حبل الله
الختم على القلوب

الختم على القلوب

الختم على القلوب

الاستعارة التمثيلية

الاستعارة في اللغة: من إستعار الشيء منه أي طلب منه أن يعيره إياه. وفي علم البيان: استعمال كلمة بدل أُخرى لعلاقة المشابهة مع القرينة الدالَّة على هذا الاستعمال بدون ذكر أداة التشبيه. ويراد بها الإيضاح والتجميل في الأداء. كاستعمال أسود بدلاً من جنود في قولنا: عبر أسودنا القناة. وقد استعيرت كلمة أسود للجنود لقرينة مانعة من إرادة معناها الأصلي. وهو أبلغ من قولنا: عبر جنودنا القناة كالأسود.  هذا التركيب يطلق عليه التشبيه.

والاستعارة تكون في المفرد وتكون في المركّب، وأن الاستعارة في المركب تسمّى الاستعارة التمثيليّة. ويكون اللّفظ في الإستعارة التمثيلية مُرَكَّباً، وهو يستعمل في غير ما وُضِعَ له في اصطلاح التخاطب، لعلاقة المشابهة بينها وبين المعنى الأصليّ، وقد يطلق عليه “الاستعارة على سبيل التمثيل”.

ومنها قوله تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (سورة البقرة، 2 / 6-7) أي أن هؤلاء قد تمكن الكفر منهم حتى أصبحوا وكأن الله قد وضع على قلوبهم ختما فأصبحت لا يصل إليها شيء من الهداية، وكأن الله وضع على أسماعهم ختما فأصبحت لا تسمع آيات الله ووعده ووعيده، ولا تتأثر بأسباب الهداية، وكأن الله تعالى ألقى على أبصارهم غشاوة فأفقدها القدرة على الرؤية الواضحة الجلية، لذلك فإنهم سيستمرون على كفرهم، وسيكون ذلك سببا لاستحقاقهم العذاب العظيم من ربهم.

الكفر: ستر الشيء وتغطيته، ومن كفر فقد غطى الحقيقة وستر نعم اللّه عليه. وعلى هذا استحق العقاب. كما أخبرنا الله تعالى عن حالهم بقوله: « يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» (سورة آل عمران، 3 / 106).

والذي خُتم على قلبه وسمعه وكان على بصره غشاوة لا يمكن له أن يرى الحقيقة حتى يغطيها، وبالتالي لا يستحق العقاب، لأنه معذور. إذن لا يمكن هنا إرادة المعنى الأصلي من الكلمة. يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية: إن قلت ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار قلت لا ختم ولا تغشية ثَمَّ على الحقيقة وإنما هو من باب المجاز ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه وهما الاستعارة والتمثيل.

أما الاستعارة فأن تجعل قلوبهم لأن الحق لا ينفذ فيها ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل اعراضهم عنه وإستكبارهم عن قبوله واعتقاده وأسماعهم لأنها تمجه وتنبو عن الإصغاء إليه وتعاف استماعه كأنها مستوثق منها بالختم وأبصارهم لأنها لا تجتلي آيات الله المعروضة ودلائله المنصوبة كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين كأنما غطى عليها وحجبت وحيل بينها وبين الإدراك.

وأما التمثيل فأن تمثل حيث لم يستنفعوا بها في الأغراض الدينية التى كلفوها وخلقوا من اجلها بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية.[1]



[1]  الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري، 1 / 88.

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.