يأتي بالحكايات الخيالية عن الأولياء المزعومين، ويدعون إلى وجوب التسليم لهم؛ لأن الله تعالى لا يخذلهم أبدا ويستجب لكل ما يطلبون. وإزاء دعوى الشيطان يبرز دور العقل، فمن يهمل عقله لا بد وأن يكون اتبع الشيطان؛ فيتوجه إلى الأولياء المزعومة قبل أن يتوجه إلى الله تعالى، وبهذا قد قطع ما أمر الله به أن يوصل.
وننهي الموضوع بذكر مثالين إثنين أحدهما من المذهب الكاثوليكي من أهل الكتاب والثاني من الطاويين…
أ. عقيدة الوساطة في الكاثوليكية
عقيدة الأقانيم الثلاثة – والتي يشكل أركانها الآب والابن والروح القدس – هي التي أدّت إلى اتخاذ الكهنة أربابا من دون الله. وهي عقيدة يشترك فيها جميع المذاهب النصرانية، كما أن هناك عقائد أخرى يختص بها مذهب دون آخر. ونأخذ المذهب الكاثوليكي مثالا كي نرى كيف أصبح أتباعه كافرين بدين التوحيد الذي جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام من عند الله تعالى.
1. الله في العقيدة الكاثوليكية
يعتقد المذهب الكاثوليكي أن الله واحد؛ ولا إله غيره. وهو الحق، وهو وحده الذي خلق السموات والأرض ، وهو وحده المدبّر فيهما، وهو قريب من عباده وعليم بكل شيء. وهو أزلي؛ لا بداية لوجوده ولا نهاية. وكلّ ما نملكه منه تعالى. وهو موجود بذاته. وسمي بـ “أب” لأنه بداية كل شيء وفوق كل شيء ومشفق على كل أولاده بمحبته ورحمته، وهو ليس بذكر ولا أنثى. وهو الله.[4]
ويدعي بعض النصارى أن هناك ثمة فراغ بين الله والناس يجب سده بوساطة، فاعتقدوا أن عيسى عليه السلام جدير بسد هذا الفراغ، وكذلك كان اعتقادهم بغيره من الوسطاء والشركاء.
2. عيسى (الابن)
يعتقد المذهب الكاثوليكي أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام رسول الأب. وقد مسحه بروح القدس وجعله راهبا وملكا. وهو – أي عيسى عليه الصلاة والسلام – يتلقى كل الأمور من الأب الذي أرسله. والآن هو يقوم بالدفاع عن المسيحيين عند الأب. وهو دائما جالس عند الله. وهو قادر أن يشفع لمن يتوسل به إلى الله.[5]
كيف ينظر المسيحيون للمسيح عليه السلام؟
يزعم النصارى وجود فجوة بين الإله المقدس (الله) وبين الإنسان. والأسهم (في الشكل المبين) تدل على الجهد الذي بذله الإنسان للوصول إلى مرضاة الله تعالى ولتحقيق الحياة السعيدة التي وعدها لعباده الصالحين.
يمثل المسيح عليه السلام عند المسيحيين الخروف، هذا الخروف من شأنه أن يسد الفجوة الموجودة بين الله تعالى وبين الإنسان، وقد ضحى بنفسه من أجل خلاص الجنس البشري. يقول بولس في رسالته إلى تيموثاوس: «لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ.».[6]
زعم النصارى بأن عيسى ابن الله:
في عهد الحواريين كان الإيمان بعيسى عليه السلام أنه بشر اصطفاه الله بالنبوة والرسالة كالنبيين من قبله ، وأول من جاء بدعوى أن عيسى ابن الله هو بولس، وبعد ثلاثة قرون تلقى النصارى دعواه بالقبول باعتبارها دعوة صحيحة. وفي سنة 325 م عُقد مجمع نيقية، وكان من قراراته أنّ عيسى منبثق من الأب وليس مخلوقا.[7] وكان من قرارات مجمع أفسيس الذي عقد سنة 431 م ، بأن “سر التجسد المجدي القائم من اتحاد اللاهوت بالناسوت فى أقنوم الكلمة الأزلى بدون انفصال ولا امتزاج ولا تغير. وإن السيدة العذراء مريم هى والدة الإله”.
