حبل الله
الزعم القائل بأن المرأة خلقت من ضلع أعوج

الزعم القائل بأن المرأة خلقت من ضلع أعوج

ورد في التوراة أن المرأة خلقت من ضلع آدم. حيث جاء في سفر التكوين، الاصحاح الثاني، 21-23: «فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ».

وقد انتقل إلينا بعض ما ورد في التوراة والإنجيل كحديث مرفوع . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج استوصوا بالنساء خيرا.[1]

ولا يمكن أن يكون هذا الكلام حديثا قاله النبي صلى الله عليه وسلم، لأن القرآن الكريم لا يصدق ما جاء في التوراة والانجيل في هذا الموضوع.[2] فقد قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا[3] وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء… » (سورة النساء، 4 / 1).

والضمير المخاطب (كم) في الآية يراد به آدم عليه السلام، وقد جاء بصيغة الجمع مجازا؛ لأن الناس لم يخلقوا من آدم فقط، بل منه وحواء معا. فيكون معنى الآية أن الله تعالى خلق آدم عليه الصلاة والسلام من نفس واحدة.

وقد جاء في الآية التالية تفصيل ما خلق اللهُ تعالى منه آدمَ. حيث قال تعالى: «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ» (سورة الإنسان، 76 / 2).

والنَطَفةٌ، وهي الصّافيةُ الماء،[4] والأَمْشَاج هو الأخلاط. أي من منيِّ الرجل الذي اختلط ببويضة المرأة. ومشج بينهما: أي خلط.[5] وأقل الجمع في اللغة العربية ثلاثة. وعلى هذا فإن النطفة ليست منيا فحسب بل هي مخلوطة من ثلاثة أشياء أو أكثر. وقد جاء في آية أخرى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ » (المؤمنون، 23 / 12). وجميع ما يتناوله الإنسان من الأغذية هو من الطين؛ أي التراب المختلط بالماء. فمصدر النطفة والبويضة طين.

وقال الله تعالى: « ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ» (المؤمنون، 23 / 13). والقَرارُ والقَرارةُ من الأَرض: المطمئن المستقرّ، وقال أَبو حنيفة: القَرارة كل مطمئن اندفع إِليه الماء فاستقَرّ فيه.[6] والمكين: من قول العرب، مَكَّنْتُهُ مِنْ الشَّيْءِ تَمْكِينًا جَعَلْتُ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانًا وَقُدْرَةً فَتَمَكَّنَ مِنْهُ.[7]

وعلى هذا فالمكان الذي تكونت فيه النطفة هو المكان الذي جُعل لها به سلطانٌ وقدرةٌ لتتمكن فيه، وهو الرحم. والنطفة التي تكونت في الرحم ليست إلا البويضة المخصبة. وهو (الرحم) مكان يختلط فيه مني الرجل مع بويضة المرأة، تتغير وتتطور فيه حتى تصبح إنسانا يستطيع الحياة على وجه الأرض.

النُّطفة هي اللؤلؤ الصَّافِي في اللون مثل قطرة الماء الصافي.[8] والبويضة المخصبة تشبهها في الشكل.

وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز أنه خلق الإنسان من التراب.[9] لأن التراب هو العنصر الأساسي في الإنسان؛ والرحم بمثابة الحرث يزرع فيه البذور. قال الله تعالى: «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (البقرة، 2 / 223).

خلق الإنسان كخلق النبات. قال الله تعالى: « وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا» (نوح، 71 / 17).[10]

وكان خلق عيسى عليه الصلاة والسلام كخلق آدم وحواء. قال الله تعالى: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (آل عمران، 3 / 59). لو تدبرنا الآية لظهر لنا أن رحم مريم كان بمثابة الأم والأب مثل التراب.

ويؤيد ذلك تأنيث العائد إلى (الفرج) مرة وتذكيره مرة ثانية كما في قوله تعالى: «وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء، 21 / 91). «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ» (التحريم، 66 / 1212). وهو مما يدل على أن رحم مريم كان ينتج البويضة والمني في نفس الوقت, لذلك كان خلق عيسى كخلق آدم، وعلى هذا فإن التراب الذي خلق منه آدم كان يوجد فيه هاتان الخاصيتان. أي أن آدم خُلق من النطفة التي تشكلت نتيجة اختلاط المني مع البويضة اللتين استخلصتا من التراب. وكذلك حواء خلقت من تلك النطفة. لأننا نفهم من النفس المذكورة في الآية الأولى من سورة النساء أن آدم وحواء خُلقا من النفس الواحدة. “وخلق منها زوجها”. إذن يمكن أن يكون آدم وحواء توأمي البويضة الواحدة.

توأما البويضة الواحدة[11]

يقول الباحثون إن توأمي البويضة الواحدة يكونان من نفس الجنس. ولكن آدم وحواء أحدهما ذكر والآخر أنثى. ونفهم من قوله تعالى: «خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها» أنّ خلق حواء متأخر عن خلق آدم. إذا كان آدم خلق من البويضة الواحدة أولا ثم خلقت حواء من نفس البويضة فالبحث عن هذا يقع على عاتق المتخصصين.

