حبل الله
الذبح بهدف إيصال الثواب للأموات

الذبح بهدف إيصال الثواب للأموات

السؤال: توفيت أمّي قبل عدة شهور، أسأل الله تعالى لها ولموتى المسلمين الرحمة. وأريد أن أذبح لأتصدق عنها بلحم الذبيحة، هل يصل الأجر لأمي المتوفاة؟ إن كان كذلك فما هي الطريقة المثلى في تنفيذ هذا الأمر؟

الجواب: العبادات كلها شُرعت للأحياء وليس للأموات، وعندما يموت الانسان ينتهي تكليفه وترفع المسؤولية عنه، ولا يبقى في حقه تنفيذ أي عبادة، ولا يُكلف أحد بتنفيذ العبادات عنه لأنها أصلا لا تجب عليه.

ولا يحاسب الإنسان إلا بعمله خيرا كان أو شرا. قال الله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} (النجم، 39_41)

ومن أراد الخير لنفسه فعليه أن يبادر له {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (الإسراء، 19)

وعندما يقف العبد بين يدي ربه لا يتذكر إلا سعيه وعمله {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى. يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى} (النازعات، 35)

يُفهم من الآيات السابقة أن العبادات متعلقة بالشخص نفسه؛ لا ينوب فيها أحد عن أحد، حيث يستطيع الإنسان أن يفعل الخير حتى نفسه الأخير من هذه الدنيا. وفي هذا يقول سبحانه موجها {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر، 99)

وعندما يموت الإنسان تطوى صحيفة أعماله، ويستثنى من ذلك ثلاثة أعمال يدوم أجرها بعد موته كما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من إحدى ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”[1]

والحديث السابق جاء على ضوء قوله تعالى ﴿إِنَّا نَحۡنُ نُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَـٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَیۡءٍ أَحۡصَیۡنَـٰهُ فِیۤ إِمَامࣲ مُّبِینࣲ﴾ [يس ١٢]

ولا شك أن ما يدوم أجره للمسلم بعد موته هو نتاج فعله الذي بقي أثره بعده.

وقد بيّن الحديث الشريف أن ما يصل ثوابه للميت وخاصة من أولاده هو الدعاء، والحديث حكمة استخرجها النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم، كما ورد في قوله تعالى:

{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (إبراهيم، 41)

{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر،10)

ونظرا للنصوص الواضحة في هذا الموضوع فإنه يمكننا القول إن الذبح للميت لا يُفيده ولا يصله ثوابه، والمسلم يلتزم توجيهات القرآن الكريم وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم التي وجهت المسلم نحو الدعاء للميت ولا سيما إن كان الداعي من ذرية الميت.

 


[1]  صحيح مسلم، الوصية، 4

التعليقات

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اخي العزيز جزاك الله خيرا انا اعتقد انه لا يجوز عمل اي عمل بعد موت الانسان إلا الحالات الثلاث الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكرتموه في بحثكم اعلاه والآيات التي استدللتم بها .

    ولكن هناك أحاديث يستدل بها بعض الناس على جواز الحج والعمرة عن الميت فما ردكم عليها …ارجوا التفصيل فيها جزاكم الله خيرا وهي كالآتي :

    في الترمذي عن أبي رزين العقيلي: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: حُجَّ عن أبيك واعتمر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما ذكرت العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يعتمر الرجل عن غيره. وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر. اهـ  

    ويدل لجواز العمرة عن الغير ما رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة! قال: من شبرمة؟ قال أخ لي أو قريب لي، فقال: حججت عن نفسك ؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم عن شبرمة. قال الترمذي: حسن صحيح . والعمرة والحج في ذلك سواء.

    • وعليكم السلام روحمة الله

      الجواب: معلومٌ أنَّ الحجَّ فرض على من استطاع إليه سبيلا، وقد نُقل إلينا الكثير من الأحاديث التي تبين مناسك الحج ومقاصده، لكنَّه لم يُنقل أيُّ حديث صحيح يُبيِّن أنَّ كبيرَ السنِّ أو المريض القادر ماليا بإمكانه أن يكلف شخصا آخر لأن يحجَّ عنه مقابل أجرة.

      الأحاديث التي أورتها في سؤالك ليست صحيحة السند، كما أنَّ متنها لا يتوافق مع ما قرَّره القرآن من مسؤولية الإنسان عن نفسه، قال الله تعالى:

      {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (البقرة، 281)

      {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران، 30)

      {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (النحل، 111)
      {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر، 38)

      هذه الآيات وأمثالها تقرر أنَّ كلَّ إنسانٍ مسؤولٌ عن نفسه تجاه خالقه ، وهذا يقتضي أن يقوم كلُّ شخصٍ بما فُرض عليه من العبادات بنفسه، ولو كان الحجُّ استثناءً للزم بيانُه في كتاب الله تعالى، ولمَّا لم يوجد في الكتاب ما يدلُّ على الاستثناء لزم العمل بالأصل، وهو لزوم أن يحجَّ كلُّ إنسان عن نفسه، فمن استطاع الحج لزمه المبادرة إليه.

      يصادف أن يكون الإنسان قادرا على الحجِّ لكنَّه يؤجِّل الذَّهاب إليه حتى يدخلَ في حالة من عدم القدرة عليه بسبب المرض أو الهرم. ويتساءل البعض هل يمكن لهذا الشخص أن يُنيب عنه غيرُه ليحجَّ عنه مقابل أجرة؟

      وقد تبين من خلال الآيات التي سقناها أنَّه لا يصحُّ الإنابة في العبادات كلِّها..
      لكنَّه لو تكفَّل بنفقات حجِّ إنسانٍ فقيرٍ على حسابه الخاصِّ فهو أمرٌ حسن، ولا يصحُّ أن يُقال بأن ذلك بديلاً عن حجّه، لكنَّه برٌ في عبادة قصَّر فيها، على أمل أن يكون هذا سبباً في أن يغفر اللهُ تعالى له تقصيرَه.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.