وفي مجمع الخلقودينية سنة 451 م جاء هذا القرار: إنّنا نعترف بأن ربنا يسوع المسيح هو ذات الابن الواحد، هو ذاته كامل في اللاهوت وهو ذاته كامل في الناسوت. هو ذاته إله حق وإنسان حق من نفسٍ عاقلةٍ وجسد، من ذات جوهر الآب بحسب اللاهوت، وهو نفسه من ذات جوهرنا بحسب الناسوت، شبيه بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. مولود من الآب قبل الدهور بحسب اللاهوت، وفي الأيام الأخيرة (مولود) هو ذاته لأجلنا ولأجل خلاصنا من العذراء مريم أم الله بحسب الناسوت.: [8]
قال الله تعالى في كتابه الكريم: « وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ » (التوبة، 9 / 30).
إله حقيقي وإنسان حقيقي:
قالوا عن عيسى عليه السلام أنه إله حقيقي وإنسان حقيقي ليمكن بذلك جعله وسيطا. كما هو مبين في الكاثوليكية على النحو التالي: “يسوع المسيح إله حقيقي وإنسان حقيقي. ولهذا السبب فهو وسيط وحيد بين الله والإنسان”.[9] “وهو الآن يدافع عن المسيحين عند الأب. وهو حي دائما ليكون وسيطا لهم. وعلى استعداد عند الله”.[10] “وهو قادر على أن يتوسط لانقاذ كل من توجه إلى الله”[11] وكما ترى فهذه عقيدة لا يقبلها العقل، ولتبرير معارضة هذه العقيدة للعقل والمنطق السليم، كان لا بد للكنيسة أن تعطل دور العقل في فهم حقائق العقيدة. تقول الكنيسة: الإيمان ليس هو فهم الحقائق المبينة والوصول إلى حقيقته بالعقول الطبيعية.[12] لأنّ الإيمان عمل الكنيسة، وإيمان الكنيسة مقدّم على إيماننا، فالكنيسة تحمل إيماننا وتغذيه. الكنيسة هي أم جميع المؤمنين، ومن لم تكن الكنيسة والدته لم يكن الرب أبوه.[13]
قال الله تعالى: « لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ» (المائدة، 5 / 72).
3. روح القدس
يعتقد المذهب الكاثوليكي بأن روح القدس هو إله. هو والأب والابن من أصل واحد.[14] وهو أي روح القدس يكون وسيطا وشفيعا. وقد جاء في رسالة بولس إلى أهل رومية: ” وكذلك الروح أيضا يعين ضعافنا؛ لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي، و لكن الروح نفسه يشفع فينا بانّات لا ينطق بها. ولكنّ الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الرّوح، لأنّه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين. و نحن نعلم أنّ كلّ الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده”.[15] وليس من الممكن أن نرى ابن الله بدون روح القدس. ولا يمكن لأحد أن يصل إلى الأب بدون الإبن.[16]
4. السيدة مريم العذراء
يعتقد المذهب الكاثوليكي أن السيدة مريم العذراء هي أم الإله بالمعنى الحقيقي.[17] “ولم تنته أمومتها. فهي لا تزال تضمن الهدايا التي توفر السعادة الدائمة بوساطتها المتجددة. يقولون في الكنيسة أنّ مريم العزراء محامية، وتسعى للمساعدة، وتقوم بالوساطة.[18] وهم بقولهم هذا قد ألّهوا السيدة مريم العذراء. ويخبر الله تعالى أنّه سيسأل المسيح عن شرك أتباعه يوم القيامة بقوله: « وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » (المائدة، 5 / 116-117).
5. الحواريون
الحواريون، تعبير يُرادُ به الإشارة إلى 12 شخصاً من الأنصار الخواص لعيسى عليه السلام. وعندما أحسّ المسيح عليه السلام بخيبة الأمل من إيمان قومه أراد أن يعرف أصفياءه الذين آمنوا به ولم يخذلوه. قال تعالى « فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران، 3 / 52).
جاء في إنجيل متّى أن عيسى عليه السلام صُلب ودُفن، ثمّ قام من بين الأموات بعد ثلاثة أيام، واجتمع بأحد عشر تلميذا له في الجليل. وأخبرهم أنّه قد دُفع له كل سلطان في السموات وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس. وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر.[19]
وهذا الكلام لا يمكن أن يُقبل كوحي أنزله الله تعالى على عيسى عليه السلام. وكذلك لا يمكن أن نقبل ظهوره لحواريه بعد أن مات. قال الله تعالى: «وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ» (المائدة، 5 / 46). وقال أيضا: «مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (المائدة، 5 / 75).