ولكن المهم هنا هو الآية. « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» (الشورى، 42 / 13). تشير هذه الآية إلى حدوث تغيرات في القوانين الطبيعية بعد نوح عليه الصلاة والسلام. وقد كان الزواج من الأخت حلالا إلى عهد نوح؛ كما نرى ذلك في الديانة الزرادشتية. لذا كان من الممكن أن يكون توأما البويضة الواحدة من جنس مختلف. ويشير قوله تعالى: « وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى» (النجم، 53 / 45-46) إلى الموازين الخاصة للإنسان، حيث تتكون تلك الموازين وهو نطفة في الرحم، وكذلك يتبين جنسه ذكرا أو أنثى.

وهنا نرى من الضروري الوقوف على كلمة “الزوج”. لم يرد في القرآن الكريم كلمة “الزوجة” مع أن الكلمات تكون في العربية مؤنثة ومذكرة. وإذا دل هذا إنما يدل على عدم الفرق تأنيثا أو تذكيرا في تسمية الأزواج.

إذا تحقق أن النطفة هي البويضة المخصبة فقوله تعالى في الآية “إذا تمنى” يعني إذا قدِّر لها الأقدار. لأن كلمة تمنى من “مَنَى” يدلُّ على تقديرِ شيءٍ ونفاذِ القضاءِ به. منه قولهم: مَنَى له المانِي، أي قدَّر المقدِّر.[12] وبهذا نفهم من الآية لماذا سميت النطفة نفسا. وتطلق النفس على الجسم الحي. قيل عن النفطة (نفس) لأنها تحمل بدءا من هذه المرحلة الخصائص التي يختص بها الجسم الحي.

وسبب هذه التفاصيل هو أن نصل إلى المعلومات الصحيحة في خلق المرأة؛ لأن القبول بأن المرأة خلقت من الضلع الأعوج تحقير لكرامتها.

*ملاحظة: المعلومات الواردة أعلاه هي جزء من مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (المرأة بين القرآن وبين المفاهيم التي تجعلها أقل مرتبة من الرجل) المنشورة على الرابط التالي  https://www.hablullah.com/?p=2097


[1]  صحيح مسلم، باب الوصية بالنساء، رقم الحديث: 60 – ( 1468 )

[2]  جاء القرآن الكريم مصدقا لما سبق من الكتب الإلهية. ولكن تصديقه محدود بما لا يخالف القرآن الكريم مما في التوراة والإنجيل. لأنه لم يات آية في القرآن تنص أنه يصدق التوراة والإنجيل. قال الله تعالى: «نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ» (آل عمران، 3 / 3). ومقابل ذلك جاء في الإنجيل ما يدل على أنه يصدق التوراة. قال الله تعالى: « وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ » (المائدة، 5 / 46).

ونفهم من قوله تعالى: « وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ» (المائدة، 5 / 48) أن تصديق القرآن لما سبقه من الكتب الإلهية محدود بما فيها من الآيات التي تتوافق مع القرآن الكريم. وقد تكررت كلمة الكتاب مرتين. وتكرار الكلمة معرفة بال التعريف يدل على أنهما شيء واحد؛ أي أن ما في القرآن وما يصدقه من الكتب السابقة هو شيء واحد.

وخلاصة القول فإن القرآن لا يصدق القول بأن المرأة خلقت من ضلع آدم. لذا نقول إن رواية أبي هريرة المتعلقة بالمسألة من الإسرائليات.

[3]  وَخَلَقَ مِنْهَا (أي من النفس) زَوْجَهَا (أي زوج النفس) وهذا يشير إلى أن الله خلق النطفة أولا ففطرها وجعلهما توأما مطابقا فليس لأحد منهما الأولوية في الخلق.

[4]   كتاب العين لخليل بن أحمد، مادة: نطف.

[5] لسان العرب، فصل:الميم، مادة: مشج.

[6]  لسان العرب، فصل: القاف،  مادة: قرر.

[7]  المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لأحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ) مادة: (م ك ن).

[8]   لسان العرب، فصل النون، مادة نطف.

[9]   ال عمران، 3 / 59؛ الروم، 30 20؛ الكهف، 18 / 37؛ الحج، 22 / 5؛ الفاطر، 35 / 11؛ الغافر، 40 / 67.

[10]   وهو من حديث نوح إلى قومه.. إنه يكشف لهم عن تطورهم فى الخلق، وأنهم نبتوا من الأرض، كما ينبت النبات.. فمن تراب هذه الأرض تخلقت الكائنات الحية، ومن ترابها تخلق الإنسان. وإن أقرب صورة وأظهرها لتخلقه من الأرض: أن هذه النطفة التي تخلّق منها، هى من نبات الأرض، أي من الغذاء الذي مصدره هذا النبات.. فإذا امتد النظر إلى آفاق بعيدة وراء هذه النظرة المحدودة القريبة، أمكن أن يرى على الأفق البعيد: أن الإنسان فرع من شجرة الحياة التي تضرب جذورها فى أعماق بعيدة من الأرض. (التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب (المتوفى: بعد 1390هـ)، دار الفكر العربي – القاهرة).

[11]  http://www.hurriyet.com.tr/yasam/3708815.asp

[12]   مقاييس اللغة  لابن فارس.

تعليق واحد

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.