حبل الله
الدّعوة إلى توحيد الله وعبادته وملّة إبراهيم

الدّعوة إلى توحيد الله وعبادته وملّة إبراهيم

قال الله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ، ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (سورة آل عمران، 3 / 64-68)

تعليق واحد

  • إن إطاعة غير الله تعالى من الأحبار وعلماء الدّين في الأحكام الشرعية بالتحليل والتحريم يجعل الأحبار كالأرباب، وهذا يقتضي تخصيص الطاعة لله تعالى. وإن ملتقى الأديان هو الانصياع تحت راية التوحيد وهي كلمة «لا إله إلا الله» وعبادته وحده، والاعتماد في التشريع على الله تعالى فهو مصدر الشرائع الحقّ. لذا خاطبهم القرآن بقوله: أجيبوا إلى ما دعيتم إليه، وهو الكلمة العادلة المستقيمة التي ليس فيها ميل عن الحق، وهي قوله تعالى: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ.
    ودلّ قوله تعالى: وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ على أنه لا يجوز اتّباع من سوى الله في تحليل شيء أو تحريمه، إلا فيما حلله الله تعالى، وهو نظير قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة، 9 / 31)، معناه: أنهم أنزلوهم منزلة ربّهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرّمه الله ولم يحلّه الله.
    وفي هذا حجّة على أنّ مسائل الدّين كالعبادات والتّحريم والتّحليل لا يؤخذ فيها إلا بقول النّبي المعصوم، لا بقول إمام ولا فقيه، وإلا كان إشراكا في الرّبوبية، وهذا ما ندّد به القرآن في آيات مثل قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ (الشورى، 42 / 21)، وقوله: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ: هذا حَلالٌ، وَهذا حَرامٌ (النحل، 16 / 116).
    أما المسائل الدّنيوية كالقضاء والسياسة فهذه فوّض أمرها إلى أهل الحلّ والعقد وهم أهل الشورى، فما أمروا به وجب تنفيذه وقبوله. وإن أعرض أهل الكتاب عما دعوا إليه وهي الكلمة السواء نقول: نحن مسلمون أي متّصفون بدين الإسلام، منقادون لأحكامه، معترفون بما لله علينا في ذلك من النّعم، غير متّخذين أحدا ربّا، لا عيسى ولا عزيرا ولا الملائكة لأنهم بشر مثلنا، ولا نقبل من الرّهبان شيئا بتحريمهم علينا ما لم يحرّمه الله علينا، فنكون قد اتّخذناهم أربابا.
    وأبين آية وحجّة على اليهود والنصارى الذين ادّعوا أن إبراهيم كان على دين كل منهم آية: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ … فهي تكذبهم بأن اليهودية والنصرانية إنما كانتا من بعده، وذلك قوله: وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ فكيف يكون إبراهيم منسوبا إلى ملّة حادثة بعده؟ هذا فضلا عن أن اليهودية ملّة محرّفة عن ملّة موسى عليه السلام، والنّصرانية ملّة محرّفة عن شريعة عيسى عليه السلام. ودلّت آية: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ … على المنع من الجدال لمن لا علم له. أما الجدال لمن علم وأيقن، والاحتجاج للحقّ فهو جائز، لقوله تعالى: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل، 16 / 125). ودلّت هذه الآية على وجوب المحاجّة في الدّين وإقامة الحجّة على المبطلين، كما احتجّ الله تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في أمر المسيح عليه السلام، وأبطل بها شبهتهم.
    وإبراهيم كان على الحنيفية الإسلامية، ولم يكن مشركا ولا يهوديا ولا نصرانيا، وأحقّ الناس بإبراهيم ونصرته: هم الذين سلكوا طريقه ومنهاجه في عصره وبعده، وكانوا حنفاء مسلمين مثله غير مشركين، وأيضا هذا النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم والذين آمنوا معه، فإنهم أهل التوحيد. والله ولي المؤمنين، أي ناصرهم.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.