ولما توفي عيسى عليه السلام انقطع عن الدنيا. كما قال الله تعالى على لسانه في الآخرة: «قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (المائدة، 6 / 116 – 117).
فلا يمكن تصور الكلام السابق أن يكون من كلام عيسى ولا مما أنزله الله تعالى في الإنجيل. بل هو زيادة في الإنجيل، قد أضيف لينسب إلى الحواريين مزيدا من القوة الروحانية تؤهلهم ليكونوا وسطاء بين الله تعالى وخلقه.
وقد جاء في إنجيل متى: أنّ المسيح عليه السلام قد شكل مجلسا من إثني عشر حواريا له، وجعل بطرس رئيسا لهم وقال له: “وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكلّ ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات. وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولا في السماوات”.[20] وتفسر عبارة ملكوت الربط والحل، على أن من يقبله الحواريون (أي الكنيسة) فهو مقبول عند الله، وكذلك من يطردونه فهو مطرود عند الله. فالمصالحة مع الكنيسة مصالحة مع الله.[21]
6. الكنيسة
يعتبر المذهب الكاثوليكي أنّ للكنيسة أجهزة هرمية ومجتمعا يتكون من الهيئة الباطنية للمسيح، وهي مجهزة بالهدايا السماوية، ولها طبيعتان إحداهما لاهوتية والثانية ناسوتية.[22] وهي تقوم بعملية دمج الإنسان في الله.[23]
7. الكهنة
الكهنة، جمع الكاهن وهو في نظر الكاثوليك، من يقوم بتقديم القرابين والنذور مقابل الخطايا في علاقة الناس مع الله.[24] كما جاء في الرسالة إلى العبرانيين: « لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّاسِ يُقَامُ لأَجْلِ النَّاسِ فِي مَا للهِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ عَنِ الْخَطَايَا».[25] وتوجد في الأناجيل مجموعة من الرسائل ولا يعرف كاتبها.
ونتحدث فيما يلي حول الكهنة الكاثوليكين في ثلاث نقاط؛ أ. الأساقفة. ب. الباباوات. ت. القساوسة.
أ. الأساقفة
الأسافقة، جمع أسقف ويعني المشرف أو الرئيس. ويعتقد المذهب الكاثوليكي بأنهم الأشخاص المخولون من الكنيسة. وستظل الكنيسة معلمة ومقدسة ومحكومة من قبل الحواريين عن طريق الأساقفة الذين هم أتباع الحواريين حتى يأتي المسيح من جديد.[26] والذي يستمع إلى الأساقفة يكون قد استمع إلى المسيح. والذي يرفضهم يكون كمن رفض المسيح.[27]
ب. البابا
البابا هو خليفة بطرس الرسول ورئيس مجلس الأساقفة. وهذا المجلس له سلطة كاملة وعالية على جميع الكنائس. ولا يمكن أن تظهر هذه السلطة إلا بعد إذن من البابا.[28] وكل أسقف يعتبر خليفة بطرس الرسول، ويعمل في وحدة تامة مع البابا الأسقف الروماني رئيس مجلس الأساقفة. والبابا معصوم وكذلك مجلس الأساقفة.
يؤمن المذهب الكاثوليكي بأن الرب يسوع جعل بطرس الرسول أصلا مرئيا في الكنيسة، ودفع له مفاتيح الجنة. البابا الأسقف الروماني خليفة بطرس الرسول هو وكيل يسوع وراعي جميع الكنائس الموجودة على وجه الأرض.[29] وقد دُفِع للبابا سلطة عالية كاملة على جميع النفوس.[30]
ج. القساوسة
يؤمن المذهب الكاثوليكي بأن كل ِقس راهبٍ كاهنٍ مأخوذٌ من الناس يقام لأجل الناس في ما لله، لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطايا.[31] ويخدمون تحت إدارة أساقفتهم في المنطقة الأسقفية.[32] ومصدر القسيسية هو المسيح نفسه؛ فهو الذي أسسها، ومنحها السلطة، والوظيفة والتوجيه والقوة.[33]
والقسيس يتكلم باسم الرب، وله صلاحية منح المغفرة للمذنبين، فهو يقول عند تعميده لأحد أتباعه: “أعمدك بسم الرب وأمنحك المغفرة”.[34] وحين كان غريغوري قسيسا شابا كتب ما يلي: “القسيس هو المدافع عن الحقيقة، وهو يعرج مع الملائكة، ويحمد مع رئيس الملائكة، ويقدم القرابين وهو على المحراب، ويشارك في كهنوت المسيح،[35] ويجدد المخلوقات، ويوصل المخلوقات إلى صورة الرب من جديد، ويخلق المخلوقات إلى الدنيا الآخرة من جديد، والأهم من ذلك يجعلهم إلها كما أصبح نفسه إلها.[36]
8. المعمودية
تتمثل المعمودية باغتسال المعتمد بالماء بطريقة معينة، وهي الشرط الأول لدخول الإنسان في الحياة المسيحية بحسب المذهب الكاثوليكي.[37] وقد اشترط الرب يسوع التعميد لغفران الذنوب.[38] والغفران الذي يناله المُعمَّد أثناء التعميد غفران تام لا يبقى معه الخطأ الأول وما اقترف بعد بإرادة حرة.[39]
الرب الأب بواسطة ابنه وكذلك التعميد يعطيان نعمة تسمح للولادة الجديدة في الروح القدس. لأن الذين يحملون روح الله يتوجهون إلى الابن ويقدمهم الابن إلى الأب فيعطي لهم الأب الخلود.[40]
9. الإعتراف
يؤمن المذهب الكاثوليكي بأنه “لا يغفر الذنوب إلا الله”. وحين يقول أحد من رجال الكنيسة لشخص “أنت مغفور الخطايا” فهو يعتمد على السلطة الخاصة الممنوحة له من الله.[41] فالكنيسة قادرة على أن تغفر الذنوب مهما كبرت.[42] ولا يحق لأحد أن يغفر الذنوب إلا البابا أو من أعطت له الكنيسة هذا الحق من القسيسين أو الكهنة.[43] قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (، 2 / 135).
والمذهب الكاثوليكي إذ يعترف أنه لا يغفر الذنوب إلا الله، إلا أنّه منح هذا الحق أيضا للبابا على اعتبار أن الله تعالى هو الذي منحه تلك السلطة.
10. الهرم الإلهي
وعند استقراء المراجع الخاصة بالمذهب الكاثوليكي نجد أن هناك هرما إلهيا. في أعلى الهرم الله ثم عيسى والروح القدس والسيدة مريم العذراء والحواريون والبابا والقسيسين والكهنة حسب درجاتهم الهرمية. وقد أُعطي كل واحد منهم سلطة إلهية. وكلهم ما عدا الروح القدس أنصاف آلهة وأنصاف بشر. وهذا هو الشرك بعينه. قال الله تعالى: « اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (التوبة، 9 / 31). وقال أيضا: « لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (المائدة، 5 / 73).
دور الكنيسة في المسيحية
يرى المذهب الكاثوليكي، أن الكنيسة تمثل المسيح يسوع والروح القدس والسيدة مريم العذراء والحواريين. ومن أجل ذلك فإن الكنيسة هي الإله الأصلي. والكنيسة مجتمع مكون من المؤسسات الهرمية والجسد المعنوي للمسيح يسوع، ومزودة بالهدايا السماوية. كما أنّ لها طبيعتين: إحداهما لاهوتية والأخرى ناسوتية. كما أنّ الكنيسة آية الإتحاد بين الله وبين الإنسان.[44]
موظفوا الكنسية عباد المسيح ومماثلون له. لأن أقوالهم هي أقوال المسيح، وإحسانهم هو إحسانه كذلك. وقد أُعطي لهم ذلك ليعطوا غيرهم.[45]
وقد جرى بيني وبين أحد القسيسين البروتستانت حوار حول دور الكنيسة عند البروتستانت ، ظهر فيه أنّ الكنيسة هي الدّين بعينه.
والحوار كالتالي: قلت له: ما هي أهم الشروط التي يصبح بها الإنسان مسيحيا؟
قال: التعميد.
قلت: اكتملت شروط الإيمان عند شخص ما واشترك بجميع العبادات، هل يعتبر مسيحيا؟
قال: لا، لأنه ولد محمّلا بالخطايا الأصلية التي ارتكبها آدم، فلا بد له أن يتخلص من جميع تلك الخطايا، ولا يتم ذلك إلا بالتعميد؛ فهو يخلصه ويضمّه إلى خلق الله.
قلت: تقدّم شخص إلى إحدى الكنائس للتعميد، ولم تقبل هذه الكنيسة تعميده لسبب أو لآخر، فذهب إلى كنيسة أخرى، فمات في الطريق. فما حكم هذا الشخص؟ هل يدخل الجنة أم لا؟
قال: هو يدخل النار؛ لأنه مات قبل التعميد.
قلت: شخص عُمِّد وهو صبي، ثم لم يذهب إلى الكنيسة حتى مات، وقد اقترف آثاما كثيرة، فما حكم هذا الشخص؟ إلى أين سيذهب؟ إلى النار أم الجنة؟
قال: هو سيذهب إلى الجنة. لأنه قد أصبح من خلق الله بالتعميد.
قلت: يوجد اليوم كثير من المسيحيين قد دخلوا في الإسلام، هل هم مسلمون في رأيك أم ما زالوا مسيحيين؟
قال: لا، هم ليسوا بمسلمين. وما زالوا مسيحيين، لأننا لم نخرجهم من الكنيسة.
قلت: تعني أنّ الشخص إذا أراد أن يترك المسيحية يحتاج الإذن من الكنيسة؛ أليس كذلك؟
قال: نعم، هكذا.
قلت: يدخل الشخص في هذا الدين بإذنكم ويخرج منه بإذنكم، فهو إذن ليس بدين الله بل هو دين الكنيسة.
فانتظرت منه ردا لكن لم أجد جوابا….
ب. عقيدة الوساطة في الديانة الطاوية
الطاوية هي الديانة الأساسية في الصين. مؤسسها لاوزي (老子)، يؤمن الطاويون أنه يكبر كونفشيوس[46] (孔子) بـ 53 سنة. خرج لاوزي من الصين وذهب إلى الغرب وسلك هناك طريق بوذا[47]. وبهذا أصبحت الديانة الطاوية نقطة مشتركة تجمع بين القيم البوذية والكونفشيوسية. وقد أخبر الله تعالى أنه أرسل إلى كل مجتمع رسلا فقال: « إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ» (الفاطر، 35 / 24). والأنبياء الذين ذكروا في القرآن الكريم هم المرسلون في المناطق المحيطة بمكة المكرمة، أي ما يعرف اليوم بمنطقة الشرق الأوسط. والكتب المنزلة من الله تعالى ليست مقتصرة على التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم. بل هناك كتب كثيرة أنزلها الله تعالى إلى الأنبياء والمرسلين. قال الله تعالى: « لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» (الحديد، 57 / 25).
ما يظهر عند الإستقراء أنّ عقيدة الإيمان بالله وحده لا شريك له موجودة في أصل كل الديانات، ومنها الطاوية والبوذية وغيرهما، ومن يستقرئ الديانات كلها يجد قبس النبوة موجود فيها، لكن كثرة التحريف قد غطى ذلك القبس فلا يكاد يُرى، ورغم الأصل السماوي للديانات السابقة للإسلام إلا أن الشرك وعقيدة الوساطة هي المسيطرة على أتباعها.
ولعل المثال الأبرز على ذلك مظاهر الشرك الواضحة عند أهل مكة قبل الإسلام رغم أنّهم كانوا يدّعون أنّهم على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، ولا يشك أحد أن هذين النبيين الكريمين قد بعثا في أهل مكة وخصوصا إسماعيل عليه السلام لملازمته المكان. والأمر في المسيحية كذلك رغم وجود من يدافع عن عقيدة التوحيد فيهم إلا أنّ هذه الأصوات لا تسمع، فمظاهر الشرك في المسيحية بادية للعيان؛ فعقيدة التثليث عندهم، وموقع الكنيسة ورجال الدين وتماثيل المسيح والعذراء، كلّ ذلك من مظاهر شركهم، تعالى الله عما يشركون. والطاوية على النهج نفسه، حيث إنّ المتدبر للتعاليم الطاوية الأولى يجدها مجردة عن الشرك، وكلما تقدم بها الزمان وظهر علماء (رجال الدّين) جدد وجدت أن الشرك يزحف إلى عقائدهم زحفا هائلا ما أدى بالطاوية إلى أن تكون أسوأ الأمثلة على الشرك. وفيما يلي نرى عملية تحول الطاوية من ديانة توحيد إلى ديانة شرك:
1. طاو
طاو، هو مُدَبِّر نظام الكون، وقدرة خالقه ليس فوقها قدرة. هو الحاكم العالي الذي يستحق أن يعبد وأن يحترم. وهو الذي أسس نظام الكون. والذي يذكر طاو صباحا يسعد مساءً.[48] هو الكبير المتعال يهيمن على من في الأرض. ولا هوادة في حكمه حين يكثر الفساد في الأرض. والموت والبعث بعد الموت والشرف والثروة كلها تكون بتقديره هو.[49] وهو أزلي وأبدي وموجود في كل مكان ولا يُعرف كنهُه.[50] ويخسر من يحاول تصويره في الذهن.[51] لم يُخلق، وخالق كل شيء.[52] لا يتغير.[53] موجود وحاضر في كل زمان.[54] يرى كل شيء واضحا ومع الناس في كل شؤونهم.[55] يتبين مما سبق _بشكل جليّ_ أنّ المراد بطاو هو الله.
2. تي
هو ظهور الوجود الحقيقي لطاو،[56] وتجليته في الإنسان والمخلوقات الأخرى. وإذا كان طاو قد خلق جميع المخلوقات، فإنّ تي يغذيهم ويربيهم ويصورهم ويسويهم. وكل الموجودات تمجد طاو وتحترم تي.[57]
يين يانج
وهو رمز عالمي للطاقتين الكبيرتين اللتين توجهان نظام الكون وتدبرانه. ويحتاج كل منهما للآخر فهو مكمل له ولا يتواجد أي منهما دون الآخر.[58] والعلاقة السرية بينهما سبب لحدوث كل شيء، وهذا مبدأ خلقه طاو، ثم انتقلت الطاقة الخالقة من طاو إلى ين ويانج، فيمسكهما تي في وحدة منسجمة.[59] يولد من طاو واحد ثم يصبح اثنين (ين ويانج)،[60] ومن اثنين يولد ثلاثة، ومن الثلاثة يولد آلاف، وكل الموجودات تشمل الين وتحتضن اليانج.[61] وقد أعطيت صفة الخالق لطاو إلى تي. وحققها تي إلى ثنائية الين واليانج. ويهيمن تي على جميع المخلوقات.
3. الأرواح الخالدة والطاقات اللطيفة
إذا انتظم الإنسان في حياته بطاو فإنه لا يبقى لديه المضللات الخادعة التي تحول بين الظلام والضياء والحياة والممات، ويفوز بصداقة كثير من الموجودات ذوات الأرواح العالية، ويخلد بينهم محميا من التأثرات السلبية، ويملك طاقة تحيا بها حياة غير قابلة للهلاك. وهكذا يصل إلى الحياة الخالدة.[62]
الأشجار والحيوانات، والناس والحشرات، والزهور والطيور… كلها تجليات الطاقات اللطيفة التي تدفقت إلى العالم من النجوم. ويحلّون ويتحدون مع الموجودات ويعطون لهم الحياة.[63]
4. أرواح الأجداد
كل أسرة تخصص أماكن خاصة لأرواح أجدادها، لزعمهم أنّ الأرواح تحميهم وتحفظهم من البلايا.[64] وأحيانا يستحضرون الأرواح ويخبرونهم ما حدث في الأسرة ويستعينون بهم. ولا بد أن تكون المقابر في أوساط المزارع تبركا من الأرواح. ويقومون بتنظيف المقابر في موسم الربيع ويتبركون بمن فيها.[65]
5. العارفون والمرشدون الملائكيون
العارفون والخالدون والمرشدون الملائكيون الذين يعلمون الغيب هم يشكلون طرق الوصول إلى القوة الإلهية. يكسب الإنسان بوساطتهم صفة الخلد، ويصل إلى الفناء التام، وهم وسطاء بين الكائن اللاهوتي والكائن الناسوتي، وهم يعرفون الكون قبل الخروج من الباب، ويرون النجوم في كبد السماء بلا حاجة إلى النظر من النافذة، يعلمون بدون تعلم ويرون بدون نظر، ويفوزن دون أن يبذلوا جهدا.[66]
ولا يمكن العثور على هؤلاء المرشدين الملائكيين، ولكنهم سيحضرون عند من طلبهم. وفي النهاية يعقب انتقال الحقائق الروحية حين يتم الاتصال مع الخاصية الإلهية بحكمته العالية وفضله المميز. و هذا طريق يتبعه كل الملائكة الذين يذهبون إلى الملك الإلهي.[67] وفي كل خطوة من خطوات التقدم الذي تحدث أثناء السلوك المتكامل، تتعلم أن تحترم من يهتم بالخاصية الروحانية، وليس من يهتم بالخاصية الدنيوية، لأنه لا يستحق ذاك الإحترام. فحينئذ يُفتح لك البابُ الصوفيّ، فتنضم إلى مديري الكون الهائل وخالقيه؛ هم مديروا الكون ولكن لم يديروه وخالقوه ولكن لم يخلقوه.[68] جميع المرشدين والتقنيات عابرة، والحقيقة الأصلية تتجلى من اتحاد الإنسان مع الطاقة الإلهية لطاو.[69]
6. الرابطة
الذي يريد أن يصل إلى طاو، فعليه الاتصال بأحد من المعلمين الملائكيين. كما يجب عليه أن يعمل بتعاليم معلمه، ويحلل جميع المفاهيم المعضلة، ويبذل كل ما بوسعها لخدمة الآخرين، وأن يقوم بتطهير النفس، وأن لا يزعج معلمه بعقبات لا ضرورة لها، فالرباط الروحي مع معلمه تجعل القوة الإلهية تحميه، وهكذا يجتاح جميع العقبات التي يواجهها، ويحافظ على إخلاصه المطلق إلى الأبد، كما يحافظ على تواضعه وعزمه وقدرته الإنسجامية والتي تملأه بالنور الإلهي.[70]
[1] معجم مقاييس اللغة، جـ. 1 / 259.
[2] صحيح مسلم، جـ. 6 / صـ . 124، رقم الحديث: 2032.
[3] ترمذي، تفسير القرآن الباب 10 رقم الحديث: 3095. استانبول 1981 / 1401، جـ . 5 / صـ . 278.
[4] التعاليم الدينية والأخلاقية للكنيسة الكاثوليكية. الفصل: 200-239.
[5] التعاليم الدينية والأخلاقية للكنيسة الكاثوليكية. الفصل: 858، 783، 859، 519، 2634.
[6] الكتاب المقدس الاصحاح الثاني 5-6.
[7] التعاليم الدينية والأخلاقية للكنيسة الكاثوليكية. الفصل: 465.
[8] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 467
[9] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 480
[10] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 519
[11] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 2634
[12] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 156
[13] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 181
[14] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 689
[15] إنجيل، رسالة بولس إلى أهل رومية، 8/ 26-28؛ التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 689
[16] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 683
[17] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 467
[18] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 969
[19] إنجيل متى، الأصحاح الثامن والعشرون، 16 – 20.
[20] إنجيل متى، 16 / 19.
[21] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 1445.
[22] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 771.
[23] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 775
[24] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 1539
[25] رسالة إلى العبرانيين، 5/ 1.
[26] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 857.
[27] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 862.
[28] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 877، 880، 883.
[29] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 936.
[30] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 937.
[31] الرسالة إلى العبرانيين، 5 / 1.
[32] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 877.
[33] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 874
[34] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 878
[35] كلمة (الكهنوت) على وزن (الملكوت) و (الجبروت)، هي المصدر من كلمة (كاهن). وكلمة (كوهين) العبرية المرادفة للكلمة الأخيرة، تدل على الاقتراب من الله على أساس ذبيحة مقبولة أمامه ، كما تدل على الإنباء بأموره تعالى للآخرين ، وذلك بوصف العمل الثاني مترتباً على العمل الأول، أما الكلمة اللاتينية المترجمة كاهن فمعناها، كما يقول علماء اللغات، يأتي المعبر ولذلك فالمراد بها أن الكاهن هو الشخص الذي يعبر العالم ليأتي إلى الله. ومن ثم كان للكهنوت أهمية عظيمة لدى أتقياء اليهود في العهد القديم، كما له الآن لدى أتقياء المسيحيين في العهد الجديد. (عوض سمعان http://www.baytallah.com/AwaadSmaan/priesthood/priesthood_1.htm
[36] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 1589.
[37] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 1213.
[38] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 977.
[39] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 978.
[40] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 683.
[41] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 1441.
[42] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 982.
[43] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 1463.
[44] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 775.
[45] التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفصل: 776.
[46] هو أول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الإجتماعي والأخلاقى. ففلسفته قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمثل أخلاقي أعلى. تعاليمه وفلسفته قد تأثر بعمق الفكر والحياة الصينية والكورية واليابانية والتايوانية والفيتنامية. ويلقب بنبي الصين. (ويكيبيديا الموسوعة الحرة)
[47] بوذا (558 ق.م. – 483 ق.م.) واسمه الأصلي سيدهارتا غوتاما (صاحب الهدف المحقَّق) مؤسس الديانة البوذية إحدى الديانات الكبرى. أبوه كان حاكماً لإحدى المدن في شمال الهند على حدود مملكة نيبال وينتمي إلى طبقة المحاربين (كشاطريا). توفيت أمّه مايا وهو في السابعة من عمره، فربّته عمّته. تزوج في السادسة عشرة من عمره إحدى قريباته وفي مثل سنه. و قد ولد في الأبهة والفخامة، ولكنه كان في غاية التعاسة. فقد لاحظ أن أكثر الناس فقراء، وأن الأغنياء أشقياء أيضاً، وأن الناس جميعاً ضحايا المرض والموت بعد ذلك. و قد فكر بوذا كثيراً، واهتدى إلى أنه لابد أن يكون في هذه الحياة العابرة شيء أبقى وأنقى من كل ذلك.(ويكيبيديا الموسوعة الحرة)
[48] تيمور و كوجوك، تاريخ الأديان ، صـ . 62.
[49] تيمور و كوجوك، تاريخ الأديان، صـ 63.
[50] ينر عثمان، المرجع السابق، صـ. 16، 26، 46.
[51] لاوزي، التعليمات المجهولة، ترجمة اسماعيل تاشبنار، و آمنة كولشاه جوشقون، دار قاقنوس استانبول 1999، صـ. 20.
[52] لاوزي.
[53] لاوزي.
[54] لاوزي.
[55] لاوزي.
[56] تيمور وكوجوك، تاريخ الأديان ص. 69.70.
[57] J.C cooper, Erdemin Işığı (Taoculuk), Çev. İsmet Zeki Eyuboğlu, Say Yayıncılık, İstanbul, 1994, s.39.
[58] İzutsu Toshihiko, Taoculuk’daki Anahtar Kavramlar, Çev. Ahmet Yüksel Özemre, Kaknüs Yayınları, İstanbul, 2001, s.164.
[59] لاوزي، الامرجع السابق، صـ . 65.
[60] ينر عثمان، المرجع السابق، ص. 60.
[61] لاوزي، المرجع السابق، ص. 51.
[62] لاوزي، المرجع السابق، صـ. 52.
[63] تيمور و كوجوك، المرجع السابق، صـ . 58.
[64] تيمور و كوجوك، المرجع السابق، صـ. 58
[65] لاوزي، المرجع السابق، صـ . 82.
[66] ينر عثمان، المرجع السابق، 65.
[67] لاوزي، المرجع السابق، صـ . 82.
[68] لاوزي، المرجع السابق، صـ . 83.
[69] لاوزي، المرجع السابق، صـ . 96.
[70] لاوزي، المرجع السابق، صـ . 32.
ان لم ينضبط الاصل فلا تعجب لاعوجاج الفروع
حتى عندنا نحن المسلمين لما ظهرت الجريمة الكبرى بعد زمن النبوة والخلفاء الراشدين وصولا الى غياهب الامبراطوريه العباسيه امبراطورية السفاحين والكهانه , وجعل النبي والعلماء شركاء لله يحلون ويحرمون ويشرعون واختراع وحي جديد لم يدونه النبي ولم يحفظه وهم دونوه وحفظوه وجعلوه قاضيا على الكتاب ومهيمنا عليه عكس كلام ربنا تماما ثم قامت الحركة الوهابية حديثا لتجديد هذا الفكر من جديد والتأكيد عليه ,
فلا عجب مع اعوجاج هذا الاصل ان تخرج عنه فروع معوجه ومشوهه
وان لم يصل هؤلاء الادعياء الى القول بالشرك صراحة والتأليه صراحة كما فعلت اليهود والنصارى وغيرهم وكما تفعل المتصوفه الا ان هذا هو لازم كلامهم
وما الشيعة والسنة والفرق الا قوم اتبعوا روايات مختلفه فاختلفت بهم عن الصراط وقد نبذوا كتاب الله الذي ليس فيه اختلاف وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا اجتهادات الناس وارائهم وعصارة افكارهم مع الجهل بنواياهم وملابسات عصورهم وقدسوهم وقدموهم ولغوا عقولهم………..
الله المستعان , اكتشفت كم كنت الغي عقلي واردد ما احفظ ويملى علي كأني ببغاء عقل في اذنيه